سارعت مواقع منصات الإنترنت، في أعقاب هجوم كرايست تشيرش، بنيوزيلندا، بدافع الكراهية، بحذف مقطع فيديو مدته 17 دقيقة للهجوم، للمنفذ المتطرف. وطبَّقت مواقع مثل يوتيوب حلولاً تقنية، في محاولة لتحديد الخط الفاصل بين الاستخدامات ذات القيمة الخبرية، وتلك غير المقبولة للمقاطع.
لكنَّ فيسبوك، وجوجل، وتويتر، ليست الأماكن الوحيدة التي تفكر في التعامل مع التطرف العنيف، ذلك أنَّ الاعتدال التقليدي لا يؤثر على المواقع الأصغر التي مازال الناس فيها إما يروجون للفيديو أو يمتدحون مطلق النار. وبطريقة ما فإنَّ هذه المواقع تمثل مشكلة أصعب، ويتعلق مصيرها بالأسئلة الأساسية حول طريقة ضبط الشبكة. فرغم كل شيء، مدح الناس لسنوات قدرة الإنترنت على ربطهم ببعضهم، ومشاركة المعلومات، والالتفاف حول الرقابة. ومع حادث إطلاق النار في كرايست تشيرش، فنحن نشهد هذه الظاهرة في أحلك تجلياتها.
هل تنجح المنصات في تحجيم الخطاب المتطرف؟
يقول موقع The Verge الأمريكي، إن مُطلق النار في كرايست تشيرش بثَّ مقطع فيديو مباشراً على فيسبوك، ونشره على منصات أخرى، لكنَّ مركزه الأساسي، على ما يبدو، كان موقع 8chan، وهو موقع يضم مجتمعات لكل منها لوحة خاصة، ويروج أعضاؤه في كثير من الأحيان للتطرف اليميني. وكان موقع 8chan قد حُذف بالفعل من قوائم بحث جوجل، ثم عاد للعمل عبر خدمة واحدة لاستضافة المواقع على الأقل، بسبب مشكلات تتعلق بمواد إباحية تتضمن أطفالاً. (ويزعم مالك موقع 8chan أنَّ الموقع يحذف "دون تردد" المواد الإباحية للأطفال). وبعد حادث إطلاق النار، نَشَرَ بعضُ المستخدمين تعليقاتٍ تتكهن بإغلاق الموقع. وأثارت مجلة Forbes الأمريكية، في وقت لاحق، سؤالاً متعلقاً بإغلاق موقع 8chan بطريقة ما، وفي نيوزيلندا حظر مزودو خدمات الإنترنت الموقعَ بالفعل، ضمن مواقع أخرى.
شهد العامان الماضيان موجةً من إغلاق منصات لمواقع اليمين المتطرف، وسحبت معالجات الدفع، ومسجلو النطاق، وشركات الاستضافة، ومقدمو البنية التحتية الآخرون دعمهم. وقد أدت هذه الممارسة إلى تعثر مواقع التمويل الجماعي مثل Hatreon، وMakeSupport، وتسبَّبت في عطل مؤقت لموقع التواصل الاجتماعي Gab، وجعلت مدونة التفوق العنصري الأبيض The Daily Stormer دون اتصال بالإنترنت.
ولا يزال لدى الشركات التي ليست شبكات اجتماعية تقليدية أنظمة لحذف المحتوى البغيض. وقد وجَّه أحد مستخدمي موضوعات موقع 8chan القرَّاء لفتح رابطٍ على Dropbox، يشتمل على الفيديو، لكنَّ متحدثاً باسم Dropbox قال لموقع The Verge الأمريكي إنَّ الموقع يحذف هذه المقاطع فورَ نشرِها، باستخدام نظام حذف مشابه للنظام المستخدم لضبط الأعمال محفوظة الحقوق.
ومع ذلك، فمن الصعب حذف موقع بصورة دائمة، بفضل العدد الكبير من الشركات التي تقدم هذه الخدمات، وهذا عنصر من عناصر الشبكة المفتوحة الذي يعتبر في العموم أمراً جيداً، بسبب الطريقة التي يزيل بها أدوات الرقابة التقليدية.
شركات تكنولوجية تسهل انتشار خطاب التطرف الأبيض
عادت مدونة The Daily Stormer بهدوء بعد تعرُّضها للحظر عدة مرات، وتلقَّى موقع Gab كثيراً من الدعم العام من مسجل نطاقات في سياتل. وهناك أيضاً بروتوكولات غير مركزية، مُصمَّمة خصيصاً للحفاظ على المحتوى على الإنترنت. واعتباراً من ظهر الجمعة 15 مارس/آذار 2019، أصبح موقع Kiwi Farms، الذي يعتبر ملاذاً للتصيد، موصلاً بملف للفيديوهات على بروتوكول مشاركة الملفات "بت تورنت"، وهو شيء لا يتطلب عادةً استضافةً من أي نظام مركزي أساسي.
قد تكون شركات تكنولوجيا المعلومات أكثر تحفظاً من فيسبوك أو تويتر، لكي تشارك في ضبط المحتوى. وقد اتخذ موقع كلاودفلير، الذي يساعد على حماية المواقع من هجمات رفض الخدمة، نهجاً غير تدخلي. إذا قال دوغلاس كريمر، المستشار القانوني العام للشركة: "نحن نرى أنفسنا باعتبارنا شركة بنية تحتية على الإنترنت، نحن لسنا شركة محتوى، لا ندير منصةً لخلق المحتوى أو اقتراحه أو إدارته. وكذلك فإننا نعتبر أنَّ وجهة نظرنا، إلى حد بعيد، مدفوعة بالحياد"، على حد تعبيره.
ويقارن كريمر عملية ضبط المحتوى التي تُنفذها شركته بسائق شاحنة يتخذ قراراتٍ تحريرية حول ما تطبعه صحيفة ما قبل أن ينقلها. وتنصاع شركة كلاودفلير لأوامر المحكمة، ولا تتعامل مع الشركات المدرجة في قوائم العقوبات الرسمية. وفي إحدى الحوادث البارزة، منعت الشركة أيضاً مدونة The Daily Stormer من الإشارة إلى أنَّ الشركة قد أيدت أيديولوجية الموقع "بتفوق العنصر الأبيض"، وحظرت عليها مضايقة المنتقدين الذين رفعوا تقارير بإساءة الاستخدام. وقال كريمر: "كانوا متفردين للغاية في سلوكهم"، ولم تتعامل الشركة مع قضية مشابهة منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، فقد حضَّت الشركة، في معرض تحليل لسياساتها نشرته الشهر الماضي، البلدانَ على تطوير آليات لمكافحة المواد "الإشكالية" على الإنترنت، قائلة إنه على الرغم من المخاوف المتعلقة بالحفاظ على حرية التعبير والإجراءات القانونية واجبة النفاذ، تحظى الحكومات بنوع من الشرعية لا تملكه منصات الشبكة التي تتخذ إجراءات بشكل أحادي.
حتى من دون القوانين الجديدة، فمن المحتمل أن نرى عمليات حظر واسعة النطاق تشمل بلداناً عديدة لموقع 8chan ومواقع شبيهة، لكنَّ ذلك سوف يكون إجراء "متطرفاً"، يمنح مقدمي خدمات الإنترنت أو الحكومات قدراً هائلاً من السلطة على الإنترنت. (حظرت شركة Verizon، في الولايات المتحدة، لفترة وجيزة موقع 4chan، المشابه لموقع 8chan، لكنه أطلق قبله، لكن من المفترض أنَّ ذلك كان مرتبطاً بهجوم على الشبكة، لا محتوى موقع 4chan). وثمة فارق كبير بين إجبار شخص ما على مغادرة تويتر أو فيسبوك، وبدء موقعه الخاص، والتحكم في كل شيء يمكن رؤيته أو نشره على الشبكة.
ومن المحتمل أن يُعزل موقع مثل 8chan، لو أزالت مواقع تواصل اجتماعي أكبر روابط الموقع وحساباته الرسمية، ما يزيد صعوبة الحصول على زيارات، مثل الزخم الأخير الذي حصل عليه الموقع من استوديو الألعاب THQ Nordic، الذي روج لحلقة مؤقتة نظمها على 8chan يستقبل فيها استوديو الألعاب أسئلة عن أي شيء (AMA) على حساب الموقع على تويتر، الشهر الماضي. هذا أمر قد يكون مثيراً للجدل، لكنه أقل إثارة للجدل بكثير من سحب موقع أو معلومة خارج الإنترنت للأبد، لاسيما دون إجراء بعض النقاشات الصعبة حول الطريقة التي نريد بها إدارة الإنترنت.