في ظل المعركة الانتخابية الجارية في إسرائيل بين تحالف اليمين من جهةٍ الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتحالف الوسط واليسار من جهة أخرى، الذي ينضوي تحت اسم "تحالف أزرق أبيض"، تعهد الأخير، الأربعاء 6 مارس/آذار 2019، بتبني سياسة "الانفصال" عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، دون الإشارة إلى دعم هدف الفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة.
ويمثل الائتلاف أكبر تهديد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة؛ نظراً إلى تقدمه بشكل كبير على اليمين، بحسب آخر نتائج الاستطلاع الإسرائيلية.
الرجل الثاني في الحزب، وهو وزير المالية السابق يائير لابيد، توقع أيضاً أن يؤدي الانفصال عن الفلسطينيين في نهاية المطاف، إلى "إقامة دولتهم المستقلة إلى جانب إسرائيل". في الوقت الذي يصور فيه نتنياهو وأتباعه اليمينيون أنفسهم على أنهم حائل دون أي مبادرة لتسليم أراضٍ للفلسطينيين.
وفي حين يتكتم "تحالف أزرق أبيض"، بقيادة رئيس الأركان السابق بالجيش بيني غانتس، على هذه القضية منذ أسابيع، تزداد شعبيته باستطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقررة في 9 أبريل/نيسان 2019.
ما هو تحالف "أزرق أبيض"؟ وما هو برنامجه؟
في 21 فبراير/شباط 2019، وحّد أقوى منافسي نتنياهو في الانتخابات صفوفهم، لتشكيل تحالف يحمل اسم "أزرق أبيض" -في إشارة إلى ألوان عَلم إسرائيل- ينضوي تحته كل من حزب "يش عتيد" برئاسة يائير لابيد، وحزب "مناعة لإسرائيل" برئاسة رئيس أركان الجيش الأسبق بيني غانتس، وحركة "تيلم" برئاسة وزير الأمن الأسبق موشيه يعالون.
تمنح جميع استطلاعات الرأي هذا التحالف، الذي انضم إليه رئيس أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي ونائبان سابقان لرئيسي جهاز الأمن العام والموساد، الفرصة لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو ما يعزز مسعى قادة الائتلاف إلى إنهاء حكم رئيس الوزراء اليميني المستمر منذ 10 سنوات.
وفي برنامجه الانتخابي الذي أعلنه الأربعاء 6 مارس/آذار 2019، قال الائتلاف إنه بمجرد أن يصل إلى السلطة سيُجري محادثات مع دول عربية، "ويكثف عملية الانفصال عن الفلسطينيين، مع ضمان الالتزام التام بأمن إسرائيل القومي".
وينص البرنامج على أن تحتفظ إسرائيل بسيطرتها على غور الأردن وكتل استيطانية في الضفة الغربية، لكنه لم يوضح ما قد يتم اتخاذه بشأن البؤر الاستيطانية الأكثر انعزالاً بالأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.
وعندما سُئل عن ذلك، قال لابيد لـ "يديعوت أحرونوت": "أعتقد أننا بالانفصال عن الفلسطينيين سنصل في نهاية المطاف إلى دولتين. لكن لن يخوض أي سياسي مسؤول في التفاصيل قبل طرح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
ومن المتوقع على نطاق واسع، أن يعلن ترامب خطته، المعروفة باسم "صفقة القرن"، بعد الانتخابات الإسرائيلية.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب سيحصل على 35 مقعداً من مقاعد البرلمان، وعددها 120، مقابل 30 مقعداً لحزب الليكود الذي يقوده نتنياهو.
الفلسطينيون يبدون تحفُّظهم.. والضبابية عنوان الائتلاف الإسرائيلي الجديد
واصِل أبو يوسف، المسؤول بمنظمة التحرير الفلسطينية، قال متسائلاً لـ "رويترز": "ما الذي يقصده لابيد بدولة فلسطينية؟ نحن نريد دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، خالية من المستوطنات، متواصلة جغرافياً وليست أراضي متقطعة أو منعزلة، وضمان حق العودة للاجئين".
في حين يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر، إن حالة من الغموض والضبابية تلف البرنامج الانتخابي لائتلاف "أزرق أبيض"، وما صدر من تصريحات بشأن الانفصال عن الفلسطينيين دون توضيح كيفية ذلك، أمر عائم ولا يُبنى عليه شيء، مضيفاً أن الائتلاف معنيٌّ بتقديم برنامج "فضفاض" الآن، حتى لا يخسر أصوات الجمهور أمام نتنياهو.
ويضيف أبو عامر لـ "عربي بوست"، أن حالة الاستقطاب بين الأحزاب الإسرائيلية عالية الآن؛ ومن ثم يحاول الائتلاف الجديد عدم الاستعجال بكشف برنامجه الآن بشكل واضح وكامل، لأنه لو قام بذلك فربما سيخسر كثيراً من الأصوات، في الوقت الذي يحاول فيه خصمه، نتنياهو، إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن الائتلاف عبارة عن تشكيلة من اليسار متخاذل أمام الفلسطينيين، وأن فوزه سيهدد أمن إسرائيل.
ويسعى نتنياهو، من اللحظة الأولى لتبكير الانتخابات الإسرائيلية، إلى استراتيجية وصم منافسيه من أحزاب الوسط، بداية بيائير لابيد زعيم حزب "هناك مستقبل"، ولاحقاً بيني غانتس مؤسِّس حزب "حصانة إسرائيل"، وموشيه يعالون مؤسس حزب "تيلم"، بأنهم يساريون يتخفَّون تحت غطاء أحزاب الوسط.
ويروج ائتلاف نتنياهو بشكل واضح وصريح، لنظرية أن غانتس ولبيد سيشكلان حكومة يسار ضعيفة، في حين سيقود نتنياهو حكومة يمين قوية.
كما تركز حملات حزب الليكود على وصف قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي مندلبليت، إعلان لائحة اتهام ضد نتنياهو بأنه "رضوخ لضغوط اليسار"، في إشارة إلى غانتس ولبيد، ولضغوط كثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يتهمها نتنياهو بأنها يسارية تسعى إلى هزيمته.
وعن ذلك، يرى محللون أن استراتيجية نتنياهو و "الليكود" واليمين بشكل عام، القائمة على وصف منافسيهم بأنهم يسار، تنبع من محاولة ربط ما قام به حزب العمل (يسار) وحلفاؤه بتوقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية بهدف إقامة دولة فلسطينية، وإقامة السلطة الفلسطينية وما جلبه ذلك من "كوارث على إسرائيل" -حسب وصف نتنياهو- بذهن الناخب الإسرائيلي، بصورة سلبية. إضافة إلى أن تعزيز صورته كزعيم قوي سيمنع اليسار من تحقيق هذا المشروع.
هل سيقدمون نموذجاً مختلفاً عن اليمينيين؟
في السياق، يقول المحلل السياسي الفلسطيني ناجي الظاظا إن التكتل الجديد لا يميل إلى عملية السلام مع الفلسطينيين ولن يعطيهم أي دولة، وما صدر من تصريحاتٍ مجرد مناورات، لمحاولة كسب أصوات الجمهور المشتت بين اليمين والوسط واليسار.
ويقول ظاظا لـ "عربي بوست"، إن الوزير السابق لابيد لا يؤمن أصلاً بوجود دولة فلسطينية مستقلة، بل إنه كان يطلق عليه لقب "وزير المستوطنين" حينما كان في حكومة نتنياهو عام 2014، وحتى قادة الائتلاف الجديد جميعهم متشددون، ولا يؤمنون بحل سلمي مع الفلسطينيين، ولا يختلفون كثيراً عن توجهات نتنياهو في هذا الشأن، وصراعهم معه صراع مصالح ونفوذ.
ويرى الظاظا أن جميع الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في العملية السياسية ترفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهي تدعم خطة ترامب لتسوية القضية، المعروفة بـ "صفقة القرن"، مضيفاً أن الحكومة التي ستأتي ستطبق هذه الرؤية.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن "أزرق أبيض" لن يتطرق الى مصطلح الدولة الفلسطينية أو مسألة حل الدولتين حتى موعد الانتخابات القادمة. وأضافت الصحيفة نقلاً عن مصادر لم تسمها، أن التحالف "وعد بعدم الانسحاب من جانب واحد من الأراضي الفلسطينية، أو الكتل الاستيطانية، أو غور الأردن في الضفة الغربية".
كما لفتت الصحيفة إلى أن برنامج الائتلاف "لا يتضمن إلغاء قانون القومية الذي أثار غضب الأقليات في إسرائيل، خاصة الأقلية العربية". وأوضحت أن البرنامج في المقابل سيدعو إلى "تشريع قيم المساواة"؛ في مسعى لإرضاء الأقلية الدرزية التي لم تعارض قانون القومية بالكامل، وإنما دعت إلى إضافة بند المساواة بين مواطني الدولة إليه.
وينص "قانون القومية"، الذي أقره الكنيست في منتصف 2018، على أن "حق تقرير المصير بدولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط"، وأن "القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل"، وأن "العبرية هي لغة الدولة الرسمية"، وهو ما يعتبر تمييزاً واضحاً لمصلحة اليهود ضد من هم غير يهود.
حظوظ نتنياهو بالفوز قوية.. برغم الضربات التي تعرض لها
في النهاية، يعتقد الظاظا أنه ورغم نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة التي تُظهر تقدُّم الائتلاف الجديد على رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن حظوظ نتنياهو بالفوز ستبقى قوية إذا نجا من الملاحقات القانونية الأخيرة، لافتاً إلى أن نتنياهو قادر على الإطاحة بخصومه جميعاً وقد فعل ذلك من قبل، وهو قادر على المناورة أكثر من غيره، ويستطيع كسب حلفاء جدد.
وفيما يتعلق باستطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت تراجع كتلة اليمين إلى 59 مقعداً، فاقدةً بذلك الأغلبية في الكنيست، يرى الظاظا أن هذا الوضع يعتبر مؤشر خطر حقيقي على نتنياهو، لكنه قد يحاول الاستفادة منه في استنهاض اليمين الإسرائيلي المتطرف ككل وليس فقط حزب الليكود، من خلال استراتيجيته القائمة على ترهيب الناخبين، خاصةً المترددين، من فوز منافسيه.
وأضاف أنه وفي الوقت نفسه، فإن نتائج الانتخابات القادمة ربما تحمل معها أرقاماً مغايرة تماماً لاستطلاعات الرأي الحالية، خاتماً بالقول إن نتنياهو إن اجتاز هذه المعركة الانتخابية وحقق الفوز، فربما ستكون حكومته هي الأكثر تشدداً وتطرفاً؛ نظراً إلى تحالفاته الأخيرة.