قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أمس الأحد 17 مارس/آذار 2019، إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أذن بحملة سرية قبل أكثر من عام من مقتل جمال خاشقجي، لإسكات المعارضين.
وأذن كذلك بمراقبة وخطف واحتجاز وتعذيب مواطنين سعوديين معارضين ، وفقاً لمسؤولين أمريكيين قرأوا تقارير مخابراتية سرية عن الحملة.
وبحسب الصحيفة، فإن "مجموعة التدخل السريع" أُنشئت منذ 2017 قبل اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وفقاً لمسؤولين أمريكيين اطلعوا على تقارير استخبارية.
وأوضحت الصحيفة أن نفس الفريق الذي اغتال خاشقجي قام بتنفيذ بعض المهام السرية، ومقتل خاشقجي كان جزءاً من حملة واسعة لإسكات المعارضين السعوديين.
وانطوت تلك المهام على إعادة قسرية لسعوديين من دول عربية، واحتجاز وإساءة معاملة السجناء في قصور تابعة لوليّ العهد ووالده الملك سلمان.
وقال المسؤولون للصحيفة إن أعضاء فريق قتل خاشقجي، والذي أطلق عليه المسؤولون الأمريكيون اسم "مجموعة التدخل السريع"، شاركوا في ما لا يقل عن 12 عملية ابتداءً من عام 2017 لإسكات المعارضين من خلال القتل والخطف والتعذيب والتحرش بالنساء.
مكافآت لحُسن الأداء
وبحسب "نيويورك تايمز" كان فريق التدخل السريع مشغولاً لدرجة أن زعيمه سأل في يونيو/حزيران 2018 أحد كبار المستشارين لوليّ العهد عما إذا كان بن سلمان سيمنح الفريق مكافآت لعيد الفطر.
وتقول المملكة إن 11 سعودياً يواجهون تهماً جنائية بتهمة قتل خاشقجي، وإن المدعين يسعون إلى عقوبة الإعدام لخمسة منهم، لكن المسؤولين لم يحددوا هوية المتهمين علانية.
وقال المتحدث الرسمي إنَّ القوانين السعودية تحرم التعذيب وتحاسب المتورطين في مثل هذه الانتهاكات للسلطة، ولا يمكن للقضاة قبول الاعترافات التي تم الحصول عليها بالإكراه. وقال إنَّ المدعي العام للملكة وهيئة حقوق الإنسان السعودية يحققان في "مزاعم حديثة".
ولا يزال خبراء الطب الشرعي الأتراك يبحثون عن رفات خاشقجي داخل فيلا في تركيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وفي السياق نفسه قامت قوات الأمن السعودية باحتجاز العشرات من رجال الدين والمثقفين والناشطين الذين يُعتقد أنهم يشكلون تهديداً، وكذلك الأشخاص الذين نشروا تغريدات انتقادية أو ساخرة عن الحكومة على تويتر.
وقال بروس ريدل، المسؤول السابق في "سي آي إيه" الذي يعمل محللاً الآن مع معهد بروكينغز: "لم نر حملة على نطاق مثل هذه"، وتابع: "لم يكن منشق مثل جمال خاشقجي في الماضي يستحق كل هذا الجهد".
وأكد مسؤولون أمريكيون أن مجموعة التدخل السريع حصلت على أمر من محمد بن سلمان، وأشرف عليها سعود القحطاني الذي قاد نائبه ماهر عبدالعزيز مطرب الفريق في الميدان.
هل ما زال الفريق يعمل؟
وكان هناك عضو آخر بالفريق هو ثائر غالب الحربي، أحد أفراد الحرس الملكي الذي تمت ترقيته في عام 2017 بسبب "شجاعته" خلال هجوم على قصر ولي العهد.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول سعودي قوله إن مطرب والحربي يخضعان للمحاكمة في الرياض بتهم تتعلق بمقتل خاشقجي.
فيما يقبع القحطاني رهن الإقامة الجبرية، وقد مُنع من السفر وهو قيد التحقيق، ما يجعل الأمر غير واضح ما إذا كان الفريق لا يزال يعمل أم لا.
ولم تحدد تقارير المخابرات الأمريكية مدى تورط بن سلمان في عمل المجموعة، لكنها قالت إن العملاء رأوا أن القحطاني يمثل "قناة" لولي العهد.
وأحد العملاء الآخرين في الفريق هو ثائر غالب الحربي، وهو أحد أعضاء الحرس الملكي الذي رقي عام 2017، لشجاعته أثناء هجوم على قصر الأمير محمد.
وذكرت الصحيفة أنه عندما حبس بن سلمان مئات من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين السابقين في فندق ريتز كارلتون بالرياض في عام 2017 بتهمة الفساد، عمل القحطاني ومطرب في الفندق، ما ساعد في الضغط على المحتجزين للتوقيع على التنازل عن الأصول التي يملكونها، وفقاً لما ذكره المحتجزون لاحقاً.
وتعرض الكثير من المحتجزين في الريتز كارلتون للإيذاء البدني، ومات أحدهم في الحجز، وفقاً لشهود. وليس من المعروف إذا ما كان أعضاء فريق التدخل السريع متورطين في هذا الإيذاء الجسدي. بينما أنكرت الحكومة السعودية وقوع أي إيذاء بدني هناك.
وتواصل وكالات الاستخبارات جمع الأدلة حول دور بن سلمان في العمليات. وفي ديسمبر/كانون الأول، أصدرت وكالة الأمن القومي الأمريكية تقريراً يقول إنه في عام 2017، أخبر وليّ العهد محمد بن سلمان أحد كبار مساعديه بأنه سيستخدم "رصاصة" لإنهاء خاشقجي في حال عدم عودته إلى المملكة وتوقفه عن انتقاد الحكومة.
وخلص محللو الاستخبارات إلى أن بن سلمان ربما لم يعنِ ذلك حرفياً، إلا أنه كان يعتزم إسكات الصحفي بقتله إذا كانت الظروف تقتضي ذلك.
وللنساء كان النصيب الأكبر
وبدا أيضاً أنَّ مجموعة التدخل السريع كانت متورطة في احتجاز حوالي 12 امرأة من الناشطات في مجال حقوق المرأة وإساءة معاملتهن، ممن اعتقلن في الربيع والصيف الماضيين.
وشملت قائمة الناشطات، اللواتي قمن بحملة لرفع الحظر عن قيادة النساء، الكثير من الشخصيات المعروفة: لجين الهذلول، التي سجنت لمحاولتها قيادة سيارتها إلى المملكة من الإمارات العربية المتحدة، وعزيزة اليوسف، أستاذة علوم الحاسوب المتقاعدة، وإيمان النفجان، المحاضرة في اللغويات.
في البداية، لم تحتجز أولئك النساء في سجن، وإنما احتجزن بشكل غير رسمي فيما بدا أنه قصر غير مستخدم في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، وذلك وفقاً لعلياء الهذلول، شقيقة لجين الهذلول. حبست كل امرأة منهن في غرفة صغيرة، وكانت النوافذ مغطاة. وكثيراً ما كانت تؤخذ بعض النساء إلى الطابق السفلي للاستجواب، الذي تضمن الضرب والصدمات الكهربائية، والإغراق إلى حد الاختناق، والتهديدات بالاغتصاب والقتل.
فيما حاولت واحدة من النساء اللاتي احتجزتهن المجموعة، وهي محاضرة جامعية في اللغويات كتبت مدونة عن النساء في السعودية، قتل نفسها العام الماضي بعد تعرضها لتعذيب نفسي، وذلك وفقاً لتقارير استخباراتية أمريكية وأشخاص آخرين اطلعوا على حالتها.
وكتبت علياء الهذلول، في مقال افتتاحي بصحيفة The New York Times أنَّ القحطاني "حضر عدة مرات" عندما كانت أختها تتعرض للتعذيب، وأنه هدد بقتلها وإلقاء جسدها في المجاري.
وقد كانت المعاملة شديدة القسوة إلى درجة أنَّ إيمان النفجان حاولت الانتحار، وفقاً لتقييم الاستخبارات الأمريكية.
وقالت علياء الهذلول إنَّ النساء قد نقلن بعد ذلك إلى سجن ذهبان في جدة، حيث توقف الاعتداء البدني وسمح لأقاربهن بزيارتهن.