محطة جديدة للصراع بين السعودية وإيران هذه المرة في باكستان  

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/22 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش
عمران خان وولي العهد السعودي /رويترز

قال  موقع Al-Monitor الأمريكي إن الصراع المستمر منذ عقود بين السعودية وإيران عاد إلى الظهور قبل أسابيع، في وقت يعد عصيباً على طهران، إذ تمر إيران بأزمة اقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية.

وقد بدأ الاحتكاك الأخير بين البلدين بخلاف حول تسعير النفط، إذ عرضت الرياض على العالم نفطاً أرخص، لجذب المستهلكين الذين يواجهون أي انقطاع في إمدادات النفط الإيراني. وكان للمرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية أثر مدمر على صادرات النفط الإيرانية، والشحن والبنوك، لتضرب بذلك قلب الاقتصاد الإيراني.

وانخفضت صادرات النفط الإيرانية نحو مليون برميل يومياً، ليقل بذلك مصدر إيراداتها الرئيسي. وأفادت تقارير بأنَّ أكثر من 100 شركة نفط دولية، وبنوكاً كبرى وشركات لتصدير النفط قد انسحبت من إيران، بحسب الموقع الأمريكي.

وفي غضون ذلك، عززت الرياض من إنتاجها النفطي، لضمان استقرار إمدادات الطاقة والاستحواذ على حصة أكبر من السوق. أما إيران، التي عادت إلى أسعارها التي كانت تتقاضاها منذ عقد من الزمان، للحفاظ على موطئ قدم لها في الأسواق الآسيوية والتنافس مع النفط السعودي، فقد حاولت الإبقاء على التجارة.

الصين والهند الملاذ الآمن

وبحسب الموقع الأمريكي، بإمكان إيران، من خلال الاعتماد على العملاء الكبار مثل الصين والهند، النجاة من الأزمة الاقتصادية، إذ يمكن أن تتحمل الصين الضغوط الأمريكية، ولديها إعفاءات أمريكية تسمح لها بشراء النفط الإيراني حتى شهر يونيو/حزيران 2019. ويمكن أن تكون الصين، التي تحتاج ثلث الإمداد العالمي من المحروقات للحفاظ على ثبات نموها الاقتصادي، طوق النجاة الذي تحتاجه إيران، لكنَّ بكين لا يمكنها تحمل أي تأخيرات في إمداداتها النفطية. ومن خلال استغلال هذه الفرصة، ملأت السعودية بشكل حاسم أي فراغ تركته إيران.

تعتبر آسيا سوقاً متميزاً للجيل القادم من النفط، وسوف تظل كذلك حتى في الوقت الذي يجد فيه الغرب حلولاً بديلة للطاقة. ومن المتوقع لدول مثل الصين والهند وباكستان أن تمثل أسواق تصدير النفط الرئيسية على مدار العقدين القادمين. وزار ولي العهد، محمد بن سلمان، مؤخراً، إسلام آباد ونيودلهي وبكين، لتعزيز استراتيجية اقتصادية جديدة. وأصبحت الرياض، من خلال الاستثمار في المصافي والمشروعات ذات الصلة هناك، أحد أصحاب المصلحة المهمين. وتستفيد السعودية على نحو خاص من ميناء غوادار الباكستاني، وهو الميناء الرئيسي للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) شديد الأهمية، ويستعد ميناء غوادار الذي يستطيع توفير النقل إلى البر الرئيسي للصين في 7 أيام فحسب، ليصبح المحطة الأساسية للسعودية والشرق الأوسط وإفريقيا.

ومع أنَّ هذا الوضع قريب من أن يكون مربحاً للجميع، فإنَّ ثمة فخاً ها هنا.

فبما أنَّ السعودية تحرم طهران من جزء كبير من سوق النفط الآسيوي، فقد لا تكون إيران شغوفة بأن يكون منافسها بجوارها مباشرة، إذ تشارك باكستان حدوداً صحراوية طويلة مع إيران، ويقع ميناء غوادار على بعد 175 ميلاً فحسب من ميناء تشابهار، الذي تتشارك فيه إيران مع الهند. ومما زاد الأمور سوءاً، أنَّ إيران والسعودية على جانبين متعارضين في الصراعات بالوكالة بكل من سوريا واليمن.

المأزق الباكستاني

وبالنظر إلى هذه الروابط الثنائية المتوترة، فإنَّ باكستان سوف تواجه وقتاً عصيباً في إبقاء التوازن بين الرياض وطهران؛ ذلك أنَّ صياغة سياسة خارجية تناسب كلا البلدين لم تكن قط بالأمر السهل. ففي الماضي القريب، واجهت باكستان تدهوراً في العلاقات مع السعودية والإمارات بعد أن اختارت البقاء على الحياد بالقضية اليمنية. وبالمثل، عندما شكلت السعودية، عام 2015، التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب -مستثنية إيران والعراق وسوريا- واختارت الجنرال الباكستاني المتقاعد رحيل شريف لقيادته، أرادت إيران تفسيراً لذلك، بحسب الموقع الأمريكي.

وحتى الآن، فإنَّ تشابهار لم يعتبر قط تهديداً لميناء غوادار. فمع وجود ميناء بندر عباس المزدهر على السواحل الجنوبية لإيران، لم يكن تشابهار أكثر من مجرد خيار لإيران. وبدا من المحتمل أن ينتهي الأمر بالتوأمة بين الميناءين لو انضمت إيران إلى الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني أو حتى منظمة شانغهاي للتعاون. لكنَّ هذه الاحتمالية تبدو بعيدة الآن، وإيران مصممة على عرض تشابهار بوصفه منافساً، بسبب الوجود السعودي في غوادار.

وقد حذر وزير الموانئ والشحن الباكستاني السابق، مير هاسيل خان بيزنجو، الذي كان يشعر بمخاوف مشابهة في الآونة الأخيرة، إذ قال: "غوادار قريب من ميناء تشابهار ومشروع ريكو ديك (Riko Diq) قريب من زاهدان، عاصمة إقليم سيستان وبلوشستان. المقاتلون السُّنة [الذين يعتنقون الأيديولوجية الوهابية السعودية] نشطون في هذه المنطقة. فكيف لا تكون طهران منزعجة من الاستثمار السعودي في غوادار؟".

وقد كانت هناك مشكلات في الماضي بإقليم سيستان وبلوشستان المضطرب، وساعدت باكستان في القبض على زعيم المتمردين السنة، عبد المالك ريغي، لإيران عام 2010. لكن إذا وقعت أية مشكلات الآن، فربما تحمّل إيران المسؤولية للسعودية، وقد يتحول ميناء تشابهار إلى تحدّ أمني لميناء غوادار. ولتجنب مثل هذا الموقف، فسوف يتعين على باكستان الحفاظ على حياد صارم والسعي لإحداث تقارب بين البلدين، بحسب الموقع الأمريكي.

ضبط العلاقة هو الحل

وبحسب الموقع الأمريكي، فإنَّ إعادة ضبط العلاقات السعودية-الإيرانية هو الخيار الأفضل لجميع الأطراف المعنية، حتى مع وجود متطرفين في كلا الجانبين. ولما كانت باكستان بلداً مهماً لكل من الرياض وطهران، فهي مؤثرة بما يكفي لتهدئة سوء التفاهم بين البلدين. فبوصف باكستان قوة نووية مسلمة، فهي مهمة لمعادلة الأمن السعودي. ولإيران مصالح خاصة في باكستان، إذ يحتل العدد الكبير من السكان الشيعة في باكستان المرتبة الثانية بعد إيران. (إذ إن باكستان موطن لثاني أكبر تجمع شيعي بعد إيران).

وقد شدد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، معترفاً بالحاجة إلى مثل هذه الوساطة فور انتخابه العام الماضي، فقال: "سوف يكون هدفنا فعل ما بوسعنا للصلح في الشرق الأوسط. نحن نريد الاضطلاع بهذا الدور". ولما كانت إيران تأمل روابط أقوى مع الحكومة الجديدة، فقد استجابت على نحو إيجابي. إذ كانت واحدة من أوائل البلدان التي هنأت خان على توليه منصبه، وتبعت ذلك بزيارة قام بها وزير الخارجية، جواد ظريف.

بل إنَّ إيران احتفلت، العام الماضي، بيوم استقلال باكستان، للمرة الأولى على الإطلاق. ومع ذلك، فقد كانت أول رحلة خارجية لرئيس الوزراء الباكستاني إلى السعودية، على الرغم من أنَّ الرئيس الإيراني حسن روحاني قد وجه الدعوة أولاً. إذ طلب خان، مساعدة اقتصادية من السعودية والإمارات. ومن المفهوم أنَّ طلب الشيء ذاته من إيران أمر غير وارد، إذ تعاني إيران أزمة اقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية.

تحميل المزيد