بعد نحو عامين من التحقيقات وجهت خلالها تهم لـ34 شخصاً و3 شركات وصدرت أحكام بالسجن على البعض، سلم المحقق الخاص روبرت مولر الجمعة 22 مارس/آذار 2019، تقريره النهائي بشأن دور روسيا في الانتخابات الرئاسية التي أتت بدونالد ترامب للبيت الأبيض في 2016، وعلى غير عادته التزم الرئيس الصاخب الصمت ولم يعلق، فماذا قد يكون السبب؟ وما هو سر راحة ترامب الابن واحتفاله بتلك المناسبة؟
الرئيس ومساعدوه ينظرون لتسليم التقرير على أنه حدث يستدعي الاحتفال، حيث أنهم يرونه دليلاً على عدم توصل التحقيق لأدلة تكفي لإدانة الرئيس أو مساعديه المقربين بتهمة التآمر مع روسيا للفوز في انتخابات الرئاسة، لكن الواقع مختلف.
فالواقع يقول إنه سواء كانت نهاية تحقيق مولر تعني نهاية مشاكل ترامب القانونية أم بدايتها هي مسألة في يد الكونغرس وعدد كبير من المحققين الآخرين الذين يتولون مسائل فرعية مرتبطة بالموضوع الأصلي لتحقيق مولر، طبقاً لتحليل السي إن إن.
في السياق، أكد السيناتور كريس كونز، العضو الديمقراطي باللجنة القضائية لمجلس الشيوخ، أن ترامب وأعضاء فريقه الأساسي قد يواجهون مخاطر قانونية حتى لو لم يثبت تقرير مولر ارتكابهم أي جرائم.
ترامب الابن سعيد
ترامب الابن عبر مباشرة عن سعادته بانتهاء تحقيقات مولر وغرد عبر تويتر ساخراً من "التآمر مع روسيا"، وطبقاً لمصدر مقرب منه اعتبر ترامب الصغير نهاية تحقيقات مولر على أنها دليل على عدم تآمره مع روسيا أو الكذب أمام الكونغرس.
— Donald Trump Jr. (@DonaldJTrumpJr) March 22, 2019
وكان ترامب الابن تعرض للاستدعاء أكثر من مرة في سياق التحقيقات ومثل أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب عام 2017، بشأن اجتماع تم في برج ترامب في نيويورك بين عدد من مسؤولي حملة ترامب الانتخابية وعدد من المسؤولين الروس في 2016. وتم استدعاؤه أمام لجنة الاستخبارات في سياق التحقيقات في نفس القضية، وقامت اللجنة بتسليم محاضر اجتماعاتها لمولر كجزء من تحقيقاته، وكانت هناك تكهنات كثيرة وادعاءات أن مولر ربما يتوصل لأدلة تؤكد تورط ترامب الابن في جريمة الحنث بالقسم والإدلاء بشهادة غير صحيحة أمام اللجنة.
في ذات السياق وجه مولر تهماً بالإدلاء بشهادات كاذبة أمام لجنة الاستخبارات للعديد ممن حضروا ذلك الاجتماع ومنهم مستشار الأمن القومي السابق لترامب مايكل فلين وجورج بابادوبلوس أحد العاملين في حملة ترامب الانتخابية وروجر ستون أحد العاملين في الحزب الجمهوري، وألمح مولر أنه ربما يوجه اتهامات لآخرين في تلك النقطة.
المصدر المقرب من ترامب الابن صرح لموقع ذا هيل أنه لا يوجد قلق من إمكانية تعرضه لاتهامات من مكتب المدعي العام في جنوب نيويورك، مؤكداً أن حضور الابن لاجتماع برج ترامب ليس جريمة.
سر صمت الرئيس الصاخب
الشيء المؤكد حتى الآن أن ترامب الابن وغيره من مسؤولي الإدارة الذين طالهم التحقيق ليسوا بمأمن تام من العواقب، حيث أن من سلطات مولر تحويل شخص أو أشخاص لجهات تحقيق أخرى تابعة لوزارة العدل وقد تظهر اتهامات في وقت لاحق من تلك الجهات بحق هؤلاء الأشخاص، وذلك بحسب ما قاله خبراء قانونيون لذا هيل.
هذه النقطة تحديداً تفسر إلى حد بعيد سر صمت الرئيس ترامب عقب تسليم مولر تقريره لوزير العدل وليام بار. فمنذ بدأ مولر تحقيقاته وترامب لا يتوقف عن التغريد والتصريحات معبراً عن غضبه من التحقيق في حد ذاته ومؤكداً أنه مضيعة للوقت والمال.
وتبدو غرابة الصمت من تناول الإعلام الأمريكي للموقف، حيث علقت السي إن إن في معرض تغطيتها لانتهاء التحقيق الذي كان الحدث الأبرز منذ مايو/أيار 2017، بأن "دونالد ترامب لم يكن جالساً في غرفة حرب مع مساعديه ولم يكن يملي تغريداته المتحدية".
هل زال الخطر إذاً؟
النقطة الهامة الآن التي يثيرها أنصار ترامب ويعتبرونها انتصاراً ساحقاً وهي انتهاء التحقيقات دون توجيه مزيد من الاتهامات خصوصاً لترامب وولده وصهره جاريد كوشنر، لو كانت بالفعل دليلاً على انتهاء الأزمة لما صمت ترامب أصلاً.
حول ذلك يقول جوناثان تيرلي وهو أستاذ قانون في كلية الحقوق بجامعة واشنطن لذا هيل إن غياب الإدانات يلقي بشكوك عميقة حول مصداقية نظرية التآمر مع روسيا، لكن هذا لا يعني أن القصة انتهت.
وأضاف تيرلي: "صحيح أن وزارة العدل لا يمكنها دستورياً توجيه تهم جنائية للرئيس لأن منصبه محصن، هذا الأمر لا ينسحب على ترامب الابن ولا جاريد كوشنر وغيرهما من الدائرة القريبة من ترامب"، مشيراً إلى أن الاستجوابات الدائرة في الكونغرس بشأن إدارة ترامب وأسرته وأعماله لا تزال تمثل خطراً قائماً على ترامب وحلفائه. معتبراً أن "تسليم مولر لتقريره يمثل بلا شك مدعاة للراحة بشكل نسبي ولكنه لا يعني أن الخطر قد زال تماماً".
لابد من نشر التقرير
تظل النقطة الأهم لخصوم ترامب بشكل عام وللديمقراطيين بشكل خاص هي مسألة نشر تقرير مولر كاملاً، فهذا الأمر هو أول ما أعلنت عنه نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الديمقراطية وعقدت اجتماعاً هاتفياً مع أكثر من 130 نائباً كان الهدف منه الضغط من أجل نشر التقرير.
حيث أنه وفقاً لقواعد وزارة العدل، فإن ويليام بار يملك صلاحية تحديد حجم المعلومات التي يمكن أن يكشفها علناً، لكنه قال في رسالة أرسلها إلى أعضاء الكونغرس، إنه "ملتزم بأكبر قدر ممكن من الشفافية".
من المهم هنا أن نوضح أن تقرير مولر لا يطلع عليه كاملاً إلا عدد محدود من المسؤولين يطلق عليهم "عصابة الثمانية" وهم قادة الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولكي يتم نشره أو نشر ملخص له هناك تعقيدات واعتبارات كثيرة أبرزها بالطبع الأمن القومي.
وكان ستيف إسرائيل نائب سابق في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي كتب مقالاً مطولاً في ذا هيل عبر فيه عن رأيه في حتمية اطلاع الشعب الأمريكي على التقرير كاملاً.
وأضاف إسرائيل، "لابد من نشر التقرير كاملاً: كل كلمة منه. من حق الشعب الأمريكي أن يطلع على ما جاء فيه. وفي حالة وجود معلومة تعرض عمل أجهزة المخابرات للخطر، يمكن حذف تلك المعلومة من النسخة المتاحة للعامة، طالما أن عصابة الثمانية سيكون لديهم نسخ كاملة من التقرير".