لم يكن للجيش التركي حضورٌ عالمي واسع كهذا منذ أيام الإمبراطورية العثمانية. إذ تُوسِّع تركيا، في عهد رئيسها الطموح رجب طيب أردوغان، تدخُّلها في سوريا، فيما تحافظ على حضورٍ عسكري في العراق وقطر والصومال وأفغانستان، وتُبقي على قوات حفظ سلام في البلقان. وفي الوقت نفسه، تُسيِّر البحرية التركية دورياتٍ في البحر المتوسط وبحر إيجة لحماية مصالحها الطاقوية والإقليمية.
وبعيداً عن أن هذا التحرك التوسعي له ثمن. إذ زادت الموازنة العسكرية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 1.8% عام 2015 إلى 2.2% عام 2017، لكن نجحت تركيا في أن تفرض وجوداً عسكرياً على خريطة العالم.
وكالة Bloomberg الأمريكية رصدت في تقرير لها مناطق انتشار القوات العسكرية التركية ومجالات استعراض قوتها.
سوريا
يُعَد تدخُّل تركيا العسكري في سوريا واحداً من أكبر عملياتها الخارجية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
أرسل أردوغان القوات إلى سوريا في عام 2016 لمحاربة كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والقوات الكردية المدعومة أمريكياً والتي يجري ربطها بمسلحي حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل من أجل منطقة كردية مستقلة داخل تركيا.
تحتشد القوات التركية كذلك بطول الحدود البالغة 911 كم على أمل إقامة منطقة آمنة لتشجيع أكثر من 3.6 مليون سوري فرّوا إلى تركيا على العودة إلى بلادهم وتجنُّب قدوم موجة جديدة من اللاجئين.
العراق
كثيراً ما ترسل تركيا مقاتلاتها وقواتها عبر الحدود إلى داخل شمالي العراق لاستهداف مخابئ حزب العمال الكردستاني. وتُبقي أنقرة أيضاً على قواعد عسكرية أُقِيمت بالأساس من أجل مهمة حفظ سلام في التسعينيات.
لكنَّ الأتراك لم يغادروا قط، قائلين إنَّ وجودهم رادِع ضد حزب العمال الكردستاني وكابِح لتطلُّعات أكراد العراق للاستقلال.
قطر
أقامت تركيا قاعدة في قطر منذ انحيازها عام 2017 إلى جانب الدوحة في خلافها مع تحالفٍ إقليمي تقوده السعودية. وتتشبَّث تركيا وقطر بدعمهما لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة سياسية أزعجت السعوديين ومعظم مَلَكيات الخليج، خصوصاً منذ ثورات الربيع العربي التي اندلعت في مطلع هذا العقد.
وتشير العديد من التقارير إلى أن التواجد العسكري التركي بالدوحة حال دون اعتداء عسكري خططت له دول الحصار الامارات السعودية مصر البحرين.
الصومال
افتتحت تركيا في عام 2017 أكبر قواعدها بالخارج في مقديشو، حيث يتولى المئات من القوات التركية تدريب الجنود الصوماليين كجزءٍ من خطة تركية أوسع للمساعدة في إعادة إعمار البلد الذي دمَّرته عقودٌ من الحروب القَبَلية والتمرُّد الذي شنّته حركة الشباب. وتزيد تركيا حضورها في البلد الواقع بمنطقة القرن الإفريقي منذ زارها أردوغان عام 2011، الأمر الذي يساعد على إحياء خدمات مثل التعليم والصحة وكذلك الأمن.
بحر إيجة والبحر المتوسط
تحمي السفن الحربية التركية سفن الاستكشاف والتنقيب في البحر المتوسط على مدار الساعة في ظل سعي البلاد للمطالبة بحقوقها في حقوق الطاقة المُتنازَع عليها.
اشتعلت التوترات مع قبرص واليونان بعد إصدار تراخيص استكشاف من جانب تركيا وحكومة قبرص التركية المُنفصِلة في مناطق تدَّعي قبرص تبعيتها لها.
تحتل تركيا الثلث الشمالي من قبرص منذ وقعت محاولةٍ انقلابية لتوحيد الجزيرة مع اليونان عام 1974.
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم 21 فبراير/شباط الماضي: "لا يمكن عمل شيء في البحر المتوسط دون تركيا، لن نسمح بهذا". وأدَّى نزاعٌ طويل منفصل مع اليونان بشأن السيادة على العديد من الجزر في بحر إيجة إلى معارك جوية وهمية بين الطائرات ومواجهات بين السفن الحربية.
أفغانستان
توجد القوات التركية في أفغانستان ضمن تحالف يقوده حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأكثر من 50 دولة، يدعم قوات الأمن الأفغانية ضد حركة طالبان، وهي حركة أصولية إسلامية كانت تحكم البلاد من قبل.
وتملك تركيا ثاني أكبر جيش من حيث العدد داخل حلف الناتو. وتملك أنقرة كذلك تاريخاً طويلاً في أفغانستان. إذ وفَّر مؤسس البلاد، مصطفى كمال أتاتورك، جنوداً لملك أفغانستان أمان الله عام 1928 لإخماد انتفاضة من جانب "إسلاميين متشددين" على خلفية قرار الملك إرسال الفتيات الأفغانيات إلى تركيا العلمانية لتلقّي التعليم.
مناطق أخرى
شارك الجيش في مهام حفظ السلام التي يقودها الناتو في كوسوفو والبوسنة والهرسك منذ الحرب في التسعينيات. ولتركيا اهتمام خاص بحماية المجتمعات المنتمية للإثنية التركية هناك.
ولدى تركيا خطط لإقامة مراكز في السودان لتدريب القوات المسلحة السودانية. والتزم أردوغان بهذا أثناء زيارةٍ له إلى البلاد عام 2017، حين وقَّع كذلك اتفاقياتٍ لزيادة الاستثمار التركي والتجارة مع السودان.