بشكل مفاجئ توفقت موجة التطبيع العربية مع النظام السوري والتي بدأتها الإمارات بفتح سفارتها في دمشق، وزيارة الرئيس السوداني عمر البشير أيضاً، لكن هذه الهرولة توقفت دون أن يُعرف السبب في حينها، لكن صحيفة Washington Post الأمريكية كشفت مَن يقف وراء وقف عودة الأسد إلى الجامعة العربية.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء الخطوة، والتي حذرت الدول الحلفاء له من تطبيع العلاقات من نظام بشار الأسد، وكذلك المشاركة في عملية إعمار سوريا قبل إيجاد حل سياسي في البلاد.
وأدَّى قرار الإمارات العربية المتحدة بإعادة فتح سفارتها في دمشق أواخر العام الماضي ومبادرات بعض الدول العربية المُوجَّهة للأسد إلى توليد انطباعٍ بأن الدول العربية ستفتح أبوابها له من جديدٍ بعد أن تسبَّبت الثورة التي اندلعت ضده منذ ثماني سنواتٍ في عزله عن مُعظم الدول العربية.
الضغط الأمريكي
وبحسب واشنطن بوست، فإن إدارة ترامب ضغطت على حلفائها العرب ليعدلوا عن ذلك مُحذرةً من أن أي خطوةٍ للمشاركة في إعادة إعمار سوريا سينطوي عليها فرض عقوباتٍ أمريكيةٍ مُصمَّمةٍ لإجبار الأسد على قبول الإصلاحات السياسية، بحسب تصريحات مسؤولٍ أمريكي.
ويرى الدبلوماسيون في المنطقة أن الكثير من الدول العربية ليست واثقةً حالياً من رغبتها في إعادة تأهيل زعيمٍ يتمتَّع بعلاقة تحالفٍ قديمةٍ ووثيقةٍ مع إيران. ووسَّعت إيران نفوذها داخل سوريا بمساعدة الأسد على كسب الحرب.
وقال مسؤول أمريكي بارزٌ، تحدث إلى وسائل الإعلام شرط عدم ذكر اسمه، إن موقف الولايات المتحدة من الدور الإيراني هو "أن العزلة السياسية والضغط السياسي يُمثِّلان التوجُّه الأمثل في هذه الحالة". وأضاف أن الأهداف تشمل خروج "كافة القوات التي تقودها إيران" من سوريا.
وتضغط روسيا في الاتجاه المُعاكس داعيةً الحكومات العربية لبناء جسور التواصل مع دمشق، بحسب الدبلوماسيين المُطَّلعين على المسألة. وذكر الدبلوماسيون أن موسكو تُحاول إقناع الحكومات العربية بإعادة تعاملاتها مع الأسد للحد من النفوذ الإيراني.
ومن الضروري بالنسبة لسوريا وجيرانها العرب أن يُدركوا كيفية التطرُّق للمشكلات الناجمة عن نجاة الأسد بعد ثماني سنواتٍ من الحرب. إذ دعمت الكثير من تلك الدول الثورة المناهضة للأسد ويُواجهون الآن حقيقة أنه سيحتفظ بالسلطة على الأرجح في المستقبل القريب، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويأمل النظام السوري أن تُموِّل الحكومات العربية جزءاً، على الأقل، من التكاليف الباهظة لإعادة إعمار البلاد بعد الحرب، والتي تُقدَّر بقرابة الـ400 مليار دولار. ويتباهى أنصار النظام السوري بأن الدول العربية تصطفُّ للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، مما يضع الأسد في موقف الاختيار بين أفضل العروض التي سيُقرِّر قبولها. ووصف سالم زهران، المستشار السياسي الذي يتمتَّع بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع دمشق، الأمر بأنه "أشبه بمسابقةٍ لملكات الجمال".
وشاهدت الحكومات العربية بقلقٍ شديدٍ منافسيها في تركيا وإيران وهم يُوسِّعون نفوذهم داخل سوريا في غياب العرب، مما تركهم دون أي نفوذ داخل الدولة التي تقع في قلب العالم العربي. وطُرِدَت سوريا من جامعة الدول العربية في العام الأول على اندلاع الثورة، وأصبح مستقبل البلاد الآن رهينةً لعملية السلام التي تقودها روسيا بمشاركة تركيا وإيران.
لماذا أرادت الإمارات عودة سوريا؟
وقال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، مُفسِّراً أسباب قرار بلاده بإعادة العلاقات الدبلوماسية خلال مقابلةٍ أجراها: "لا يمتلك العرب أي نفوذٍ داخل دمشق، على الإطلاق. لأننا هدمنا كل جسور التواصل عام 2011، مما سمح للأطراف الإقليمية مثل تركيا وإيران أن تُصبح الدول صاحبة القرار. مما قتل النفوذ العربي داخل سوريا"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ومن المتوقع أن تُناقش هذه القضية في قمة الجامعة العربية المُنتظرة بتونس الشهر الجاري، في ظل تعبير عدِّة حكوماتٍ عربيةٍ عن دعمها لفكرة الدفع من أجل إعادة سوريا إلى الجامعة، ومن بينها تونس والعراق.
لكنَّ المسؤولين العرب نفوا وجود توافقٍ على هذه الخطوة. وقال أحمد أبوالغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، للمراسلين في بيروت الشهر الماضي: "لا يوجد توافق بعد بشأن السماح بعودة سوريا إلى الجامعة. ولم أرصد بعد أن هناك خلاصات تقود إلى التوافق الذي نتحدَّث عنه".
وقال دبلوماسيون إن المملكة العربية السعودية ومصر، اثنتين من أكبر القوى الإقليمية، تُقاومان خطوات إعادة عضوية سوريا. وقال دبلوماسي غربي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "من الواضح أن مصر والسعودية مُتمسكتان بموقفهما، ولن تكون خطوات الدول الخليجية الأخرى حاسمةً في إعادة مقعد الأسد في حال حفاظهما على هذا الموقف".
وقال قرقاش إن الإمارات أيضاً تبنَّت موقفاً ينُصُّ على عدم المشاركة في جهود إعادة الإعمار حتى يتم التوصُّل إلى حلٍ سياسي: "لا نزال نُؤمن أن الاستثمار في إعادة الإعمار يجب أن يرتبط بالتقدُّم السياسي".
وقال حسن حسن، من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن، إن زيارة الأسد لطهران الأسبوع الماضي -وهي زيارته الأولى منذ اندلاع الحرب السورية- ستُقوِّض على الأرجح فكرة إمكانية إغراء الزعيم السوري للتخلُّص من سطوة إيران، مما سيردع الخطوات العربية الرامية لتطبيع العلاقات معه أكثر فأكثر. وأضاف: "ساد التردُّد في السابق بشأن مساعي التصالح مع الأسد، والتي أبطأتها الولايات المتحدة. لكن احتضان طهران للأسد الآن سيكبح تلك المساعي تماماً".
ولكن قرقاش قال إن حكومة الإمارات تعتقد أن التعامل مع الأسد هو أكثر أهميةً من التراجع.
وأضاف: "من السذاجة الاعتقاد بأننا سنكون بديلاً لإيران بعد مُضي أسبوعٍ أو شهر أو عامٍ على افتتاح سفارتنا. ولكننا نعتقد أنه من الضروري أن تمتلك دمشق بعض الجسور العربية التي يُمكنها الاعتماد عليها. ولا نعتقد أن الإمارات العربية المتحدة ستصنع الفارق، لكننا نرى أن ذلك سيكون جزءاً لا يتجزَّأ من قرارٍ عربي أكثر إجماعاً بشأن سوريا، ونحن واثقون من حدوث ذلك".