بعد أشهر من انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967 على العرب، تبنَّى مجلس الأمن الدولي قراراً ينُص بشكلٍ لا لبس فيه على الموقف الدولي بشأن الأراضي العربية التي استولت عليها. إذ يؤكد القرار رقم 242 على "عدم جواز الاستحواذ على الأرض بالحرب"، وشدَّد على أنَّ "السلام العادل والدائم" ينبغي أن يستند إلى مبادئ تتضمَّن "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير".
وكان هذا يُمثِّل حجر أساس في المباحثات اللاحقة المتعلقة بالصراع العربي-الإسرائيلي. لكنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أظهر مجدداً تجاهلاً متهوراً للمعايير الدولية بإعلانه اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، الإثنين 25 مارس/آذار.
هل يغيّر إعلان ترامب من وضع الجولان بالنسبة للأمم المتحدة؟
المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أعلن الإثنين أن الوضع القانوني للجولان "لم يتغير" بعد قرار ترامب الاعتراف "بسيادة" إسرائيل على الهضبة.
وقال دوجاريك خلال مؤتمر صحفي: "بالنسبة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، فمن الواضح أن وضع الجولان لم يتغير. مضيفاً أن سياسة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالجولان تأتي من القرارات التي اتخذها مجلس الأمن وهذه السياسة لم تتغير".
وسيجري مجلس الأمن الدولي مشاورات مقررة منذ مدة حول قوة الأمم المتحدة المنتشرة في مرتفعات الجولان الأربعاء. ومن المتوقع أن يتيح الاجتماع العلني الشهري الثلاثاء للمجلس حول الشرق الأوسط للدول الأعضاء مناقشة القرار الأمريكي.
ويبلغ قوام "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" حوالي ألف رجل من قوات حفظ السلام بكلفة سنوية تبلغ نحو 60 مليون دولار. وهذه القوة مكلفة منذ عام 1974 بمراقبة المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان.
يقول أحد الدبلوماسيين لوكالة الأنباء الفرنسية إن موقف الولايات المتحدة حيال مستقبل هذه القوة التي تنتهي ولايتها أواخر يونيو/حزيران، خلال نقاشات الأربعاء، سيكون "مثيراً للاهتمام". وأضاف أن الإبقاء على القوة لن يكون متوافقاً مع السياسة الأميركية الجديدة التي تنسب هذه الأرض إلى إسرائيل.
خطوة ترامب "سابقة خطيرة"
وبفعله هذا، جعل الرئيس الأمريكي تعهُّده المتباهي بتقديم "الصفقة النهائية" لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي يبدو أكثر تنافياً مع العقل. فكيف يمكن احترام القيادة الأمريكية في العالم العربي إن كان يُنظَر إلى الرئيس الأمريكي باعتباره مُنتهِكاً للقانون الدولي؟
تقول صحيفة The Financial Times البريطانية، إن ترامب في الواقع، سجَّل "سابقةً خطيرة" تهدد بإحداث تداعيات تتجاوز المنطقة تماماً. إذ يُضعِف هذا على الفور موقف الغرب بشأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم على سبيل المثال.
وكما ورد في القرار 242، فإنَّ مرتفعات الجولان هي أرضٌ سورية تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وفرضت الدولة اليهودية القانون الإسرائيلي في المنطقة عام 1981، لكنَّ المجتمع الدولي رفض عملية الضم. وسعى القادة الأمريكيون السابقون لحل القضية عبر منهج "الأرض مقابل السلام". ومكَّن هذا المبدأ الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيغن من التوصل إلى معاهدة 1979 التاريخية بين مصر وإسرائيل، التي قادت إلى الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء.
ترامب يستخف بالاتفاقيات الدولية وبالجميع
وبعد عقدين من الزمن، اقترب الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون من التوسط في تسويةٍ بين سوريا وإسرائيل، قبل أن تنهار المباحثات عام 2000 بسبب الخلافات حول السيطرة على ضفة بحيرة طبريا. لكن يبدو أنَّ ترامب يعتقد أنَّ بإمكانه الاستخفاف بالاتفاقيات الدولية. إذ تجاهل من قبل تحذيرات حلفاء واشنطن العرب والأوروبيين من عكس مسار سبعة عقود من السياسة الأمريكية من خلال اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك.
وقد أدَّى هذا إلى التقويض الشديد لإحدى ثلاث قضايا جوهرية في قلب الصراع، وهي القضية المتعلقة بوضع المدينة المقدسة المتنازع عليها. والآن، قوَّض الرئيس الأمريكي قضية ثانية، وهي إعادة الأراضي المحتلة. وهناك مخاوف من أنَّه يُخطِّط للتحرك بشأن القضية الثالثة، وهي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
تقول الصحيفة البريطانية، "ربما يراهن ترامب على أنَّ بإمكانه فرض صفقة على الفلسطينيين من خلال الإعلان الاستباقي عن موقفه حيال أكثر القضايا الشائكة، الأمر الذي يترك الفلسطينيين بلا مجال يُذكَر للمناورة. لكنَّ هذا أمرٌ غير مسؤول تماماً، ويهدد بإذكاء المزيد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة. وتُعَد تصرفات ترامب بمثابة الطعام الذي تتغذَّى عليه إيران وحزب الله وحماس".
دفعة لنتنياهو في الانتخابات
وحتى القادة العرب الذين "يبغضون الدكتاتور السوري بشار الأسد ويمنحون الأولوية لموقف ترامب الشرس ضد إيران على حساب محنة الفلسطينيين لا يمكن اعتبارهم مؤيدين لتسليم الأراضي العربية لإسرائيل". وما يزيد الطين بلّة أنَّ "توقيت إعلان ترامب بدا مقصوداً لمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي دفعة" قبيل انتخابات التاسع من أبريل/نيسان.
قليلون فقط في العالم العربي هم من يتوقعون أن تكون الولايات المتحدة "وسيطاً نزيهاً". لكنَّها كانت الطرف الدبلوماسي المهيمن لفترة طويلة. وكان يجب على الأقل أن يكون بمقدور الفلسطينيين انتظار قدرٍ من الحياد. لكن يبدو أنَّ سياسة ترامب الجانحة في الشرق الأوسط تنطوي فقط على معاقبة إيران، والتودد لحكومة إسرائيل اليمينية، واستمالة أموال النفط من الحكومتين المستبدتين في السعودية والإمارات. وهذا لا يُكوِّن استراتيجية سليمة.