إذا كانت هناك فائدة تذكر من وراء مذبحة المسجدين في نيوزيلندا، فربما تكون انتباه العالم الغربي أخيراً إلى خطر الوحش المسمى اليمين المتطرف، حيث بدأت وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية في تغيير بوصلة التركيز من تطرف الجماعات المنتسبة للإسلام إلى اليمين المتطرف جماعة وأفراداً.
في هذا الإطار، نشرت "بي بي سي" تقريراً شارحاً عنوانه "ما مدى انتشار اليمين المتطرف؟"، تناولت فيه تقارير الأجهزة الأمنية في أوروبا وأمريكا بهذا الشأن مع التركيز على خريطة اليمين المتطرف داخل المملكة المتحدة.
وبدأ التقرير بجملة تمهيدية تقول إن مقتل 50 شخصاً بالمسجدين في نيوزيلندا أدى إلى إعادة طرح الأسئلة حول مدى وعمق إرهاب اليمين المتطرف.
ما حدث في نيوزيلندا وارد جداً ببريطانيا
في تصريح لافت لوزير الداخلية البريطاني عقب مجزرة المسجدين، قال إن "من المحتمل تماماً حدوث هجوم لليمين المتطرف في المملكة المتحدة"، معرباً عن القلق من تطرف الأفراد المنتمين إلى اليمين من خلال التجمعات على الإنترنت.
تصريحات الوزير البريطاني ليست من فراغ، فآخر التقارير الأمنية الصادرة في نيوزيلندا وأستراليا قبل المذبحة لم تتوقف عند مخاطر وقوع جرائم عنف من جانب اليمين المتطرف.
صحيح أن التقارير لم تنفِ احتمالية وقوع هجمات، لكنها وضعتها في خانة متدنية، مرجحةً قيام أفراد من اليمين المتطرف بهجمات منفردة على الأقلية المسلمة، وفي المقابل ركزت التقارير الأمنية على مخاطر الإرهاب من جانب الجماعات الإسلامية المتطرفة، رغم عدم وجود معلن لمثل تلك الجماعات في نيوزيلندا أو أستراليا.
هجمات إرهابية يمينية قبل عامين
طبقاً للتقارير الأمنية من اليوربول (الجهاز الأمني التابع للاتحاد الأوروبي)، تم رصد خمسة مؤامرات إرهابية لليمين المتطرف عام 2017 في دول الاتحاد الأوروبي، جميعها بالمملكة المتحدة.
هذا الرقم يأتي ضمن إجمالي هجمات ناجحة أو تم إجهاضها بأوروبا في العام نفسه، منها 137 هجوماً قامت بها جماعات انفصالية و24 هجوماً نُسبت إلى اليسار المتطرف، و33 هجوماً نسبت إلى من يُعرفون بالجهاديين.
وفي العام نفسه أيضاً وطبقاً للتقرير ذاته، تم القبض على 1219 إرهابياً مشتبهاً فيه، بينهم 20 فقط تم تصنيفهم كيمينيين متطرفين و705 جهاديين.
منظمون ونشطون ومحترفون
طبقاً لسارة خان مديرة هيئة مكافحة الإرهاب بالمملكة المتحدة، يتميز ناشطو اليمين المتطرف في المملكة المتحدة بأنهم "منظمون وفاعلون، ويسعون لتجنيد أعضاء جدد باحترافية ونشاط"، ولكن لم تصدر أية تقارير أمنية تشير إلى أعداد هؤلاء المتطرفين حتى الآن.
ولكن في السياق ذاته، كشفت تقارير الأجهزة الأمنية أنه من بين 18 هجوماً إرهابياً تم إحباطها منذ مارس/آذار 2017 حتى الآن، كان من بينها 4 هجمات من اليمين المتطرف، وتؤكد التقارير الصادرة عن برنامج مكافحة التطرف التابع لحكومة بريطانيا، أن هجمات اليمين المتطرف في زيادة مطردة بالسنوات الأخيرة.
التقارير نفسها رصدت بين عامي 2017 و2018، ما عرفته بأنه إشارة إلى احتمالية تطرف الفرد بلغ عددها 7318، من بين هذا الرقم 1312 تتبع اليمين المتطرف، مضيفة أن عدد أفراد اليمين المتطرف الذين يتلقون المساعدة من خلال برنامج مكافحة التطرف في زيادة ملحوظة.
صعوبة كشف عضو اليمين المتطرف
هناك عنصر هام آخر يزيد من خطورة حركات اليمين المتطرف ومنتسبيها، وهو الصعوبة المتزايدة في الكشف عنهم، بسبب طبيعة تلك الحركات المتناثرة في ثنايا المجتمعات الغربية، بحسب رافايللو بانتوشي مدير الدراسات الأمنية الدولية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
وطبقاً لحواره مع بي بي سي، تظهر أبحاث الهيئة التي يعمل بها ميل إرهابيي اليمين المتطرف في أوروبا إلى العمل بشكل "منفرد"، ولا يظهرون تغييرات ملحوظة في السلوك، ولا يناقشون خططهم مع الأصدقاء أو الأهل، مقارنة بمتطرفي التيارات الإسلامية.
وطبقاً لقاعدة بيانات تلك الهيئة، فإن 40% من الإرهابيين اليمينيين تم الكشف عنهم بالصدفة البحتة مقارنة بـ12% فقط من الإسلاميين في هذا الصدد.
"لكن مؤخراً نرى ارتباطاً أكثر بين أعضاء اليمين المتطرف من خلال الإنترنت، وهذا يمكنه أن يساعد الأجهزة الأمنية المعنية في تعقب إرهاب اليمين المتطرف"، طبقاً لبانتوشي.
لكنه أضاف ملاحظة يمكن اعتبارها حاسمة في هذا الشأن: "لكن تلك الأجهزة لا تزال ترى اليمين المتطرف تهديداً أقل بكثير من التطرف الإسلامي".
فكم مجزرة شبيهة بما حدث في مسجدي نيوزيلندا كفيلة بإقناع أجهزة مكافحة الإرهاب في الغرب بالتعامل مع إرهاب اليمين المتطرف بنفس قدر الاهتمام بمكافحة تطرف الجماعات الإسلامية؟
رسم بياني يوضح ارتفاع وتيرة هجمات اليمين المتطرف في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في السنوات الأخيرة (المصدر: بي بي سي)
رسم بياني لمقارنة بين التطرف المنسوب للإسلام وتطرف اليمين في السنوات الخمس الأخيرة (المصدر بي بي سي نقلا عن وزارة الداخلية)