تتزايد الضغوطات على الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة ليتخلَّى عن منصبه في ظل إضراب العاملين بشركات النفط والغاز الوطنية الضخمة الأحد 10 مارس/آذار 2019، ودعت بعض الجماعات المُعارضة الجيش للتدخُّل في أعقاب أسبوعين من الاحتجاجات.
وانضم عشرات الآلاف من الجزائريين إلى التظاهرات المُطالبة بخلع بوتفليقة المريض، الذي يبلغ من العمر 82 عاماً. وانطلقت الاحتجاجات بعد يومٍ من تصريح مكتبه بأنَّه يُخطِّط للسفر إلى سويسرا من أجل تلقِّي العلاج.
ولم يظهر بوتفليقة علناً أمام العامة منذ اندلاع الاحتجاجات. لكنه وصل إلى الجزائر على متن طائرةٍ قادمةٍ من جنيف مساء الأحد بالتوقيت المحلي.
الاحتجاجات تتطور وقطاع الطاقة يمكن أن يتأثر
بحسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، فقد كشفت إضرابات يوم الأحد عن مدى انتشار الاحتجاجات وتطوُّرِها من تظاهراتٍ شعبيةٍ في الشارع لتصل إلى القطاع الصناعي الجزائري، وهو تصعيدٌ يُمكن أن يُؤثِّر على قطاع الطاقة الذي يُمثِّل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الجزائري.
وفي ظل تضخُّم حجم التظاهرات، تنصَّلت النخبة الحاكمة من بوتفليقة على نحوٍ مُتزايدٍ بدعم حركة الاحتجاج. وتقدَّم عددٌ من الأعضاء البارزين في جبهة التحرير الوطني باستقالتهم على مدار الأسبوع الماضي، وأيَّدوا الدعاوى التي تُطالب الرئيس بالتخلي عن السلطة.
وسيمتد تأثير الاضطرابات في الجزائر إلى خارج حدود البلاد قريباً. إذ تُعَدُّ الجزائر سادس أكبر مُصدِّرٍ للغاز الطبيعي في العالم، وثالث أكبر مُورِّدٍ للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2018. ورغم أن الإضرابات التي انطلقت يوم الأحد لم تُؤثِّر فوراً على تدفُّق النفط والغاز الطبيعي -نظراً لأن بعض العاملين التقنيين واصلوا أعمالهم-، لكن أعضاء النقابة قالوا إن الإنتاج قد يتوقف مع تطوُّر الإضراب.
وقال مجكان عبدالله، عضو نقابة العمال بشركة سوناطراك: "الأوضاع تزداد اشتعالاً". وشارك في الإضراب 90% من العاملين بسونلغاز، شركة الغاز الوطنية، و85% من العاملين في سوناطراك، شركة النفط، بحسب زكريا بن حداد، الأمين العام لنقابة العاملين في قطاع الطاقة الجزائري.
ورفض عبدالمؤمن ولد قدور، الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك، والمُتحدِّث باسم الشركة الرد على الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية.
وقالت السيدة التي أجابت على الهاتف بمقر سوناطراك، ورفضت الإفصاح عن اسمها: "لا يُوجد ما يُسمى بالعصيان المدني هنا. أنا بخير، ونحن جميعاً بخير".
ونشر عُمَّال سوناطراك صوراً لأنفسهم وهم يُنظِّمون الاحتجاجات ويرفعون لافتاتٍ تحمل شعارات الحركة الاحتجاجية مثل "لا للعُهدة الخامسة"، في إشارةٍ إلى ترشُّح بوتفليقة لفترةٍ رئاسيةٍ خامسة.
وأجاب مُوظَّفٌ على الهاتف بشركة سونلغاز، وحين سُئِلَ عن الإضراب قال: "أنا أعمل"، رافضاً الإفصاح عن اسمه أو الإدلاء بمزيدٍ من التعليقات.
التحدي الكبير مستمر
ووصل بوتفليقة إلى السلطة عام 1999، وأعلن مُؤخراً رغبته في تمديد فترة حكمه خلال الانتخابات التي ستجري يوم 18 أبريل/نيسان. ولم يظهر بوتفليقة في الكثير من المناسبات منذ إصابته بجلطةٍ دماغيةٍ عام 2013، تاركاً مهام إدارة البلاد اليومية لمُستشاريه والمؤسسات الحكومية.
وامتدَّ التحدي لاستمرار حكم بوتفليقة ليضُمَّ النخبة الحاكمة في الجزائر. إذ أعلن سبعة أعضاءٍ على الأقل من جبهة التحرير الوطني استقالتهم الجمعة الماضية في ظل يومٍ آخر من التظاهرات التي زلزلت شوارع البلاد.
وانتشرت دعاوى لمُتظاهرين تُطالب الجيش بالتدخُّل وخلع الرئيس، وهو مطلبٌ مُثيرٌ للجدل داخل بلادٍ لا تزال تُحاول التعافي من صدمة الحرب الأهلية بين الدولة والجماعات الإسلامية في التسعينيات، والتي أُزهِقَت خلالها أرواح قرابة الـ200 ألف شخصٍ.
وقال سمين قوادرية، القيادي بحزب العمال الجزائري المُعارض: "الجيش إذا تدخل فسيكون ذلك من أجل التحضير لمرحلةٍ انتقالية".
وأعربت مجموعةٌ نافذةٌ من المحاربين القدامى، الذين شاركوا في ثورة التحرير الجزائرية عن فرنسا بين عام 1954 و1962، عن دعمها للاحتجاجات قائلةً إن الاحتجاج هو واجبٌ وطني.
وأثنى بوتفليقة على الشخصية السلمية للاحتجاجات في بيانٍ نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية في 7 مارس/آذار، لكنه أصدر تحذيراً واضحاً أيضاً.
إذ قال الرئيس المشكوك في قدرته على اتخاذ القرارات في البيان المنسوب له: "هذا لا يُعفينا من الدعوة إلى الحذر والحيطة من اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية التي، لا سمح الله، قد تؤدي إلى إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى وما ينجر عنها من أزمات وويلات".
هل ستتأثر صادرات النفط والغاز بالاحتجاجات؟
بحسب وكالة Bloomberg الأمريكية، فإن هذا أمرٌ بعيد الاحتمال، فوفقاً لريكاردو فابياني، المحلل لدى شركة Energy Aspects للاستشارات البحثية: "بسبب وجود الأغلبية العظمى من منشآت النفط والغاز في المناطق النائية، البعيدة عن المراكز العمرانية، والخالية تقريباً من السكان، فإن احتمالية وجود خطر لتعطل الصادرات منخفضة".
لكن، تزيد الاحتجاجات الحالية من خطر حدوث "شلل في قطاع النفط والغاز وسلسلة من التغييرات بهدف إرضاء المتظاهرين"، على حد قول فابياني. وأضاف: "يمكن لأمر كهذا أن يقوض جهود المسؤولين الذين يحاولون منذ مدة إعادة هيكلة قطاع الطاقة".
تعد الجزائر ثالث أكبر مورد للغاز للاتحاد الأوروبي، وتعد أحد منتجي النفط لدى منظمة أوبك؛ إذ تضخ حوالي مليون برميل من النفط الخام يومياً. وتخطط لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي، الذي تصدره باستخدام السفن وعبر أنابيب إلى إيطاليا وإسبانيا.