أجَّلت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نشر قاعدة بيانات للشركات التي تقوم بأعمال مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، فإن هذا التأجيل من قِبل ميشيل باشليه، رئيسة المفوضية، لاقى استحساناً من الجماعات الموالية لإسرائيل، وغضباً من منظمات حقوق الإنسان التي تتوق إلى إطلاق التقرير فوراً.
عملت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان 3 سنوات على تجميع قاعدة بيانات للشركات التي مكَّنَت أو دعمت أو تربَّحت مباشرةً من المستوطنات، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
تأجيل يسكّن مخاوف إسرائيل وأصدقائها
وكانت المفوضية تحت الأنظار بالفعل بعد تأخيرات سابقة في نشر قاعدة البيانات. وتخشى إسرائيل وحلفاؤها من استخدام قاعدة البيانات كقائمة سوداء لمقاطعة أو معاقبة الشركات التي تقوم بأعمال في الأراضي المحتلة. وتشعر بعض الشركات بالقلق من أن قاعدة البيانات يمكن أن تشكل سابقة خطيرة من خلال محاسبة الشركات على قضايا حقوق الإنسان الخارجة عن سيطرتها.
وصوتت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وهي هيئة مؤلفة من 47 عضواً، في عام 2016، للتفويض بإنشاء قاعدة البيانات. وفي رسالة إلى رئيس المجلس صدرت يوم الثلاثاء 5 مارس/آذار 2019، قالت باشليه إنها تحتاج مزيداً من الوقت للنظر في قاعدة البيانات؛ "نظراً إلى حداثة التفويض وتعقيدها القانوني والمنهجي والواقعي"، بحسب تعبيرها.
وقالت إنها تنوي تنفيذ التفويض بنشر قاعدة البيانات "في الأشهر القادمة"، لكنها لم تحدد موعداً.
امتنان عميق.. وأمل بإلغاء التقرير أيضاً!
وقد أعرب المؤتمر اليهودي العالمي عن "امتنانه العميق" لباشليه، لوقفها عملاً قيل إنه يمكن أن يضر بسبل معيشة الإسرائيليين والفلسطينيين. وأكد المؤتمر في بيان يوم الثلاثاء، أنه لا ينبغي تأجيل النشر فحسب، بل "إلغاؤه بالكامل".
ومع ذلك، أدانت هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة لمراقبة الحقوق مقرها في نيويورك، القرار ودعت باشليه إلى التزام موعد نشر قاعدة البيانات.
قال برونو ستاغنو أوغارتي، المدير التنفيذي للدفاع بهيومن رايتس ووتش، في بيان: "إن التوسع الوقح الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية في بناء المستوطنات غير الشرعية، يبرز سبب ضرورة نشر قاعدة البيانات للشركات التي تسهّل بناء هذه المستوطنات. وكل تأخير يعزز مشاركة الشركات في الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان، الناجمة عن المستوطنات غير القانونية".
ويرى ناشطون حقوقيون هذا الجدل باعتباره اختباراً مبكراً لكيفية قيام باشليه، الرئيسة السابقة لدولة تشيلي، بـ "التوازن بين السياسة والمبادئ تحت الضغط الشديد من الحكومات" الذي يواجه مفوضي حقوق الإنسان الساميين في العادة. وعُيِّنَت باشليه مفوضةً سامية لحقوق الإنسان في أغسطس/آب 2018.
وقد أدانت الولايات المتحدة العمل في قاعدة البيانات، باعتبارها "خارج نطاق ولاية المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وإشارة إلى انحياز مجلس حقوق الإنسان العميق ضد إسرائيل". وقالت الولايات المتحدة إن هذا "التحيز كان سبباً رئيساً لقرارها الانسحاب من المجلس، العام الماضي (2018)".
وقد أجّل سلف باشليه، الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين، نشر قاعدة البيانات، مشيراً إلى نقص الموارد. ولكنه أصدر تقريرا أولياً في العام الماضي، كشف أن المكتب يدرس أنشطة أكثر من 200 شركة تقوم بأعمال مع المستوطنات، وضمن ذلك 143 شركة في إسرائيل و22 شركة بالولايات المتحدة.
ما أسباب المماطلة في نشر البيانات التي تهدد لإسرائيل؟
تعتقد منظمات حقوق الإنسان التي تراقب تقدُّم البحث، أن مكتب باشليه قد أتم أعماله في قاعدة البيانات، ولا ترى تلك المنظمات أي سبب لعدم نشرها، وفقاً لولاية مجلس حقوق الإنسان.
لكن مسؤولي الأمم المتحدة قالوا إن المكتب استمر في تلقي معلومات عن الشركات بالأراضي المحتلة، وإن قاعدة البيانات بحاجة إلى تعديل، لمراعاة التغييرات في سلوك الشركات.
وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: "في الأماكن التي يقومون فيها بتعديل أدائهم، علينا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار عند إعداد التقرير النهائي".
وقالت شمداساني إن "باشليه لم تتعرض لضغوط سياسية. وقالت إن النشر لا يمكن أن يتأخر إلى أجل غير مسمى، ولكن "علينا أن نؤدي العمل بشكل صحيح، وسنصدره عندما نقوم به على الوجه الصحيح"، على حد تعبيرها.
يُذكر أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة أقر، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، قراراً يدين الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية والقدس المحتلتين. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على القرار بدلاً من استخدامها حق النقض (الفيتو) ضده، والذي عادةً ما تستخدمه ضد القرارات الشبيهة، وهو الأمر الذي سمح بتمرير القرار، وأثار غضب حلفائها في تل أبيب.
وكان ذلك القرار هو الأول من مجلس الأمن، الذي يتناول قضية الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية وشرق القدس منذ أكثر من 35 عاماً. ويحدِّد القرار مبادئ إرشادية للتعامل مع المستوطنات، وهو الأمر الذي لم يقم به أي رئيسٍ أمريكيٍ في مجلس الأمن منذ 1980.