تتوجه أنظار العالم من جديد إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي يصوت الأربعاء 13 مارس/آذار 2019، على قرار لإنهاء الدعم للسعودية في حرب اليمن، فيما أوصى مستشارو البيت الأبيض بأن يستخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حق النقض (الفيتو) ضدَّ القرار المرتقب.
ويضغط مشرعون على ترامب، يرون الحرب كارثةً؛ كي يُشدِّد سياسته تجاه الرياض.
وسيكون هذا ثاني تصويت في مجلس الشيوخ على القرار الخاص بسلطات الحرب خلال أربعة أشهر، حيث وافق المجلس على القرار بتأييد 56 صوتاً ومعارضة 41، في ديسمبر/كانون الأول 2018، موجهاً اللوم لترامب، في ظل الغضب من السعودية بسبب سقوط قتلى مدنيين في حرب اليمن، وجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول التركية.
كيف ستتأثر العلاقات التاريخية بين المملكة والولايات المتحدة حال تمرير القرار بأغلبية، وهل سيتمكن الرئيس دونالد ترامب من استخدام الفيتو لوقف تنفيذه؟ وهل ستتضرر العلاقات التاريخية بين الرياض وواشنطن؟
85,000 children have starved to death in Yemen as a result of the Saudi-led war.
U.S. participation in this war has not been authorized by Congress and is therefore unconstitutional.
Tomorrow the Senate will vote to end U.S. support for this disastrous and unconstitutional war.
— Bernie Sanders (@SenSanders) March 12, 2019
70 عاماً من العلاقات الاستراتيجية
تعدُّ العلاقات السعودية-الأمريكية تحالفاً مبنياً على عقود من التعاون الأمني وعلاقات تجارية قوية، في مقدمتها المصلحة الأمريكية في النفط السعودي.
وقد صمدت تلك العلاقات في وجه أزمات عنيفة، منها حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بين مصر وإسرائيل، ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. وقد حرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الاحتفاظ بالسعودية كشريك استراتيجي أساسي في منطقة الشرق الأوسط.
يعتبر لقاء الرئيس الأمريكي فرانكلين ثيودور روزفلت مع العاهل السعودي ومؤسس السعودية عبدالعزيز آل سعود على متن الفرقاطة كوينسي في المياه الإقليمية المصرية عام 1945 هو حجر الزاوية في العلاقات بين البلدين، حيث أدرك روزفلت الطبيعة الاستراتيجية لاكتشافات البترول في السعودية وقتها.
العلاقات تحت إدارة جورج بوش
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، تعرَّضت السعودية لأعنف هجوم عليها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وأضرَّ الشعور العام بالعداء بالعلاقات بين الطرفين، كما أشعل قيام إدارة جورج بوش وقتها بطمس 28 صفحة من تقرير لجنة التحقيق في الهجمات، أشعل التكهنات بأن الإدارة الأمريكية قامت بحجب أدلة على تورُّط مسؤولين سعوديين في الهجمات.
وفي الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس باراك أوباما مرَّر الكونغرس الأمريكي تشريعاً يسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بمقاضاة الحكومة السعودية طلباً للتعويضات. أوباما استخدم حقَّ الفيتو على القرار، تحت ضغط التهديدات السعودية باتخاذ إجراءات اقتصادية ضد واشنطن.
أكبر مستورد للسلاح الأمريكي
أحد أهم أركان الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين هي مسألة الدفاع والتسليح، حيث تعتبر السعودية أكبر مستورد للسلاح الأمريكي في العالم، وبلغت مبيعات الأسلحة للمملكة أكثر من 90 مليار دولار منذ عام 1950، طبقاً لتقديرات البنتاغون. وقد شجع ترامب مبيعات الأسلحة للرياض تحت زعم أنها تخلق أكثر من نصف مليون فرصة عمل سنوية للأمريكان، رغم أن كثيراً من مصنعي الأسلحة يعتبرون ذلك مبالغةً.
وأثناء رحلته للرياض في مايو/أيار 2017، وقع ترامب سلسلة من صفقات الأسلحة يتوقع أن تصل قيمتها لنحو 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات.
طبقاً لموقع SIPRI العالمي، المتخصص في معلومات التسليح، تضاعفت مشتريات السعودية من السلاح عام 2017 (18) مرة أكثر مما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط.
علاقات أكثر دفئاً أصيبت في مقتل
تلك العلاقات أصبحت أكثر دفئاً منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، وصعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كحاكم فعلي للمملكة منذ منتصف 2017، وشكل ترامب ومحمد بن سلمان حلفاً لتوحيد جهودهما ضد إيران، العدو المشترك.
لكن الأمور تعقَّدت بشدة بسبب أفعال محمد بن سلمان، وخصوصاً مقتل الصحفي جمال خاشقجي، مما وضع ضغوطاً متزايدة على ذلك التحالف مع مطالبات كثير من أعضاء الكونغرس الأمريكي بمعاقبة الرياض وإعادة تقييم العلاقات معها، طبقاً لتحليل مطول حول العلاقات الأمريكية-السعودية نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
الرياض في مرمى نيران خصوم ترامب
صورة السعودية الآن داخل الولايات المتحدة وفي الإعلام لا تختلف كثيراً عما كانت عليه أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، خصوصاً بعد جريمة مقتل خاشقجي، إن لم تكن أسوأ، خصوصاً مع استخدام الديمقراطيين لورقة العلاقات بين واشنطن والرياض للنيل من ترامب.
هذا الهجوم اليومي على السعودية إعلامياً، ومن أعضاء الكونغرس خير مثال على ما تمر به العلاقات من مخاطر.
السيناتور ساندرز أشاد بتوبيخ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للسعودية مؤخراً، وطالب الإدارة الأمريكية بوضع مزيد من الضغوط على الرياض.
"هذا توبيخ طال انتظاره من مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، للسجل المخجل لحقوق الإنسان في السعودية. يجب أن تضع الولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على النظام السعودي لإخلاء سبيل النشطاء وإنهاء اضطهاد المعارضين السياسيين".
This is a long overdue rebuke from the United Nations Human Rights Council of Saudi Arabia's atrocious record on human rights. The United States should put pressure on the Saudi regime to release imprisoned activists and end its persecution of dissidents.https://t.co/pBHGbxQLP5
— Bernie Sanders (@SenSanders) March 8, 2019
النائب هارلي رودا من كاليفورنيا، غرّد مؤخراً قائلاً: "كشف تقرير للجنة المراقبة أن مستشاري البيت الأبيض، ومن بينهم مايكل فلين وجاريد كوشنر كانا، وربما لا يزالان يعملان على نقل تقنيات نووية متطورة إلى السعودية والبعض منهم حقق مكاسب مادية شخصية من وراء ذلك. سوف نحقق في الأمر".
Our @oversightdems report reveals that White House advisors including Michael Flynn & Jared Kushner were & possibly still are working to rush highly sensitive nuclear technology to Saudi Arabia, and some stood to personally make money off new power plants.
We will investigate.
— Rep. Harley Rouda (@RepHarley) February 19, 2019
إلهان عمر لا تهاجم إسرائيل فقط
أزمة تصريحات عمر التي اتُّهمت بالعداء للسامية من جانب اللوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل، كشفت أن النائبة لم تكن تقصد فقط إسرائيل، بل السعودية أيضاً، وهو ما ظهر بوضوح عقب إقرار مجلس النواب قراراً تاريخياً ضدّ الكراهية، ذكر فيه التمييز ضد المسلمين لأول مرة.
"لا يجب أن يتوقع أحد أن يكون ولائي وعهدي هو مساندة دولة أجنبية كي أتمكن من خدمة بلدي في الكونغرس أو أن أخدم دائرتي".
وفي تغريدة لها الثلاثاء، فتحت عمر النار على السعودية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والحرب في اليمن.
"دائماً ما يتم تصنيف السعودية ضمن أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، والمملكة مسؤولة عن انتشار الكوليرا والمجاعة في اليمن. ورغم ذلك السعودية هي المشتري الأكبر لأسلحة أمريكية الصنع. لماذا يقف ترامب في صفّ مصنعي الأسلحة على حساب ناشطي حقوق الإنسان؟
Saudi Arabia is consistently ranked among the worst human rights abusers in the world and is responsible for famine/cholera outbreak in Yemen. Yet it is the top buyer of U.S.-made weapons. Why is Donald Trump siding with weapons manufacturers over human rights activists? https://t.co/r44FVx21G9
— Ilhan Omar (@IlhanMN) March 12, 2019
وانضمت لها النائبة المسلمة الأخرى رشيدة طليب معلقة على نفس التغريدة: "أتذكرين عندما قال ترامب إنه لن يخفض تمويل الرعاية الصحية والمساعدات الطبية؟ لقد نقض هذا العهد، ويفضل أن يعطي الأموال للوكهيد (مصنع أسلحة) والسعودية مقابل الصواريخ".
Remember when Trump said he wouldn't cut Medicare and Medicaid? Well he broke that promise. He'd rather give Lockheed and the Saudis money for missiles. https://t.co/1uiwjdYLXr
— Rashida Tlaib (@RashidaTlaib) March 12, 2019
ماذا لو تم تمرير القرار؟
لكن لكي يسري القرار يتعين أن يوافق عليه مجلس الشيوخ الجديد، الذي تولى مهامه في يناير/كانون الثاني، وكذلك مجلس النواب. ثم يتعين أن ينال ما يكفي من الأصوات ليتجاوز نقضاً متوقعاً من ترامب.
يرى كثير من المراقبين أنه حتى في حالة تمرير القرار من المؤكد أن ترامب سيستخدم الفيتو ضده.
"في اعتقادي أن ملف اليمن أخذ طبيعة استثنائية بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة بين التحالف العربي وميليشيات الحوثي، إلى جانب قضية مقتل الكاتب جمال خاشقجي، لذلك هناك عدة تصويتات في الكونغرس ومجلس الشيوخ لوقف الدعم الأمريكي، " قال الباحث بجامعة جورجتاون الأمريكية محمد سليمان لـ "عربي بوست".
"لكن ذلك لم يترجم إلى تغيير في السياسة الأمريكية حتى الآن. على الجانب الآخر ترامب يمتلك علاقات استراتيجية مع السعودية، ومن المتوقع أنه سيقوم باستخدام الفيتو الرئاسي لمنع تشريع بوقف الدعم الأمريكي للتحالف العربي في اليمن".
وأضاف سليمان: "طبقاً لاستراتيجية الأمن القومي الخاصة بالرئيس ترامب فإن مواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط على قمة أولويات سياسته الخارجية".
وردًا على سؤال حول إمكانية تأثير القرار على العلاقات، قال سليمان: "أنا أرى أنه من الصعب أن تتأثر العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة إذا حدث وقف للدعم الأمريكي. الولايات المتحدة هي ضامن أمني لمنطقة الخليج منذ اجتياح الكويت في التسعينات، وحالياً هي ضامن رئيسي في مواجهة الخطر الإيراني، ومن الصعب أن يخاطر السعوديون بقطع تلك العلاقة حال حدوث تصويت ضدهم في الكونغرس".