فقدان الطاقة والوقود، أو تعطل محركات الطائرة، أو زيادة الوزن قليلاً ليست أسباب حوادث الطيران في العادة؛ فكل هذه العوامل لا تكفي لسقوط طائرة ركّاب مدنية، وهناك خطط أمان وطوارئ وحلول اضطرارية مثل الهبوط الاضطراري تكفي للتعامل مع الموقف وتمنع وقوع الكارثة.
وتصنع الطائرات بالأساس للطيران، وتظل قادرة على الطيران في الهواء؛ لأن ذلك هو مهمتها وطبيعتها المعتادة تماماً كما تطفو القوارب، لكن عندما تسقط طائرة كما فعلت طائرة إثيوبية مؤخراً فإن ذلك يحدث لأسباب ليست غامضة، إذ يمكن للطائرات أن تسقط أو تصطدم لأحد هذه الأسباب العشرة الآتية:
1- إسقاط الطائرة عمداً. ربما تعتقد أن هذا أمر غير مُعتاد في وقت السلم، لكن ذلك يحدث بالفعل في أوقات لا حرب فيها أيضاً. فمنذ سبعينيات القرن العشرين حدث ذلك لطائرتي إير 747 الكورية وإيرباص إيرانية وسريلانكية، وثلاث طائرات من طراز تي -144 جورجية، وطائرة واحدة من طراز توبوليف 134، بالإضافة إلى طائرتي ركاب روديسيان وطائرة سيبيريا الجوية من طراز توبوليف، وحدث ذلك مؤخراً في رحلة ماليزيا رقم 17 فوق أوكرانيا التي أسقطها متمردون مدعومون من روسيا على الأرجح.
2- ويمكن قصف طائرة أو استهدافها أو اختطافها أو تخريبها بطريقة أو أخرى. وهذا ليس بالأمر الغريب أيضاً، نظراً لوجود المخربين في كل أنحاء العالم، خاصة في بعض المناطق والأوقات أكثر من غيرها ويرتبط ذلك بالطبع بالتفاعلات السياسية وليس الديناميكا الهوائية.
3- يمكن أن تصطدم الطائرة في الجو أو على الأرض مع جسم آخر سواء مدني أو عسكري. وفي بعض الأحيان حتى كائن حي طبيعي مثل الطيور. ورغم أن هذه الاصطدامات ليست متكررة فالسماء كبيرة وواسعة ولكن لا يمر شهر دون حادثة اصطدام. وعرفت أسوأ أحداث مجال الطيران في عام 1977 نتيجة تصادم أرضي لطائرتي ركاب عريضتين فوق تينيريفي بجزر الكناري.
4- يمكن للطائرة أن تسقط إلى الأرض (أو عقبة أرضية) ما ينتج عنه نوع سيئ السمعة من الحوادث يسمى رحلة محكومة بالتضاريس (CFIT). عادة ما يكون سبب هذه النوعية من الحوادث خطأ بشري، ويقترن في بعض الأحيان بفشل أو عطل في المعدات، ما يؤدي إلى فقدان ما يسميه الطيارون "الوعي الظرفي". ويعني ذلك بلغة مبسطة أن الطيار لا يرفع الطائرة بشكل جيد فوق التل أو الجبل الذي أمامه. ويحدث هذا عادة في الليل أو خلال ضعف الرؤية، على الرغم من أنه يمكن أن يحدث في ظروف الأرصاد الجوية البصرية العادية إذا أصبح طاقم الطائرة مشتت الانتباه. وشملت هذه الحوادث سيئة السمعة تحطم مأساوي لطائرة أمريكية في كالي، كولومبيا، وكذلك فقدان رحلة وزير التجارة الأمريكي رونالد براون في يوغوسلافيا السابقة.
5- يمكن أن تعاني الطائرة من فشل فادح في بنيتها الحيوية أو جزء أساسي من مكوناتها، مثل الجناح أو أحد مكونات جسم الطائرة. هذا أمر نادر للغاية، ولكن يمكن أن يحدث نتيجة للإجهاد المعدني الناجم عن تقادم العمر أو التصنيع المعيب أو الصيانة غير الصحيحة. وأهم ثلاثة أمثلة هي حادث طائرة تركية DC-10 بالقرب من باريس في عام 1974، ما أسفر عن مقتل 346، وطائرة أمريكية DC-10 بالقرب من شيكاغو في عام 1979، ما أسفر عن مقتل 275، والخطوط الجوية اليابانية 747 في عام 1985، عدد القتلى 520، وهي أسوأ كارثة جوية أحادية الطائرة على الإطلاق.وهناك خطر مماثل يتمثل في فشل المحرك الذي يدمر أسطح الطائرة أو أدوات التحكم في الطيران، مثلما حدث مع طائرة DC-10 في سيوكس سيتي، أيوا، في عام 1989.
6- يمكن للطائرة أن تواجه سلسلة من الأحداث الضائرة غير المحظوظة، طفيفة في حد ذاتها -تتراوح بين فشل بعض العناصر غير الحيوية إلى تأجيل الطقس وتأخر حركة المرور- وهذا في تركيبة تطغى على الطاقم. قد تفقد طائرة الضغط بشكل مفاجئ، كما حدث للاعب الغولف باين ستيوارت Learjet في عام 1999، ولم يعط الطيارين وقتاً للذهاب إلى الأوكسجين الإضافي. قبل بضع سنوات، تحطمت طائرة ركاب أمريكية جنوبية بالقرب من نيويورك لأن سلسلة من التأخيرات في مطار جون كنيدي، إلى جانب مشاكل في الاتصال، أسفرت عن استنفاد الوقود. تم فقد طائرة ركاب أخرى من أمريكا الجنوبية عندما ترك عمال الأرض بعض الشريط اللاصق على جسم الطائرة بعد غسله، ما أدى إلى قراءات خاطئة للأدوات أربكت الطيارين.
7- يمكن للمكون في آلة معقدة للغاية أن يبدأ العمل بطرق غير متوقعة من قبل المهندسين والطيارين. غير عادي لأن هذا يحدث في بعض الأحيان بنتائج كارثية. في مثل هذه الحالات، يحتوي مسجل الصوت في قمرة القيادة المستردة من الحطام على خطوط مثل "ماذا تفعل الآن؟"، حيث يبدو أن بعض المعدات على سطح الطيران تكتسب ذهناً خاصاً بها. قد يقع حادث تحطم طائرة USAir Boeing 737-300 بالقرب من بيتسبرغ في عام 1994 ضمن هذه الفئة؛ قد يكون سبب ذلك النشر غير المقصود لدفة الطائرة. قد يكون النشر العكسي لعكس الاتجاه في الرحلة قد تسبب في تحطم طائرة نمساوية Lauda-Air Boeing 767-300 فوق الغابة التايلاندية. تم تجنب تصادم الجو بشكل ضيق قبل بضع سنوات بالقرب من ألباني، نيويورك، عندما أمر نظام تجنب الاصطدام طائرة واحدة بالتسلق إلى أخرى.
8- يمكن أن يؤدي اشتعال النيران أثناء الطيران بسبب مجموعة مختلفة من مصادر الحريق إلى حالة طوارئ كابوسية. سواء أكانت شحنات خطيرة أو أمتعة قابلة للاشتعال، كما هو الحال في رحلة Valuejet المشؤومة فوق فلوريدا، أو شحنة كهربائية زائدة في نظام الترفيه على متن الطائرة، كما يشتبه أنه حدث في مأساة Swissair قبالة نوفا سكوتيا، ويمكن أن يؤدي الدخان أو العادم الضار إلى إعاقة طاقم الطائرة في فترة قصيرة من الوقت وفي عام 1980 لقي 301 شخص حتفهم عندما اشتعلت النار في موقد طائرة لوكهيد 1011 في المملكة العربية السعودية بعد إقلاعها من الرياض.
9- قد يؤدي أحدث جيل من "قمرة القيادة الزجاجية" المحوسبة والمزودة بأحدث الأنظمة الإلكترونية إلى سقوط الطيارين بسبب وجود فجوة بين دورهم التقليدي كطيارين عمليين ودوراً جديداً يتمثل في إدارتهم للأنظمة الحديثة. وقد تتدهور مهارات الطيران بسبب عدم كفاءة الاستخدام؛ وقد يتحول الانتباه إلى الأتمتة العالية والأنظمة الحديثة إلى أن يتطور الموقف ويضيع التحكم بين الإنسان والآلة، ويُعزى فقدان طائرة إيرباص المتجهة من ريو دي جانيرو إلى باريس قبل بضع سنوات إلى عجز الطاقم عن قيادة الطائرة يدوياً بعد أن تسبب الجليد في توقف الطيار الآلي.
هذه الأسباب التسعة مجتمعة ربما تمثل حوالي 70% من جميع حوادث الطيران. أما نسبة الـ30% الأخرى فهي ناتجة عن السبب الأخير رقم 10 وهو أخطاء وهفوات متنوعة من كابتن الطائرة وطاقمها. ويقوم الطيارون والمهندسون والميكانيكيون ومراقبو الحركة الجوية بأشياء وتصرفات غبية في بعض الأحيان. وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص الآخرين من أفراد الطاقم وحتى الركاب، ولكن الطيران بشكل عام أقل تسامحاً مع الأخطاء. ويبدو أن التقارير تشير إلى أن الخطأ البشري هو سبب تحطم الكثير من الطائرات.