نشرت وسائل إعلام سودانية رسمية وغير رسمية محسوبة على السلطات ما مفاده أن وفداً من الكونغرس الأمريكي قد زار البلاد، في زيارة استمرت 3 أيام، بدأت يوم السبت الماضي 16 مارس/آذار، وقد أثارت زيارة "الوفد" المزعومة للخرطوم، جدلاً واسعاً على الساحة السودانية، باعتبارها الأولى من نوعها منذ اندلاع الاحتجاجات قبل نحو 3 أشهر.
وبحسب وسائل الإعلام ذاتها التي اعطت الزيارة اهتماماً واسعاً وغير مسبوق، فقد ناقش "الوفد" برئاسة عضو الكونغرس غوس بلراكسيس، الاحتجاجات الشعبية المستمرة والقرارات الحكومية بما فيها حالة الطوارىء التي أعلنها الرئيس عمر البشير 22 فبراير/شباط الماضي. مضيفة أن "الوفد يقوم بنقل رسالة إيجابية لأعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكية عن الأوضاع بالسودان، وأن الوفد وجد إن الأوضاع بالبلاد مختلفة عن ما كان يسمع به ويروج له الإعلام الغربي بالخارج".
لكن في الحقيقة لم يكن "وفداً" ولم تكن زيارة رسمية!
لكن، في حقيقة الأمر، لم يكن هناك وفد أمريكي قد زار البلاد بالفعل، إذ لم يكن هناك سوى عضو عادي من الكونغرس الأمريكي، وزار السودان بصفة شخصية برفقة زوجته، دون أن يمثل الكونغرس الأمريكي بالفعل أو أي جهة رسمية أمريكية.
إذ قال مصدر في السفارة الأمريكية في الخرطوم لصحيفة "التغيير" السودانية، إن الزيارة التي قام بها عضو الكونغرس الأمريكي غيس بيلراكيس إلى السودان لم يتدخل الكونغرس في ترتيبها ولا علاقة له بها، مؤكداً أن مرافقي بيلراكيس هم مدير مكتبه ومعاونه وزوجته اليونانية الأصل.
وعلى عكس ما نقلت وسائل الإعلام المحسوبة على الحكومة، فقد جاء في بيان صادر عن عضو الكونغرس الأحد، أن الزيارة كانت بتنسيق ومساعدة من معهد "هامبتي دمبتي"، ولم يشر البيان إلى أن بيلراكيس ومرافقيه موفدون من أي جهة رسمية من الولايات المتحدة الأمريكية، لإجراء مباحثات رسمية مع الحكومة السودانية.
والتقى عضو الكونغرس الأمريكي عدداً من المسؤولين في الحكومة السودانية من بينهم رئيس الوزراء ووزير العدل ووزير الخارجية ورئيس البرلمان ومدير الأمن والمخابرات، وأعضاء من البرلمان وصحفيين وسياسيين معارضين بحسب البيان.
حكومة البشير وضعت له برنامجاً حافلاً وضخمّت منصبه في الكونغرس
وكانت السلطات السودانية قد عرّفت بيكلاريس بأنه "رئيس لجنة الحريات في الكونغرس" وأعدت له برنامجاً حافلاً التقى فيه بكبار مسؤولي الدولة، لكن في الحقيقة يعد بيكلاريس رئيس لجنة الحريات الدينية فقط في الكونغرس الأمريكي.
#تسقط_بس بعد الهيصة دي كلها يطلع عضو الكونغرس الامريكي الجمهوري Gus bilirakis اللى ماجاي موفد بشكل رسمي من الكونجرس جاي زيارة بشكل شخصي بترتيب وتمويل من الحكومة السودانية مع معهد هنبتي دمبتي الذي يراسه السوداني البحريني د/الصادق عمر خلف الله … pic.twitter.com/IppRUrMt6f
— Psycho (@___Nubian___) March 18, 2019
وأضافت المصادر في السفارة الأمريكية بالخرطوم، أن عضو الكونغرس جاء برفقة "مؤسسة علاقات عامة"، وبحسب الصحفي السوداني محمد مصطفى، فإن هذه الشركة يرأسها أمريكي من أصل سوداني ويدعى الصادق خلف الله وهو مدير معهد "إمبتي دمبتي"، الذي كان قد نظم زيارات لأعضاء في الكونغرس الأمريكي للخرطوم ودول عربية أخرى مثل البحرين ومصر، لدعم هذه الأنظمة وإعطاء صورة دعائية كبيرة داخلياً وخارجياً.
– لا توجد لجنة للحريات بالكونغرس مطلقا.
يزور عضو الكونغرس السودان ومعه عدد من موظفي الكونغرس ومساعدي التشريع وليس معه أي أعضاء كونغرس اخرين كما روج له.
– رتب هذه الزيارة معهد همبتي دمبتي وهو مؤسسة خاصة تقوم بإعداد مثل هذه الزيارات للحكومات المختلفة.— Yasser🇺🇸 (@Yasser11ever) March 17, 2019
ويقول مصطفى لـ"عربي بوست"، إن الخرطوم عملت على تضخيم الزيارة من باب إضفاء الشرعية وتجميل صورة النظام في ظل التظاهرات الشعبية التي تنادي برحيله منذ أشهر، والتي سقط فيها العشرات من الشبان السودانيين برصاص قوات الأمن، التي اعتقلت المئات من الناشطين أيضاً.
وبحسب مصادر صحيفة التغيير في السفارة الأمريكية، فإن الزيارة أيضاً كانت في الأصل بطلب من زوجة عضو الكونغرس بيكلاريس اليونانية، لزيارة الجالية اليونانية في السودان والاطمئنان عليها، وهو ما يؤكده بيكلاريس في بيانه الذي قال فيه إنه التقى أبناء الجالية اليونانية وزار كنائسهم في الخرطوم.
هدف الزيارة هو حث الخرطوم على تسديد التعويضات لواشنطن
في السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني زهير السراج، إن بيكلاريس وخلال زيارته للسودان لم يشغل نفسه بحقوق الإنسان أو الحريات أو غيرهما، بل كان شغله الشاغل خلال لقاءاته بالمسؤولين السودانيين ومنهم رئيس المجلس الوطني، هو حثّهم على تسديد التعويضات التي حكمت بها المحاكم الأمريكية ضد الحكومة السودانية لصالح أسر ضحايا المدمرة الأمريكية (كول) عام 2000 وتفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي عام 1998 كوسيلة لتحسين العلاقات بين الدولتين.
وأضاف السراج أن المرة الوحيدة التي تحدث عضو الكونغرس بيكلاريس فيها عن إطلاق سراح المحتجزين في المعتقلات السودانية، جاء حديثه عن السودانيين من حاملي الجنسية الأمريكية فقط، بحسب وصفه.
إلى ذلك، يعتبر السودان مدرجاً على قائمة الخارجية الأمريكية لما تعتبرها "دولاً راعية للإرهاب"، منذ عام 1993؛ بسبب استضافته زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن.
ورفعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على السودان منذ 1997.
ورفع العقوبات جاء بناءً على خمسة مسارات، من بينها تعاون الخرطوم مع واشنطن في مكافحة الإرهاب، والمساهمة في تحقيق السلام بجنوب السودان، إلى جانب الشأن الإنساني المتمثل في إيصال المساعدات للمتضررين من النزاعات.
وتواجه الخرطوم مشكلة قانونية تتعلق بتعويضات ضحايا تفجيري السفارتين، والمدمرة "كول"، التي تتجاوز 7 مليارات دولار، والتي أدان القضاء الأمريكي حكومة السودان بالضلوع فيها، وهو ما نفته الخرطوم.