أصدر موقع Stratfor الأمريكي، المتخصص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، تقريراً حول أبرز التوقعات السياسية والأمنية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمن اتجاهات رئيسية محددة للربع الثاني من العام 2019، كانت على النحو التالي:
تركيا تستفيد من الانسحاب الأمريكي من سوريا
سوف تتفاوض الولايات المتحدة حول الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من سوريا خلال الربع الثاني من العام الجاري. وسوف يؤدي الفراغ في السلطة الناتج عن هذا الانسحاب إلى مفاقمة التنافس الحالي على النفوذ هناك بين تركيا وسوريا وروسيا وإيران وإسرائيل.
ويزيد هذا الأمر من خطر أن تشعل واحدة من هذه الدول صراعاً مع دولة أخرى. سوف تكون تركيا أكثر المستفيدين من تقليص الولايات المتحدة حجم وجودها العسكري عبر توسيع قدرتها على الحد من نمو الميليشيات الكردية السورية في الشمال الشرقي للبلاد، لكنَّ أنقرة سوف تظل تواجه معارضة كبيرة من القوى الأخرى الساعية إلى خنق نفوذها في سوريا.
ومع تضاؤل الوجود الأمريكي في سوريا، ثمة احتمالية متزايدة أن يؤدي أي خطأ تكتيكي إلى صراع بين القوى المتبقية.
وفي غضون ذلك، سوف تكون إسرائيل أكثر حزماً في استراتيجيتها المتمثلة في ضرب الأصول الإيرانية في سوريا، التي من شأنها أن تشكل تهديداً لتل أبيب. ومع ذلك، فسوف يبدأ الوضع المنبوذ للنظام السوري في العالم العربي بالتلاشي، مع استئناف دول المنطقة الروابط التجارية معه. وثمة علامات بالفعل على أنَّ دول الخليج القوية سوف تذيب العلاقات المجمدة مع الحكومة ذاتها التي عارضوها أثناء معظم الصراع السوري، إذ يرون هذا التقارب بوصفه مقاومة مفيدة للنفوذ الإيراني في العالم العربي.
العراق يصارع مع تحالفه الأمريكي
في هذا الربع الثاني، سوف تنجو الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية من الضغوط السياسية العراقية الداخلية لطرد القوات الغربية من البلاد. وسوف تظهر هذه المداولات غالباً في برلمان بغداد القومي على نحو متزايد. وسوف تساعد المخاوف العراقية من العودة المحتملة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الإبقاء على الروابط مع الولايات المتحدة بوصفها داعماً أمنياً لبغداد، بينما ترى واشنطن حضورها في العراق بوصفه أمراً حاسماً في قدرتها على الحفاظ على جبهة قوية ضد إيران وضمان الاستقرار الإقليمي حتى بعد الانسحاب من سوريا.
ويخلق الوضع الأمني غير المستقر دائماً في العراق فرصاً للحكومة الكردية العراقية للعمل بشكل مثمر على جهود مكافحة الإرهاب مع الحكومة الفيدرالية في بغداد، وهو ما يمهد، بدوره، للتعاون في القضايا الاقتصادية الراكدة منذ وقت طويل بين الحكومتين، مثل تقاسم عائدات تصدير النفط.
هل لا تزال الصفقة النووية جيدة بالنسبة لطهران؟
يتوقع أن يصبح تناقص الحوافز لإيران للبقاء داخل إطار خطة العمل الشاملة المشتركة (الصفقة النووية)، أكثر وضوحاً من أي وقت مضى في هذا الربع السنوي. ذلك أنَّ قنوات الدفع التي أنشأتها طهران لإجراء تعاملات السلع الأساسية، بما في ذلك INSTEX، وهي آلية الدفع الأوروبية الأكثر شهرة، سوف تفشل في إنقاذ تجارة النفط أو الاستثمارات التي تحتاجها إيران لدعم اقتصادها.
ولن تجلب هذه القنوات الضمانات الأمنية التي ترغب فيها طهران. وسوف يؤدي انتهاء أجل إعفاءات شراء النفط الإيرانية، الذي فرضته العقوبات الأمريكية، في 4 مايو/أيار المقبل، إلى نقص حاد في صادرات النفط الإيرانية، وهو ما يعني زيادة الضغوط الاقتصادية والاحتجاجات في إيران. سوف تفكر إيران ملياً في ما إذا كانت سوف تبقى ضمن شروط الصفقة النووية التي وافقت عليها مع الغرب، لكنَّ إيران لن ترفض الصفقة في هذا الربع.
وسوف يتسارع الاقتتال السياسي في طهران بين المعتدلين الذين يروجون لاستمرار المفاوضات مع الغرب، والمتشددين الذين يروجون للانعزالية، لكنَّ المعتدلين سوف يفوزون في هذا الجدل للوقت الراهن. ذلك أنَّ انسحاب إيران من خطة العمل المشتركة الشاملة في هذا المنعطف، لا سيما إذا كان هذا الانسحاب ينطوي على استئناف الأنشطة النووية المحظورة بموجب شروط الاتفاق، من المحتمل أن يؤدي إلى رد فعل بضربة عسكرية محدودة من الولايات المتحدة أو حلفائها الإقليميين مثل إسرائيل. لكنَّ كل خيبة أمل اقتصادية من الغرب تعطي متشددي إيران مساحة أكبر ليطلبوا من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، السماح لهم بالضغط من خلال وسائل أخرى، ربما باستخدام قدرات الحرب السيبرانية في البلاد، أو شبكة وكلائها الإقليميين.
الغرب يقيِّم علاقاته بالخليج العربي
سوف يكثف المشرعون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا من جدلهم حول طريقة دعم وتسليح حلفائهم الخليجيين، لا سيما المحور السعودي الإماراتي. وقد يؤدي هذا الجدل إلى تآكل الدعم الغربي لتحالف السعودية في الحرب الأهلية اليمنية، حيث تحولت المخاوف الإنسانية باطراد إلى مشكلات سياسية واضحة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وسوف تتطرق هذه الجدالات أيضاً إلى دور ولي العهد محمد بن سلمان في حكومة السعودية: ذلك أنَّ قوة نفوذه سوف تعيق التعاون بين الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تتراوح بين مبادرات الطاقة النووية إلى مبيعات الأسلحة. ولكي تلبي دول الخليج دوافع الإصلاح العسكرية والاقتصادية الخاصة بها دون الاعتماد على الغرب، فسوف يزداد تحولها إلى شركاء من أصحاب الوساوس الأقل في ما يخص حقوق الإنسان، مثل روسيا والصين والهند وباكستان، بحثاً عن الاستثمارات الجديدة والاتفاقيات التجارية والأمنية.
عمل عسكري "قوي" ضد غزة
في 9 أبريل/نيسان، سوف تعقد إسرائيل انتخابات وسط تصاعد المشاعر القومية، وهو ما يمنح الحكومة الجديدة تفويضاً أقوى، مع قيود سياسية أقل، لبدء حرب ضد حماس في قطاع غزة. وكذا، فمن المحتمل أن يؤدي الضغط المستمر على حماس، مدفوعاً باقتصاد القطاع المتدهور منذ وقت طويل وتناقص المساعدات الخارجية، إلى عمل عسكري إسرائيلي "قوي" خلال هذا الربع.
ومع ذلك، فإنَّ صراعاً في غزة سوف يجمد أو حتى يلغي التواصل الدبلوماسي الإسرائيلي المتزايد مع دول الخليج. وعلاوة على ذلك، فإنَّ مثل ذلك الصراع سوف يعزز من موقف أولئك المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل داخل الولايات المتحدة، وهم جزء من اتجاه متزايد من المشرعين الذين ينادون بإعادة تقييم الروابط الوثيقة لواشنطن مع إسرائيل والسياسات المنحازة لإسرائيل في الشرق الأوسط.
الجزائر.. الإحباط الشعبي يستمر والمظاهرات ستعم البلاد
سوف تسلط الانتخابات الرئاسية الجزائرية في شهر أبريل/نيسان – إذا تمّت – الضوء على لحظة نادرة في تاريخ البلاد. ذلك أنَّ الزخم السياسي في صالح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لكن هناك مستوى غير عادي من المعارضة يتكتل حول مسألة الوهن الاقتصادي العميق في البلاد. وبصرف النظر عن الفائز، فإنَّ النتائج سوف تظهر إحباطاً شعبياً مرتفعاً من حكومة لا تلبي احتياجات شعبها، وهي حقيقة تؤكدها المظاهرات السياسية التي تعم البلاد.
فربما تقترب الجزائر من نقطة تحول في الانتخابات المقبلة؛ فلأول مرة منذ 20 عاماً، ثمة فرصة ضئيلة لفوز مرشح معارض.
ومن شأن هذا الاستياء العام أن يؤدي إلى عدم استقرار داخلي، وإجبار الحكومة على تغيير بعض سياساتها الاقتصادية. وبالإضافة إلى استرضاء السكان، فباستطاعة الحكومة، إذا حسنت من قوانين الاستثمار الأجنبي وقوانين الاستثمار في المواد الهيدروكربونية، أن تحسن من تعاملاتها التجارية مع شركائها التجاريين الأوروبيين.