الأمر ليس مزحة أو نتائجه بعيدة.. زجاجة المياه التي تستخدمها ستدمر كوكبنا

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/04 الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 14:55 بتوقيت غرينتش

يحذر العلماء من خطورة أن يستمر البشر في سلوكهم المُعادي للبيئة، وعلى وجه الخصوص في طريقة تعاملهم مع زجاجات المياه البلاستيك التي تستخدم مرة واحدة لما تمثله من خطورة على هذا الكوكب خاصة تلك التي لا يتم تدويرها.

تقدر الأبحاث الجديدة إنتاج البشر من المخلفات بـ6300 طن متري، منذ عام 1950. تبلغ نسبة ما يُعاد تدويره 9% فقط. إذا استمرت سياسات الإنتاج وإدارة النفايات على هذا النحو، فسيصل مقدار المخلفات في مدافن النفايات أو في الطبيعة من حولنا إلى حوالي 12 ألف طن متري من المخلفات البلاستيكية، بحلول عام 2050.

يدخل كل عام ما يزيد على 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية إلى المحيط من المناطق الساحلية، بحسب باحثين. تقترح نماذج المحاكاة أن بعض المواد البلاستيكية قد تستغرق مئات السنين لتتحلل مركباتها إلى جزيئاتها الأساسية.

موقع The Daily Beast الأمريكي استشهد في تقرير له بما يقوله بعض الخبراء حول إمكانية ألا تتحلل مركبات الكثير من هذه المواد البلاستيكية أبداً. أياً كانت مجموعات البيانات التي تحقق فيها، أو كيف تنظر إلى النتائج، الحقيقة مؤلمة؛ المواد البلاستيكية تخنق الأرض.

الزجاجات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد تتسبَّب في أضرارٍ شائعة

إنها ثالث أكثر العناصر شيوعاً بين مخلفات المحيطات، وتمثل 15% من المخلفات البحرية، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة Citi GPS الأمريكية.

 إنها الزجاجات التي تجدها مرصوصة في الثلاجات داخل محطات الوقود، تلك التي تشتريها من المتاجر في عبوات حتى عندما تعيد تدوير تلك الزجاجات -14% فقط هو ما يعاد تدويره من البلاستيك كله بالمناسبة- فإنك لا تحجِّم المشكلة، إنك فقط تؤجِّل المحتوم.

بدأ البشر في صنع البلاستيك منذ السنوات الأولى من القرن العشرين، استُخلِص أول بلاستيك اصطناعي من السليلوز، وهي مادة توجد في النباتات والأشجار. سخن العلماء (معظمهم من مجال صناعة البتروكيماويات) السليلوز سوياً بالإضافة إلى كيماويات مختلفة، ما أنتج مواد جديدة معمّرة للغاية.

اليوم المواد البلاستيكية عبارة عن سلاسل تشبه الجزيئات مرتبطة ببعضها البعض. إنها تسمى البوليمرات. تتكون هذه السلاسل عادة من الكربون والهيدروجين، وقد يدخل في تكوينها أيضاً الأوكسجين، أو النيتروجين، أو الكبريت، أو الكلور، أو الفلور، أو الفوسفور، أو السيليكون. 

البلاستيك على ساحل خليج تكساس ، شمال نهر ريو غراندي/ ديلي بيست
البلاستيك على ساحل خليج تكساس ، شمال نهر ريو غراندي/ ديلي بيست

وبينما تتواجد هذه العناصر في الكون بشكل طبيعي، فإن السلاسل المكوِّنة منها ليست كذلك.

تحتوي أيضاً الكثير من المواد البلاستيكية على مواد صناعية وسموم تعمل بمثابة الإسفنج لسموم أخرى في البيئة. لهذه الأسباب، لا تتحلل المواد البلاستيكية. إنها تتجزأ فقط إلى مواد بلاستيكية أصغر. ما يزيد بدوره التأثير السلبي على البيئة. بعض المواد البلاستيكية حالياً صغيرٌ للغاية، لدرجة أنه لا يمكن الكشف عنه عملياً بالعين المجردة. 

تقع المواد البلاستيكية -التي تمثل كل شيء، من أكياس البلاستيك، إلى أغطية أكواب القهوة البلاستيك، إلى الزجاجات البلاستيكية، والقشات- بالتأكيد ضمن مجموعة المخلفات الأسوأ، بحسب تقرير صادر عن Earth Day Network الأمريكية، لأنها لا تصل في كثير من الأحيان إلى مدافن النفايات أو يُعاد تدويرها. بالإضافة إلى ذلك، بينما يُستخدم ما يقرب من ثلث إنتاج العالم من البلاستيك، الذي يبلغ 400 طن كل عام، في صناعة مواد التعبئة والتغليف، فإن ما يعاد تدويره من تلك المواد يصل إلى 14% منها فقط، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة Citi GPS.

وبينما رفعت حملات ضغط لمنع استخدام الأكياس والشفَّاطات البلاستيكية من الوعي العالمي بالكميات المجحفة للمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، لم تُحدث أيٌّ من تلك الحملات أثراً حقيقياً حتى الآن. علاوةً على ذلك، الوضع يزداد سوءاً لأننا نصنع موادّ بلاستيكيةً جديدةً، أو "بِكراً"، بمعدلاتٍ تفوق تلك التي يعاد بها تدويرها أو إزالتها.

أدلى البروفيسور بكلية برين للعلوم والتكنولوجيا البيئية في جامعة كاليفورنيا الأمريكية، رولاند غاير، بالقول الفصل حين قال: "أعتقد أن الأمر منوط بعددنا على الأرض، وأساليب الحياة التي ننتهجها". وأضاف: "يريد الكل أن يشتري كل شيء، وأن يملك كل شيء، وأن يجوب العالم، وأن يزور أماكن رائعة، وأن يعيش 100 عام. لا يمكنك فعل كل ذلك دون ترك مخلفاتٍ وأثرٍ حقيقي على البيئة. حان الوقت لنحظى برؤية أوسع. حان الوقت لنفكر كيف سنجعل هذا المكان دائماً".

الخلاصة: المواد البلاستيكية واحدةً من أكبر المشاكل البيئية في عصرنا الحديث

ليس غاير الشخصَ الذي يستعرض بالكلمات. كان يدرس تأثير المواد البلاستيكية على البيئة لما يقرب من ثلاثة عقود.

الخلاصة: تُعتبر المواد البلاستيكية، جنباً إلى جنب مع تغير المناخ، واحدةً من أكبر المشاكل البيئية في عصرنا الحديث. (يرتبط الاثنان ببعضهما البعض، بالفعل. عندما تنكشف العناصر، يطلق البلاستيك غازي الميثان والإيثيلين، المسببين للاحتباس الحراري واللذين يفاقمان مشكلة تغير المناخ، بحسب دراسة صادرة عن جامعة هاواي الأمريكية).

ويغطي مستنقع القمامة في المحيط الأطلنطي مساحة سطح تقدر بـ1.6 مليون كيلومتر مربع أي ضعف مساحة ولاية تكساس الأمريكية.

وإن لم نتخذ إجراءً صارماً الآن يتوقع العلماء أن حجم المخلفات البلاستيكية الموجودة داخل المحيطات سوف يتضاعف ثلاث مرات في غضون عِقد، أي سيتعدى ضعف مساحة المملكة العربية السعودية البالغ مساحتها نحو مليوني و150 ألف كيلومتر مربع.

وأضاف مسؤول البرامج الأول في مؤسسة World Wildlife Fund الأمريكية، مايك أوزموند، أن الحيتان والسلاحف تخرج إلى الشواطئ بانتظام، ببطون مليئة بالبلاستيك.

كتب أوزموند في رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلها من مكتبه في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية: "شوهد طائر القطرس، في مستعمراته الكبيرة بجزر هاواي الشمالية الغربية، وهو يطعم أفراخه البلاستيك، التي تموت بالطبع بعدها بفترة وجيزة".

البلاستيك وغيرها من المخلفات التي تصطف على شاطئ مصب نهر التايمز في 2 يناير في كليف social media
البلاستيك وغيرها من المخلفات التي تصطف على شاطئ مصب نهر التايمز في 2 يناير في كليف social media

وأضاف: "تشق المواد البلاستيكية الدقيقة طريقها الآن نحو السلسلة الغذائية للإنسان، عبر المأكولات البحرية الملوثة التي يتناولها الإنسان".

كيف تنتهي أنواع مختلفة من المواد البلاستيكية، حتى القابلة منها لإعادة التدوير، حولنا في بحارنا؟ بالرغم من أن أكبر أحجام التلوث ينشأ عن الإغراق المنظم، حول العالم، فإن لدينا كثافة سكانية كبيرة في المناطق الساحلية، تولد مخلفاتٍ تُدار عادة بشكلٍ خاطئ. تخيل مدى سهولة وقوع زجاجة مياه من وعاء قمامة، أو تركها بإهمال. لذلك، تحتاج محيطاتنا مزيجاً من المبادرات المحلية والدولية.

المسارات المحتملة للتقدم

بالرغم من عدم وجود إمكانية لعكس تيار "جحيم البلاستيك"، يمكننا اتخاذ بعض الخطوات لإيقاف الزحف.

  • ربما الخيار الأسهل هو تجنب شراء زجاجات البلاستيك ذات الاستخدام الواحد، والاستثمار في أنظمة تنقية المياه المنزلية، بدلاً من ذلك.
  • تحد عملية التدوير من انتشار المواد البلاستيكية في البيئة المحيطة بنا، ولكن فقط في حال اعتمدنا عليها بشكل دائم، طوال الوقت، في كل مكان في العالم. قدَّر ثلاثة باحثين أن ما يقرب من 90.5% من كل مخلفات البلاستيك التي وُجدت على الأرض، لم يُعاد تدويرها قط، بحسب الورقة البحثية المنشورة في مجلة Science Advances الأمريكية، في يوليو/تموز 2017. أما الحل الأصعب (والأعمق) هو التخلي تماماً عن اعتمادنا على المواد البلاستيكية.
  • تغيير السياسات قد يساعد أيضاً. على سبيل المثال، منعت بيرو زائري مدينة ماتشو بيتشو من حمل زجاجات بلاستيكية أحادية الاستخدام، رداً على سائحين يخلِّفون أطناناً من القمامة، حرفياً، داخل المحميات الطبيعية والثقافية.
  • ثم تأتي، بالطبع، حلول الأعمال القائمة على صناعة البلاستيك. الحل عند The Plastic Bank، وهي شركة تنمية اقتصادية مقرها مدينة فانكوفر الكندية، أسسها ديفيد كاتز، وتسعى لتأسيس نظام نقدي معتمد على البلاستيك لتُستخدم كنقود داخل المجتمعات الفقيرة، فينظر إليها المجتمع نظرة قيِّمة. لدينا خيار آخر، وهو شركة Renewlogy. إنها شركة ناشئة ومقرها مدينة سولت ليك بولاية يوتا الأمريكية، تسوِّق لاستراتيجيةٍ لتحليل أنواع معينة من البلاستيك إلى عناصرها الكيميائية الأولية.

قالت المديرة التنفيذية مؤسسة شركة Renewlogy، بريانكا باكايا، إن عملية المعالجة التي تقوم بها شركتها تُعيد المواد البلاستيكية إلى مستوياتها الجزيئية، عن طريق تحليلها إلى سلاسل كربونية صغيرة يمكن استخدامها لصنع منتجات جديدة.

وأضافت: "لدينا الآن اقتصاد خطي. نصنع ذلك البلاستيك البِكر، ونستخدمه، ثم يذهب إلى مكبّ النفايات ليعود إلى الطبيعة الأم". وقالت أيضاً: "بالنسبة لنا، تكمن كلمة السر في خلق اقتصاد دائري، لذا، يمكننا الحصول على البلاستيك مرة أخرى في نهاية دورته، ومن ثم تحليله، واستخدامه لصنع بلاستيك بِكر مرة أخرى".

لن يعمل أيٌّ من تلك الخيارات من تلقاء نفسه. لتخفيف مشكلة المخلفات البلاستيكية، في البداية حتى، يلزمنا أن نتبنى الكثير من –إن لم يكن كل- تلك الحلول، ثم الأخذ ببعضها لاحقاً.

إذا كان يجب على الحكومة والمؤسسات أن تحمل الحد من تغير المناخ على عاتقها، فعلينا نحن أن نتحمل مسؤولية المخلفات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد.

يمكننا أن نتعهد بعدم شراء زجاجات المياه ذات الاستخدام الواحد، وأن نختار بدائل مستدامة للمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد كلما أتيحت لنا الفرصة، وأن نشجع العلامات التجارية للتطور، عن طريق جعل التعبئة والتغليف معياراً حاسماً أثناء التسوق. خياراتنا اليومية الفردية، تؤثر بعمق في كوكبنا ومحيطاته، الآن أكثر من أي وقت مضى.

 

 

 

تحميل المزيد