لماذا فضَّل العالم الصمت أو الحياد حتى الآن تجاه ما يحدث في الجزائر؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/13 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 17:00 بتوقيت غرينتش
People march to protest against President Abdelaziz Bouteflika's plan to extend his 20-year rule by seeking a fifth term in April elections in Algiers, Algeria, March 1, 2019. REUTERS/Zohra Bensemra

على الرغم من مرور نحو 20 يوماً على الحراك الجزائري، فإن دول العالم، خاصةً الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية، تراقب على غير العادة الوضع في صمت، وحتى في حال صدرت مواقف رسمية عنها على استحياء، فإنها تكون محايدة تماماً، عكس ما حدث بالدول الربيع العربي في 2011.

ففي تونس كما مصر وليبيا وسوريا واليمن، تعالت الأصوات منذ 2011، من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والأمم المتحدة ومنظمات دولية على غرار "العفو الدولية" و"فريدوم هاوس" و "هيومن رايتس ووتش"، داعية إلى احترام حق التظاهر، ومنددة بممارسات الأنظمة الحاكمة ضد المتظاهرين، ومطالبةً زعماءها بالتنحي.

وربما أحد أسباب هذا الموقف الغربي يعود إلى حراك الجزائر نفسه، الذي يبدو متفرداً في هذا الخصوص، ويبدي حساسية مفرطة تجاه أي تدخل أجنبي، حتى ولو كان داعماً للمظاهرات الرافضة لولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

استهجان لموقف واشنطن وباريس

مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللاعبين الرئيسيين الأجنبيين في الجزائر، بخصوص الحراك الشعبي، لم تلقَ ترحيباً من أي طرف في الجزائر، رغم أنها كانت عامة وتعبر عن مبادئ معروفة في الولايات المتحدة.

حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، في 5 مارس/آذار 2019، رداً على سؤال لقناة "الحرة" المحلية: "نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر، وسنواصل فعل ذلك"، وإن "الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التجمع السلمي".

أما فرنسا المستعمر التاريخي للجزائر، فقال وزير خارجيتها جان إيف لو دريان، في 6 مارس/آذار 2019، إن بلاده "تتابع من كثبٍ الاحتجاجات في الجزائر، لكن الأمر يرجع إلى الجزائريين في تحديد مستقبلهم".

والثلاثاء 12 مارس/آذار 2019، حيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدول نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عن الترشح لولاية خامسة، معتبراً أنه يفتح فصلاً جديداً في تاريخ الجزائر، داعياً إلى "مرحلة انتقالية بمهلة معقولة".

ورغم هذه التصريحات المتحفظة، لم يستسغ الشارع الجزائري التصريحات الأمريكية الداعمة لحراكه، ولا حتى الاهتمام الفرنسي الزائد بالجزائر، واعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلاده.

فيكفي أن يوصف طرف في الجزائر بأنه مدعوم أمريكياً أو فرنسياً، حتى تلصق به تهم العمالة والتخوين، وتنفض الجماهير من حوله، وهذا ما يفسر رفض المتظاهرين أي دعم من أي طرف خارجي، حتى لا يؤدي ذلك إلى انقسامهم وتشتتهم.

وتجلى ذلك في بيان المعارضة الجزائرية، الخميس 8 مارس/آذار 2019، الذي أعلنت فيه رفضها "التدخل الأجنبي تحت أي شكل من الأشكال"، عقب اجتماع 15 حزباً وعدة نقابات وشخصيات وطنية داعمة للحراك الشعبي.

كما برز هذا الموقف من خلال تصريحات نشطاء وإعلاميين، في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الصحف.

وفي هذا الصدد، يقول الإعلامي رشيد ولد بوسيافة، في مقال له: "لا نريد دروساً من أحد، وعلى العالم أن يدرك أن الجزائري بطبعه لديه حساسية من الخارج".

ويضيف ولد بوسيافة: "كل من يستقوي بالخارج سيكون عميلاً وخائناً في نظر الجزائريين جميعاً، سواء أكان ضمن دائرة صنع القرار أم كان مندساً بين المتظاهرين ومؤيداً للحراك".

كما سبق أن حذر الرئيس بوتفليقة، في رسالة له بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 7 مارس/آذار 2019، من "اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية".

وحساسية الشارع الجزائري تتجلى بالموقف من الثورة الليبية في 2011، على سبيل المثال، حيث كانت الأغلبية الساحقة من الجزائريين تدعم الثورة ضد نظام معمر القذافي، في بدايتها، لكن بمجرد تدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدعم الثوار، انقلب موقف فئات عديدة من الجزائريين؛ رفضاً لهذا التدخل، وانقسم الرأي العام الجزائري بين مؤيد للثوار ورافض لاستنجادهم بـ "الناتو".

عربياً.. غياب الاصطفافات

عكس ما حدث ببلدان الربيع العربي، لم تظهر في حراك الجزائر اصطفافات إقليمية بين الدول المؤيدة للربيع العربي والرافضة له، بشكل بارز، فالكل يراقب الوضع من كثب وبحذر وقلق، دون اتخاذ موقف واضح وصريح؛ فالمشهد في الجزائر ما زال ضبابياً، والصورة لم تكتمل.

لكن وسائل الإعلام الداعمة للربيع العربي، الخاصة منها، لا تخفي دعمها للحراك الشعبي في الجزائر. أما تلك المعادية للربيع العربي، فتبدو أكثر تحفظاً، وبعضها يتحدث عن مخاوف من صعود التيار الإسلامي، خاصةً "الإخوان المسلمين".

فالمظاهرات الشعبية كانت بلا عنوان سياسي، ورغم دعم عدة أحزاب إلى الحراك، فإن الأخير لم يتلوَّن بأي لون حزبي أو أيديولوجي، فالجميع كان حاضراً، وضمن ذلك فئات صوَّتت لمصلحة بوتفليقة في انتخابات سابقة، فضلاً عن الإسلاميين واللبيراليين واليساريين، وما يسمى "الأغلبية الصامتة" غير المتحزبة.

وحتى وإن التفَّت أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر، الحركة الشعبية الجزائرية)، بالإضافة إلى منظمات جماهيرية وعلى رأسها الاتحاد العام للعمال الجزائريين (المركزية النقابية)، ومنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تجمع لرجال الأعمال) حول دعم بوتفليقة لولاية خامسة، فإنه بمجرد بدء الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط 2019، بدأ صوت هذه الأحزاب والمنظمات في الخفوت إلى أن صمت تماماً مع وصول المظاهرات إلى ذروتها في 8 مارس/آذار 2019.

عربياً، لم تصدر مواقف رسمية، حتى من تونس والمغرب، فهذه الأخيرة رفض المتحدث باسم حكومتها، مصطفى الخلفي، مؤخراً، التعليق على الحراك الشعبي في الجزائر، غير أن ناشطين مغاربة على "فيسبوك" يتابعون ويعلقون بكثافة على ما يجري بالجزائر. أما في تونس، فنظم جزائريون وتونسيون مظاهرات داعمة للحراك الشعبي، تعتبر الأُولى من نوعها التي يدعو إليها أجانب.

قلق غربي على الأمن والغاز

بموازاة المواقف الرسمية المعلنة، تنظر عدة دول غربية وحتى عربية بقلق إلى ما قد يتمخض عن الحراك الجزائري، خاصة أن هذا البلد يحتل موقعاً حساساً في المنطقة، فهو لا يبعد سوى نحو 130 كم عن جنوب أوروبا (إسبانيا)، ويعتبر أكبر بلد عربي وإفريقي مساحة، ويمثل قلب المغرب العربي، والأكبر اقتصادياً وبشرياً فيه، فضلاً عن امتداده الشاسع في منطقة الساحل الإفريقي المضطربة.

فالجزائر شريك دولي في محاربة الإرهاب بالمنطقة، وأي اضطراب فيها قد يؤثر بشكل كبير في المناطق المحيطة بها، خصوصاً أن الأوضاع الأمنية ما زالت هشة بكل من مالي وليبيا والنيجر وبدرجة أقل في تونس، وقضية إقليم الصحراء لم تسوَّ بعدُ بين المغرب وجبهة البوليساريو.

كما أن أي اضطراب بالجزائر سيؤثر مباشرة في تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، سواء من الجزائر نفسها (تحصي أكثر من 42 مليون نسمة) أو من الدول الإفريقية التي تعتبر الجزائر منطقة عبور إليها نحو أوروبا، والذين تتشدد الجزائر حالياً في منعهم من الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وتعيدهم إلى بلدانهم وفق اتفاقيات ثنائية.

الغاز، يعتبر مصدر القلق الآخر بالنسبة لأوروبا عكس الولايات المتحدة، إذ إن نحو 30% من الواردات الأوروبية من الغاز تأتي من الجزائر، بل إن دولة مثل إسبانيا تتزود بأكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الجزائري (ما بين 50 و60 في المئة)، كما أن إيطاليا أكبر مشترٍ للغاز الجزائري (60 بالمئة)، وفرنسا زبون كبير أيضاً (12 بالمئة)؛ ومن ثم فإن أي اضطراب أمني من شأنه تهديد الأمن الطاقوي لبلدان جنوب أوروبا (خاصةً إسبانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وسلوفينيا).

وإن لم تصدر تصريحات رسمية بشأن القلق الأوروبي من الوضع في الجزائر، فإن موقع "العربي الجديد" نقل عن مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية، في عددها الصادر في 28 فبراير/شباط 2019، أن مسؤولاً بقصر الإليزيه، قال إن "ماكرون، قلق جداً مما تعيشه الجزائر، لعدة أسباب، منها احتمال تضرر جنوب فرنسا خاصة، من اضطرابات في إمدادات الغاز، لا سيما أن الجزائر تعدّ المزود الأول لفرنسا".

كما تحدثت عدة صحف إسبانية، منها "الباييس" في 2 مارس/آذار 2019، عن وجود مخاوف لدى السلطات الإسبانية من تضرر العلاقات التجارية والاقتصادية والطاقة بين البلدين في حال سقوط الجزائر بمستنقع الفوضى، أو التغيير المفاجئ للنظام، فالجزائر تعدّ ثالث مستورد من إسبانيا وأول مموّن لها بالغاز الطبيعي.

ولم يصدر موقف من الأمم المتحدة أو أي من هيئاتها الرسمية، بخصوص مظاهرات الجزائر التي كانت في عمومها سلمية، إلى درجة أن الزعيم اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون دعا حراك "السترات الصفراء" إلى الاقتداء بحراك الجزائر.

وقال ميلونشون، المرشح السابق للرئاسيات الفرنسية: "لسنا أشجع من الجزائريين، يجب أن يكونوا مصدر إلهامنا، كما أن تعاطي مصالح الأمن (الجزائرية) مع المتظاهرين كان محسوباً بدقة، مقارنة بالشرطة الفرنسية من حراك السترات الصفراء".

لكن المظاهرات في الجزائر أخذت حيزاً كبيراً في الإعلام الفرنسي، المرئي منه والمكتوب، خصوصاً أن الجالية الجزائرية تعد الأكبر بفرنسا، وتتأثر بما يجري في بلادها، ويتجلى ذلك من خلال عدة تجمعات احتجاجية للجزائريين بمدن فرنسية منذ إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة قبل تراجعه عنها تحت ضغط شعبي.

وأعلن بوتفليقة، الإثنين 11 مارس/آذار 2019، في رسالة وجهها إلى الشعب، سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة، التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان 2019، عقب حراك شعبيٍ دامَ أسابيع يطالب برحيله عن الحكم.

تحميل المزيد