يبدو أن باكستان وقعت في مأزق صعب عقب زيارة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإسلام أباد والموافقة على استثمارات بين البلدين تجاوزت 20 مليار دولار مقابل الاصطفاف بجوار المملكة ضد إيران.
وقالت شبكة CNBC الأمريكية إن باكستان تخاطر بأن تصبح الساحة الأخيرة للتنافس السعودي الإيراني إذ قبلت مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات من الرياض.
استثمارات هامة جداً لباكستان
وربما كانت أكثر اللحظات التي لا تنسى من الجولة الآسيوية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، التي جرى الاحتفاء به فيها، عندما أهداه أعضاء مجلس الشيوخ الباكستانيون مدفعاً رشاشاً مطلياً بالذهب. وأعلنت باكستان، أول محطة لولي العهد في جولته التي شملت أيضاً الهند والصين، عطلة قومية تكريماً لزيارته، ووصفت السعودية بأنها "صديق وقت الحاجة".
وقد كانت إسلام آباد سعيدة حقاً: إذ أعلنت السعودية عن استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في البنية التحتية والطاقة، في هذا البلد الذي يعاني من ضائقة مالية ويقطنه 200 مليون نسمة ويحاول تجنب طلب المساعدة المالية للمرة الـ13 من صندوق النقد الدولي.
موقع هذه الاستثمارات مهم. إذ تركز الكثير من المشروعات على البنية التحتية لتكرير النفط في منطقة بلوشستان الفقيرة والهادئة، والواقعة على الحدود التي يبلغ طولها 565 ميلاً مع إيران، العدو اللدود للسعودية، بحسب شبكة CNBC الأمريكية.
وقال غريغوري غوس، رئيس قسم الشؤون الدولية بجامعة تكساس إي آند إم (Texas A&M)، لشبكة CNBC: "يعتنق محمد بن سلمان رؤية استراتيجية تقضي بوجوب الضغط على إيران، ويرغب، بمساعدة باكستان، في أن يكون قادراً على الضغط على إيران من جانبين".
ويمثل هذا الأمر خياراً صعباً لباكستان، التي لا ترى إيران، في الوقت الراهن، بوصفها حليفاً رئيسياً، ولا تهديداً رئيسياً، على الرغم من قلقها من زيادة التعاون بين إيران وخصمهم اللدود: الهند.
وقال غوس: "لا أعتقد أنَّ الباكستانيين يريدون إعلان إيران عدواً ومواجهتها بشكل كامل. لكن ينبغي لهم القيام بشيء في مقابل الأموال السعودية".
والإيرانيون يأخذون ذلك الأمر على محمل الجد، ذلك أنَّ طهران لطالما اتهمت السعودية بإثارة الاضطرابات في منطقتها الحدودية مع باكستان، وهي منطقة يعيش فيها المسلحون السنة المعادون للنظام الذين شنوا هجمات عديدة على أفراد الجيش الإيراني. وينفي السعوديون هذه الاتهامات.
وفي شهر فبراير/شباط، قتل مسلحون سنة من جماعة جيش العدل 27 من الحرس الثوري الإيراني على طول الحدود، ما أدى إلى اتهامات من طهران بأنَّ باكستان تؤوي المسلحين وتسمح لهم بالهجوم على إيران.
مساعدة باكستان: ما مصلحة السعوديين في ذلك؟
وقال غوس إنَّ صفقات باكستان، بالنسبة للرياض، صفقات دبلوماسية أكثر منها اقتصادية.
وأضاف غوس: "ليس ثمة أي فائدة اقتصادية للسعودية في باكستان. فلنواجه الأمر: باكستان بلد فاشل اقتصادياً. بالنسبة للسعوديين، فإنَّ باكستان في المقام الأول شريك أمني، حليف مسلم موثوق به في النزاعات بين المسلمين".
وفي الواقع، فإنَّ للبلدين تاريخاً طويلاً من مساعدة بعضهما بعضاً. فعندما تعرضت باكستان لعقوبات دولية بسبب تجاربها النووية في التسعينات، أنقذتها الرياض بالنفط والأموال. ويقدر الخبراء أنَّ هناك حوالي 70 ألف باكستاني يخدمون في جميع أقسام القوات المسلحة السعودية، وقد جرى تجنيد المزيد في السنوات الأخيرة لتوفير التدريب والمساعدة للجيش السعودي، بحسب الشبكة الأمريكية..
وبحسب موقع التحليل العسكري GlobalFirepoer.com، فإنَّ الجيش الباكستاني يحتل المرتبة الـ17 عالمياً من حيث القوة، ويقع بين الجيشين الإسرائيلي والكوري الشمالي. أما السعودية فتحتل المرتبة الـ25.
وثمة شائعات أيضاً مفادها أنَّ باكستان، وهي قوة نووية، من الممكن أن تشارك تكنولوجيا أسلحتها مع السعوديين، الذين عبروا عن رغبتهم في الحصول على برنامج نووي دون قيود على قدرات تخصيب اليورانيوم اللازمة لصنع قنبلة.
وبينما يتفق الخبراء على أنَّ هذا النوع من المساعدة أمر غير محتمل الحدوث، فقد قال غوس: "أعتقد أنَّ السعوديين يغذون الآمال بأنهم لو احتاجوا ذلك، إما بشكل تقليدي، أو بشكل نووي، فإنَّ الباكستانيين سوف يقدمون لهم يد العون".
لكنَّ ذلك قد يأتي بنتائج عكسية…
ثمة طرق كثيرة قد تجعل هذا الأمر يأتي بنتائج عكسية على الباكستانيين. أولاً، يمكن لإيران الشيعية أن تثير اضطرابات طائفية بين الباكستانيين الشيعة الذين تبلغ نسبتهم 20٪، وهي ثاني أكبر نسبة [للشيعة] في أي بلد في العالم. وقد قتل آلاف الباكستانيين في عنف طائفي في العقد الماضي.
ويمكن لإيران أيضاً أن تعمل بوصفها بوابة للجواسيس الهنود لاختراق باكستان، وهو أمر اتهمها البعض في باكستان بارتكابه بالفعل.
وقال كمال ماديشيتي، الباحث الرئيسي ضمن وحدة الاستخبارات الاقتصادية (the Economist Unit)، في إشارة لمشروع ميناء جابهار الهندي الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات في منطقة الحدود الإيرانية مع باكستان: "من المرجح أن تكون إيران في ذهن باكستان، بسبب الشراكة المتنامية بين الهند وإيران. وقد أزعج هذا الأمر القيادة في باكستان، لذا فإنَّ العلاقة مع السعودية هي نوع من إحداث التوازن لكل ذلك"، بحسب الشبكة الأمريكية.
ساحة معركة جديدة بالوكالة؟
وقال غوس إنَّ باكستان قد أصبحت "إلى حد ما بالفعل" مسرحاً بالوكالة لإيران والسعودية، لكنه أضاف أنَّ ذلك كان على مستوى منخفض نسبياً، لا شيء يشبه ما رأيناه في سوريا أو اليمن أو العراق مثلاً. ويرجع ذلك لأنَّ باكستان دولة أقوى نسبياً لم تقعدها الحرب. وعلاوة على ذلك، فإنها لا تفعل دوماً ما يريده السعوديون: ففي عام 2015، أصدرت الحكومة في إسلام آباد قراراً برفض إرسال قوات للانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، على الرغم من ضغوط الرياض.
لكن ثمة مؤشرات بأنَّ باكستان ستقدم مزيداً من الدعم للحملة السعودية في اليمن، بشكل غير مباشر، على الرغم من عدم شعبية هذه الحرب بين الجمهور الباكستاني.
ولما أرسلت باكستان، العام الماضي، ألف جندي إضافي إلى السعودية، قدم وزير الدفاع تأكيدات علنية بأنهم لن يشاركوا في حرب اليمن.
وقال ماديشيتي: "لكن من المثير للاهتمام أنَّ الجيش الباكستاني قد طور خبرة كبيرة في حرب الجبال ومكافحة التمرد، وسينقل هذه المهارات إلى القوات السعودية".
وما هي المنطقة الجبلية الوحيدة داخل السعودية التي هي منطقة نزاع حالياً؟ إنها حدودها مع اليمن.