كان نعيم رشيد، وهو معلم وأب لثلاثة أطفال هاجر من باكستان إلى نيوزيلندا منذ عقد من الزمان، منشغلاً الشهر الجاري في تحضير عرس ابنه طلحة (21 عاماً) الذي سيقام في ربيع 2019.
ومع الأسف لم يبق الأب ولا الابن على قيد الحياة ليحتفلا بتلك المناسبة. إذ قُتل الاثنان الجمعة 15 مارس/آذار 2019، إلى جانب سبعة باكستانيين آخرين عندما شن مسلح هجوماً على مسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا أسفر عن مقتل 50 شخصاً وإصابة العشرات نقلاً عن صحيفة Washington Post الأمريكية.
بعد الحادثة أصبح رشيد بطلاً قومياً
لكن منذ وقوع الحادث، أصبح رشيد بطلاً قومياً في بلاده، بعد أن انتشر مقطع فيديو يظهر فيه وهو يحاول ردع المسلح خارج أحد المساجد قبل أن يُطلق عليه النار.
قال خورشيد علام شقيق رشيد في مقابلة عبر الهاتف أجريت معه من موطنه في أبوت أباد بباكستان: "كان أخي بطلاً دفع حياته ثمناً للحفاظ على حياة آخرين. وأظهر موته كيف أنه كان يعتني بالبشرية. وقبل بضعة أيام، كنا نتحدث مع نعيم عن قدوم العائلة إلى باكستان لحضور زفاف طلحة. لكننا الآن نتحدث عن وفاته وإجراءات الجنازة".
وأضاف علام إن رشيد وابنه، الذي أطلق عليه الرصاص بجانبه: "وقعا ضحية للإرهاب. . ويجب أن يتكاتف العالم جميعاً لسحق تلك الآفة".
اتهم برينتون هاريسون تارانت، الذي أعلن اعتناقه لأفكار النازيين الجدد وهو أسترالي يبلغ 28 عاماً، على خلفية تلك الهجمات الوحشية.
كانت باكستان ضحية ومصدراً للإرهاب الإسلامي على مدار عقدين. ورغم مقتل عشرات الآلاف من الباكستانيين في الهجمات الإسلاموية المسلحة، فقد اتهمت الهند وأفغانستان والولايات المتحدة باكستان بإيواء ودعم جماعات مسلحة تشن هجمات في الخارج.
جائزة وطنية تمنح له نظير شجاعته
تشير عمليات القتل التي وقعت في كرايستشيرش إلى حالة نادرة نسبياً كان فيها المسلمون الذين يعيشون بسلام أهدافاً لعنف جماعي بسبب دينهم.
أعلن عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني يوم الأحد 17 مارس/آذار 2019، أن رشيد سيحصل على جائزة وطنية بعد وفاته نظير الشجاعة التي أبداها. وفي تغريدات على خلفية الهجوم، قال خان إن الأمة فخورة برشيد "الذي لقي حتفه إبان محاولته ردع الإرهابي العنصري المتطرف الذي يؤمن بتفوق البيض".
قال خان إن هجمات كرايستشيرش "تؤكد من جديد ما نحفظه: إن الإرهاب لا دين له". وأردف: "ألقي باللائمة في تلك الهجمات المتزايدة على الإسلاموفوبيا التي شهدناها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011، التي توجه أصابع الاتهام منذ وقوعها إلى الإسلام والـ1.3 مليار مسلم مجتمعين لأي عمل إرهابي شارك فيه أي مسلم".
الحكومة تعلن حداداً وطنياً
وأعلنت حكومته الإثنين 18 مارس/آذار يوم حداد وطني وصدر أمر بأن تنكس الأعلام بشكل نصفي.
وفي مقال افتتاحي نشر أمس الأحد 17 مارس/آذار، قالت صحيفة Dawn التي تصدر باللغة الإنجليزية إن "الكراهية التي تدعم مثل تلك الجرائم الجماعية" ترتبط بعملية "التطرف اليميني الذي تبذل القيادات السياسية والفكرية الغربية مجهوداً لا يكاد يذكر من أجل القضاء عليه".
ويقال إن "الكراهية تجاه المسلمين، والخطاب المناهض للهجرة والتساهل إزاء حديث الكراهية" جميعها ساهمت في هذا التطرف العنيف.
أكدت وزارة الخارجية الباكستانية الأحد 17 مارس/آذار على موت 7 باكستانيين آخرين في حادثة إطلاق النار في المسجد.
نعيم رشيد لم يكن الباكستاني الوحيد
ومن بين الضحايا كان سيد أريب أحمد، البالغ من العمر 27 عاماً، وهو محاسب من مدينة كاراتشي الساحلية انتقل مؤخراً إلى نيوزيلندا من أجل تسلم وظيفة.
وأخبر والد أحمد، سيد أياز أحمد، الصحفيين في كاراتشي إن العائلة انتابها القلق وبدأت تدعو من أجل ابنهم عند السماع عن هجمات المسجد لكن لم يتمكنوا من الوصول إليه.
قال والد أحمد: "واصلنا الدعاء من أجله، لكنه لم يعد موجوداً. أحببت ابني كثيراً. أشعر بأن قلبي قد انفطر".
ومن بين الباكستانيين الآخرين الذين قتلوا كان سيد جانداد علي، الذي يبلغ 34 عاماً، وهو رجل كان مع زوجته وأولاده في زيارة إلى باكستان آنذاك، وكذلك زوجان وهما غلام حسين وكرم بيبي وابنهما زيشان رازا، إضافة إلى محبوب هارون، 40 عاماً، وهو أكاديمي وأب لوالدين.
وورد أن رشيد، الذي كان يعمل مصرفياً في السابق، انتقل إلى نيوزيلندا لإكمال الدراسات العليا. كانت زوجته تعمل معلمة هناك. أما عن أبنائهم فهم طلاب في المراحل الدراسية. وكان رشيد ابن عم آمنة ساردار، وهي إحدى المشرعين الباكستانيين السابقين من أبوت آباد.
قالت آمنة في مقابلة تلفزيونية: "لقد عاملني كالأخت. كان رجلاً متواضعاً وكريماً. لكنه مات رجلاً شجاعاً، مثلما عاش شجاعاً أيضاً. أشعر أنني فخورة به كثيراً. لو لم يحاول إيقاف هذا القاتل، لكان الكثير من الأشخاص قد لقوا حتفهم".