يُنتظر مشاهدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهما يتصافحان وتعلو الابتسامة وجهيهما مساء الأربعاء 27 فبراير/شباط 2019 في فندق ميتروبول بعد 8 أشهر من قمتهما الأولى في سنغافورة، لمناقشة جهود تفكيك كوريا الشمالية لبرنامجها النووي.
وقال ترامب صبيحة اللقاء التاريخي إن كوريا الشمالية ستشهد ازدهاراً مثل الذي تشهده فيتنام إذا ما تخلّت عن برنامجها النووي.
وكتب في تغريدة: "فيتنام تزدهر مثل أماكن قليلة على وجه البسيطة. وستكون كوريا الشمالية مثلها وسريعاً جداً إذا ما تخلت عن برنامجها النووي.. الإمكانيات مذهلة، وتمثل فرصة عظيمة، لا يكاد يكون هناك مثلها في التاريخ، لصديقي كيم جونغ أون".
بطبيعة الحال يكمن خلف هذه الابتسامات التي سنراها سلسلة من الأهداف التنافسية والمخاوف.
تقرير وكالة AP الأمريكية أشار إلى أن لدى الصين وكوريا الجنوبية واليابان أيضاً مصالح فيما سيتوصل إليه ترامب وكيم في فيتنام، بما في ذلك أكبر التساؤلات التي تلوح في الأفق أمامهم جميعاً: هل تستطيع الولايات المتحدة وكوريا الشمالية الاتفاق على ما يعنيه "نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية" -في ظل اللغة غير الحاسمة التي استقرا عليها في سنغافورة- وإذا حدث ذلك، هل يمكنهما وضع إطار عمل ناجح يفي بالغرض؟
دعونا نلقِ نظرة على الأهداف التنافسية في قمة تستهدف تسوية أكثر النزاعات النووية إرباكاً في العالم.
كوريا الشمالية
إذا كان موقف الولايات المتحدة واضحاً تماماً -وهو تجريد كوريا الشمال من أكبر قدر ممكن من برنامجها النووي- فسوف يكون الأقل وضوحاً في هذا المقام مدى اعتزام كيم التخلي عما تُطلق عليه أجهزته الدعائية "السيف الثمين" لبلاده.
يفعل كيم بكل وضوح شيئاً مختلفاً عما فعله أبوه وجده الديكتاتوران.
فضلاً عن بناء ترسانة نووية تلفت انتباه العالم والعمل على ضمان الأمن الشخصي والاقتصادي والعسكري في بلاده، فإنه يحاول كذلك تخليص أمته من الفقر.
يحتاج الزعيم الكوري الشمالي لتحقيق هذا الهدف أن يجد طريقة لتخفيف العقوبات الدولية حتى يتمكن من متابعة المشروعات المشتركة مع كوريا الجنوبية، بما في ذلك مشروعان عملاقان لإعادة تشغيل منطقة صناعية ومنتجع سياحي كان يحقق إيرادات سنوية من قبل تُقدر بـ 150 مليون دولار سنوياً.
حاولت كوريا الشمالية أيضاً التوصل إلى إعلان سلام لإنهاء الحرب الكورية، التي توقفت عام 1953 عن طريق هدنة وليس معاهدة سلام. قد تجد كوريا الشمالية هذا الإعلان، والتوصل إلى اتفاق سلام نهائي، طريقةً لانسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية والسماح للكوريتين بالسعي وراء تحقيق حلم الوحدة، وفقاً لشروط كوريا الشمالية.
أكدت كوريا الشمالية مراراً وتكراراً أن عملية "نزع السلاح" يجب أن تكون طريقاً ذا اتجاهين: فلن تتخلى عن أسلحتها النووية مقابل ثمن بخس.
ويجب أن يقتنع كيم أيضاً بتطوير فكرته المتعلقة بما يراه تهديداً أمريكياً وجودياً ضد بلاده: مُمَثلاً في عشرات الآلاف من القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان ومجموعة ضخمة من القوات العسكرية المعنية بحماية حلفاء واشنطن.
بالرغم من التشكك العميق في نوايا كيم، يرى كثير من الخبراء النوويين من كوريا الشمالية أن حتى كيم نفسه ربما لا يدري ما إذا كان سوف يتنازل عن أسلحته النووية.
تبدو قمة هانوي من جوانبَ عديدةٍ اختباراً لما يعتزم الزعيم الكوري قبوله للتضحية بهذا الضمان الأمني الأساسي.
الولايات المتحدة
استمتع ترامب بالتغطية الشاملة التي حظيت بها قمته الأولى مع كيم في يونيو/حزيران الماضي. لكنه يواجه ضغوطاً ليقدم أداءً أفضل هذه المرة.
يريد الرئيس الأمريكي إحراز تقدم في مسألة نزع السلاح النووي، وإن كان يحاول إبقاء سقف التوقعات منخفضاً بقوله إنه لا يفكر في أي "جدول زمني مُلِّح".
من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة في قمة فيتنام للتوصل إلى اتفاقية حول كيفية بدء العمل على تصريحات كيم الواردة من قبل، التي تفيد بأنه على استعداد لتفكيك معدات منشآت تخصيب البلوتونيوم واليورانيوم في بلاده.
يريد ترامب من كيم إضفاء طابع رسمي على عرضه من خلال السماح للخبراء بالدخول للتحقق من خطوات التفكيك في موقع إطلاق الصواريخ الرئيسي وموقع الاختبارات النووية في كوريا الشمالية. قد يستعيد ترامب أيضاً رفات مزيد من الأمريكيين الذين قُتلوا خلال الحرب الكورية، ويمضي قدماً لتحقيق سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية.
وفي نهاية المطاف، تريد الولايات المتحدة أيضاً جرداً على المنشآت والمعدات والمواد المتعلقة بالصواريخ النووية والبالستية لكوريا الشمالية، ثم عملية يجري الاتفاق عليها لتدميرها بطريقة يمكن التحقق منها. ولكن ليس هناك من يتوقع وصول الطرفين إلى هذه المرحلة في فيتنام.
وبغضّ النظر عما سيحدث، يريد ترامب "المُحب للاستعراض" أن يراه الناس زعيماً قوياً على المسرح العالمي، بعيداً عن لحظة الضغينة التي سادت بسبب جداره الذي يسعى لبنائه منذ مدة على الحدود المكسيكية، والتحقيقات المتزايدة حول حملته الرئاسية وصفقاته التجارية.
كوريا الجنوبية
وضعت سول استقرار العلاقات الثنائية مع كوريا الشمالية على رأس أولوياتها في خضم المفاوضات النووية الأكبر بين الولايات المتحدة وجارتها الشمالية. وتأمل الآن أن تقدم القمة الثانية بين ترامب وكيم فرصة لاستئناف المشروعات الاقتصادية بين الكوريتين، التي توقفت بسبب العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ بقيادة الولايات المتحدة.
ففي مكالمة هاتفية مع الرئيس ترامب، أوضح الرئيس الكوري الجنوبي الليبرالي مون جاي-إن أن بلاده كانت مستعدة لاستئناف المشروعات المشتركة مع كوريا الشمالية، وطلب من ترامب أن يضع في عين الاعتبار عند مقابلة كيم عرض المسألة لتكون محفزاً للجارة الشمالية من أجل المضي قدماً في نزع السلاح النووي.
عقد مون، وهو ابن لاجئ حرب كوري شمالي، ثلاثة لقاءات مع كيم في العام الماضي، ويصف التسوية بين الكوريتين بأنها ضرورية لحل النزاع النووي. لكن العقوبات الصارمة قيدت من حجم الأنشطة المشتركة التي يمكن أن تضطلع بها الكوريتان؛ نظراً إلى أن واشنطن تشجع حلفاءها على مواصلة الضغط الاقتصادي على كوريا الشمالية حتى تتخذ خطوات أكثر ثباتاً نحو نزع السلاح النووي.
ويشكك بعض الخبراء في واقعية توقعات سول بتخفيف العقوبات على كوريا الشمالية، بينما لا يزال ينبغي على كيم أن يظهر اعتزامه التخلص من ترسانة بلاده النووية.
الصين
طالما تجاوزت شواغل الصين بشأن عدم استقرار كوريا الشمالية -حليفتها الشيوعية ظاهرياً- شواغلَها بشأن ترسانتها النووية. إذ تخشى بكين قبل كل شيء انهيار اقتصاد كوريا الشمالية، ما قد يؤدي إلى صراع مسلح داخلي بين دوائر الحكم وتدفق محتمل للاجئين عبر النهر الذي يفصل بين الجارتين.
تشكّل الصين المصدر الرئيسي لكوريا الشمالية من ناحية المساعدات والتجارة، وأي تحرك نحو رفع العقوبات سيرحَّب به ترحاباً حاراً من جانب مجتمعات الأعمال في الصين.
من أجل الحفاظ على مصالحها، سعت الصين إلى فتح قناة اتصال منتظمة مع كيم، فقد استضافته في ثلاث زيارات منذ الإعلان عن الجولة الأولى من المحادثات بين الطرفين الأمريكي والكوري الشمالي في العام الماضي. التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضاً بنظيره الكوري الشمالي لقاءً غير رسمي في مدينة داليان المرفئية الصينية الواقعة شمال شرق البلاد، وهو لقاء ارتآه البعض في الولايات المتحدة تحركاً من أجل ضمان النفوذ الصيني قبيل قمة سنغافورة.
الأكثر إقناعاً أن اجتماعات تشي مع كين يُنظر إليها باعتبارها محاولة للمساعدة في توجيه العملية، وفي الوقت ذاته إبداء التشجيع وضمان عدم المساس بمكانة الصين باعتبارها وسيطة إقليمية رئيسية نافذة.
اليابان
أما اليابان، التي لا تزال تتألم من اختطاف كوريا الشمالية مواطنيها منذ عقود وتقع ضمن المحيط الذي تستطيع الصواريخ الكورية الشمالية الوصول إليه، فطالما أرادت التوصل إلى اتفاق.
ولكن ليس أي اتفاق قادراً على تحقيق ما تريد.
ثمة قلق يتعلق بأن ترامب قد يسعى إلى التوصل لاتفاقية تستهدف جزءاً من برنامج الصواريخ الكوري الشمالي؛ على سبيل المثال، قد يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى التخلص من الصواريخ النووية الكورية الشمالية طويلة المدى التي تستهدف الولايات المتحدة، والإبقاء على الصواريخ قصيرة المدى.
لا تريد اليابان أيضاً أن تتخلف عن الركب مع المضي قدماً في المفاوضات. إذ يُنظر إليها على أنها حصن الولايات المتحدة في المنطقة، في ظل عشرات الآلاف من القوات الأمريكية ومعداتها المتطورة المتمركزة في أنحاء الأرخبيل.
عبر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مراراً وتكراراً عن الأمل في قدرته على عقد لقاء مع كيم، وعمل جاهداً على التقرب إلى ترامب؛ ضماناً لعدم إغفال المصالح اليابانية، لدرجة أن ترامب قال إن آبي رشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو ما لم ينكره آبي.