منذ أن اكتشف البشر وجود الجراثيم، بذلنا قصارى جهدنا لتقليلها والقضاء عليها في منازلنا وأجسادنا. وبالرغم من كل هذه المحاولات، يحتوي المنزل العادي على آلاف الأنواع من الميكروبات، التي يمكنها الكشف عن أشياء مفاجئة حول سكان ذلك المنزل وأسرارهم.
باحثون من جامعة كولورادو بولدر في الولايات المتحدة اختبروا الغبار الذي تم جمعه من 1200 منزل عبر الولايات المتحدة.
حلَّلوا تسلسلاً للحمض النووي لإنشاء قاعدة بيانات للبكتيريا والفطريات، وأرفقوا ذلك باستبيانات سمحت للباحثين بالتحقق من نتائجهم.
أسفرت النتائج عن كنوز من المعلومات، قد تؤدي إلى تطورات جديدة في الأبحاث الميكروبية، وحتى علوم الطب الشرعي.
إليك أهم ما تقوله عنك الميكروبات
هل ذهبت إلى الفضاء أم لا؟
كل شيء داخل محطة الفضاء الدولية يكون معقماً، يتم ترشيح الهواء، فالأسطح لا تشجع نمو البكتيريا.
ويتم ترشيح الماء أيضاً باستخدام كبسولات اليود والفضة النانوية، ليصبح المصدر الوحيد للميكروبات هو رواد الفضاء أنفسهم.
قام فريق علمي بقيادة هيرنان لورينزي بدراسة الميكروبات الخاصة برواد الفضاء. وأظهرت النتيجة أن هناك ضعف مناعة لرواد الفضاء، بسبب نقص التنوع في البكتيريا.
عندما يفقد هذا التنوع، فإن الجهاز المناعي ينام حتى تدخل الميكروبات الجديدة، سواء كانت ضارة أو نافعة إلى النظام.
يشعر العلماء بالقلق من كيفية تأثير ذلك على رواد الفضاء أثناء عودتهم إلى الأرض.
هل تعيش في مدينة أم دولة؟
ذكرنا أن رواد الفضاء الذين يكونون في جوّ معقم يفتقرون إلى التنوع في الميكروبات، وبالمثل فإن الناس في المدن لديهم تنوع أقل في البكتيريا من أولئك في المناطق الريفية.
قارنت دراسة أجريت عام 2018 بين الأحياء المجهرية لمجموعتين من البشر: مجموعة تعيش في الحضر وأخرى في الريف داخل نفس المنطقة في نيجيريا.
أظهرت الدراسة الجديدة أن الأشخاص الذين يعيشون في المدن ويتناولون نظاماً غذائياً على الطريقة الغربية لديهم ميكروبات أقل تنوعاً.
لم يكن لسكان الريف تنوع في الميكروبات فحسب، بل كان هذا التنوع موجوداً منذ سن مبكرة.
يعتقد الباحثون أن بعضَ العوامل قد تكون مسؤولة عن هذا الاختلاف.
نادراً ما كان الناس في المناطق الريفية يأكلون الأطعمة المصنعة أو يشربون المياه المفلترة، وكان الأطفال أكثر عرضة للرضاعة الطبيعية.
بالنسبة للمضادات الحيوية -التي يمكنها القضاء على الميكروبات النافعة أثناء محاربة مسببات الأمراض- يتم تناولها بشكل أقل في كثير من الأحيان في المناطق الريفية.
متى ذهبت لمكان معين؟
عند الحديث عن تطبيقات الطب الشرعي، يمكن للميكروبات التي بقيت على بعض الأشياء أن ترشد الخبراء بمعلومات ذات أهمية كبيرة.
عند فحص عينات من هذه الميكروبات، فهي تعطي تلميحات حول الشخص الذي تركها.
عمال المكاتب، على سبيل المثال، سيكون لديهم ميكروبات مختلفة بشكل ملحوظ على جلدهم عن المزارعين.
يمكن للفحص الدقيق أن يكشف عن معلومات حول المهنة والمسكن والموقع والجنس.
ويعمل العلماء على فكِّ كل التفاصيل الشخصية المختلفة التي يمكن أن تكشفها الميكروبات.
جدير بالذكر أن الميكروبات تتحلَّل أيضاً بمرور الوقت. هذا يعني أن الميكروبات تخبر ليس فقط مَن كان هناك، ولكن متى.
هل تخرج من المنزل كثيراً؟
تُظهر الميكروبات الموجودة على جلدنا المكان الذي كنا فيه، ولكن يمكن للميكروبات الموجودة بداخلنا أن تشير بالفعل إلى مكاننا.
لأي سبب كان، كثير من الناس يقضون وقتاً أقل في الهواء الطلق، وهذا يظهر في أمعائهم.
البقاء في المنزل يشبه إلى حدٍّ كبير العيش في محطة فضائية. ما زلنا نحصل على بعض الميكروبات عندما نتجول داخل المنزل، لكن لا يزال من الصعب الحصول على تنوع غني بالبكتيريا، دون الاختلاط ببعض الأوساخ أحياناً.
تغيّر المجتمع بطريقة تمنع الأطفال من التعرض للبكتيريا التي تؤدي إلى تطور أجهزة المناعة لديهم، لكن العلماء أوضحوا ضرورة التعرض للبكتيريا في وقت مبكر للمساعدة في تقليل الحساسية وغيرها من الأمراض.
حتى البالغون، بحاجة للهواء الطلق الرائع لتنويع بيئاتهم الميكروبية.
في عام 2004، أجرت ماري أوبراين، طبيبة الأورام في مستشفى رويال مارسدن في لندن، تجربة تم فيها حقن مرضى السرطان بلقاح Mycobacterium vaccae، وهي بكتيريا غير ضارة، موجودة عادة في التربة.
على الرغم من أنها لم تقدم الفائدة المناعية التي كانت تأمل في الحصول عليها، ولكن كان لها تأثير إيجابي أفاد المرضى بأن أصبحوا أكثر سعادة.
وساهم الأمر بشعورهم بمزيد من الحيوية وتحسين وظائفهم الإدراكية.
هل تملك حيواناً أليفاً؟
كان تأثير الكلب كبيراً في حصول أصحابهم على مزيد من التنوع البكتيري وإغراق منازلهم بأنواع متعددة من الميكروبات، لدرجة أن الباحثين تمكنوا من معرفة ما إذا كان لدى الأشخاص كلب من خلال الميكروبات وحدها بنسبة 99% من الدقة.
يمكن أن يشير التأثير نفسه على بيئة المنزل إلى وجود قطة، ولكن بدقة أقل.
من المفترض أن السبب في ذلك هو أن القطط لا تميل إلى الخروج تماماً كما تفعل الكلاب.
بالنسبة للكثيرين، هذا يجعل الكلاب تبدو غير صحية بشكل مخيف.
ومع ذلك، فقد تبيَّن أن أطفال الأسر الذين يعيشون مع الكلاب أقل عرضة للحساسية والربو من الأطفال الذين يعيشون مع القطط.
وقد أدَّى ذلك إلى وصول الباحثين إلى استنتاج، وهو أن كميات الأوساخ الصغيرة التي تعود إلى الداخل مع الكلاب هي التي تسبب هذا التحسن.
ماذا تأكل؟
في عام 2014، درس الباحثون الميكروبات الموجودة في 3 أنواع مختلفة من النظام الغذائي.
- الأول كان يحمل عنوان "النظام الغذائي الأمريكي"، الذي يتكون من الوجبات السريعة والمجمدة.
- والثاني هو النظام الغذائي الذي أوصت به وزارة الزراعة الأمريكية، والذي كان يحتوي على مجموعة متنوعة من البروتينات الخالية من الدهون والفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان والحبوب الكاملة.
- النظام الغذائي الثالث الذي تم اختباره، هو نظام غذائي نباتي لا يشمل المنتجات الحيوانية.
وقد تفوق النظام الغذائي الذي أوصت به وزارة الزراعة الأمريكية، حيث تم استهلاك 1.3 مليار ميكروب يومياً.
وجاء النظام الغذائي النباتي متأخراً في المركز الثاني، مع 6 ملايين من الميكروبات فقط.
وحلَّ النظام الغذائي الأمريكي في النهاية مع 1.4 مليون ميكروب.
مع مَن تعيش؟
وجدت جامعة كولورادو اختلافاً مثيراً للاهتمام في الغبار الغني بالميكروبات في منازلنا، وهو يرتبط كثيراً بالبكتيريا.
في المنازل التي يفوق عدد النساء فيها عدد الرجال، تزدهر بكتيريا اللاكتوباسيلس المهبلية، التي تكافح البكتيريا السيئة.
توجد هذه البكتيريا في اللبن والزبادي، وهذا هو السبب في أن كمية كبيرة منها يمكن أن تمنح المنزل رائحة حامضة خفيفة.
في المقابل، سيكون للمنزل الذي يتسم بالانقسام المتساوي، أو بوجود عدد أكبر من الرجال بوجود مستعمرات من أنواع بكتيرية مثل Corynebacterium وDermabacter وRoseburia.
يعيش أول نوعين من البكتيريا على الجلد، بينما يعيش الثالث في الأمعاء البشرية.
Corynebacterium على وجه الخصوص تحتل الإبطين وتخلق رائحة الجسم.
لذلك يقول بعض الباحثين إن بيوت الرجال تفوح منها رائحة الإبط.
هل تنظّف منزلك باستمرار؟
بالإضافة لحقيقة أن البيئة المفرطة في النظافة تبطئ الجهاز المناعي، فهناك احتمال أيضاً أن نساهم في تكوين عدوى وأمراض مقاومة للميكروبات.
هذه الأمراض لديها باحثون طبيون في جميع أنحاء العالم، يتبارون بحثاً عن حلول للأمراض التي كانت قابلة للعلاج من قبل.
لنأخذ على سبيل المثال الصابون المضاد للميكروبات؛ إنَّ ما يتبقى من الميكروبات يميل إلى أن يكون سيئاً جداً، حتى إنه يطلق عليه اسم (سلالات خبيثة).
تحذر ماري روبوش، عالمة الأحياء الدقيقة والمدربة في مدرسة بيكر للتعليم المهني، من أن هذا الأمر ينطبق بشكل أكبر على بشرتنا.
يمكن أن يسبب الغسل المفرط انهياراً في مجال القوة الطبيعية التي تحمينا من البكتيريا والفطريات الضارة.
يمكننا التركيز على غسل المناطق ذات الرائحة الكريهة، وربما نمنح البقية فترة راحة من حين إلى آخر.
مَن تلمس، ومَن تُقبّل؟
للقاءات الحميمية أسرار ضخمة، وربما ينبغي لنا جميعاً أن نكون سعداء لأن ميكروباتنا لا تستطيع التحدث.
في حين يتشارك زملاء الغرفة في الميكروبات أكثر بكثير من الأصدقاء الذين لا يعيشون معاً، إلا أن الأزواج يشبهون الميكروبات في مستوى آخر.
كل ما يتطلبه الأمر هو قبلة حميمية لمدة عشر ثوانٍ ليتقاسما 80 مليون بكتيريا.
إذا قبَّل الزوجان بعضهما ما يصل إلى 9 مرات في اليوم، فسوف يتبادلان مستعمرات من البكتيريا عن طريق الفم.
تؤكد الأبحاث أن المتزوجين يتقاسمون معظم الميكروبات الموجودة في القدمين والجذع والسرة والجفون.
من المفترض أن هذه المناطق تلتقط البكتيريا عندما يتشاركون نفس السرير لأكثر من بضع ساعات.
الغريب أن الفخذين لا يتبادلان الكثير من الميكروبات، لكن من المعروف أن الناس يتقاسمون الكثير من الميكروبات والفيروسات داخلياً، أثناء ممارسة الجنس.
وأخيراً، البكتيريا تُفشي الأسرار حتى بعد الموت
بعد أن تلفظ أنفاسك الأخيرة بثوانٍ، تبدأ عملية التحلل الكيماوي للجسم، فتزدهر بعض البكتيريا التي تسكن الجسم بسبب هذا التغير.
تتسلل الحشرات أيضاً إلى الفتحات المختلفة في الجسم لإلقاء بويضاتها، وهي تجلب معها الميكروبات الخاصة بها.
يحاول علماء الطب الشرعي الاستفادة من هذه البكتيريا في معرفة الظروف التي حدثت فيها الوفاة، وكم مضى من الوقت على وفاة شخص ما.