رسخ الانتقاد غير المعهود الذي وجهه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته القاهرة قبل 4 أسابيع، لحالة حقوق الإنسان في مصر قناعة لدى المعارضة بأن حلحلة حالة الانسداد السياسي في البلاد قد تلوح في الأفق، إلا أن مشاركة كثير من دول الاتحاد الأوروبي في القمة العربية-الأوروبية شرم الشيخ، بالتزامن مع إعدام 15 مصرياً، قد أصاب كثيرين بالإحباط من جديد.
السيسي يدافع عن حقه في الإعدامات
مشاركة الأوروبيين رغم انتقادات ودعوات دعتهم إلى المقاطعة، شجعت الرئيس المصري -على ما يبدو- على اتخاذ موقف أكثر تشدداً، فرغم أن المنطق يقتضي أن يتجنب السيسي الحديث عن الإعدامات، حتى لا يفسد الانتصار السياسي المتمثل في حضور قادة أوروبا إليه، إلا أنه أصر على الدفاع عن سجلِّ بلاده في مجال حقوق الإنسان وعن تطبيق عقوبة الإعدام، وقال إنها وسيلة لأخذ حقوق ضحايا الهجمات الإرهابية بالقانون، وجزء من ثقافة المنطقة وقيمها.
وقال السيسي، الإثنين 25 فبراير/شباط 2019، وهو يردُّ على سؤال من صحفي أجنبي بشأن أوضاع حقوق الإنسان، خلال مؤتمر صحفي في ختام القمة: "نحن ثقافتان مختلفتان. كل منطقة لها ظروفها الخاصة بها… الأولوية بالدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لشعوبها والحفاظ عليها، الأولوية في بلادنا هي الحفاظ على بلادنا ومنعها من السقوط والدمار والخراب كما ترون في دول كثيرةٍ موجودة بجوارنا".
وأضاف: "أنتم تتكلمون عن عقوبة الإعدام ونحن نقدّر لكم ذلك… عندما يُقتل إنسان بعمل إرهابي، فالأسر تقول لي: نريد حق أبنائنا ودمائهم، وهذه هي الثقافة الموجودة في المنطقة، وهي أن الحق يجب أن يُؤخذ بالقانون".
انتقادات للمشاركة الأوروبية
وسبق القمة دعوات، من معارضين وحقوقيين مصريين، لقادة أوروبا إلى مقاطعة "القمة العربية-الأوروبية"؛ على خلفية الإعدامات التي نفذتها السلطات المصرية مؤخراً بحق عدد من المعارضين.
جاء ذلك وفق رسالة وُجِّهت إلى البرلمان الأوروبي، وفيديريكا موغيريني الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وتيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، وغيرهم من قادة الاتحاد الأوروبي.
وطالب الموقعون على الرسالة القادة الأوروبيين بإلغاء حضورهم القمة، "حتى لا يكون ذلك تشجيعاً للممارسات التي يقوم بها الرئيس المصري، ويضفي عليها الشرعية بصفة عامة".
وانتقدت الأمم المتحدة ودول غربية ومنظمات حقوقية دولية محاكمةً أفضت إلى إعدام 9 شبان، الأسبوع الماضي. ونُفذ حكم الإعدام في التسعة الأربعاء 20 فبراير/شباط 2019، بعد أن أيدت محكمة النقض إعدامهم في قضية اغتيال النائب العام، هشا بركات، في هجومٍ عام 2015.
وتتهم جماعات حقوقية ونشطاء، السيسي بشن حملة قمع شاملة على المعارضة منذ توليه الرئاسة في عام 2014. وتنفي مصر ذلك.
وتم التنفيذ وسط تسارع وتيرة تنفيذ أحكام بالإعدام هذا الشهر (فبراير/شباط 2019).
لماذا التزمت أوروبا الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان؟
ووصفت صحيفة The Financial Times البريطانية توقيت استضافة القاهرة القمة العربية-الأوروبية، الأحد 24 فبراير/شباط 2019، بالأسوأ بالنسبة إلى الأوروبيين، الذين كانوا يحاولون ألا يَظهروا مثل ترامب، الذي يدعم الأنظمة الاستبدادية، وأن يبدوا كأنهم مدافعون حقاً عن حقوق الإنسان.
ساعد الأوربيون بالانحياز إلى السيسي والصمت على الانتهاكات التي توثقها المؤسسات الحقوقية الدولية، في صناعة الصورة التي قدَّم بها السيسي نفسه بوصفه فعالاً وقادراً على تخليص أوروبا من الملفين الأكثر إثارة للقلق لها: الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب، اذ يحرص السيسي في كل مناسبة -كما حدث في مؤتمر شرم الشيخ- على تأكيد قدرة مصر على تأمين هذين الملفين.
وإن كان البعض راهن على أوروبا، التي تسوق نفسها باعتبارها راعية للديمقراطية ومدافِعة عن حقوق الإنسان، في معركتهم مع الحكومة المصرية، إلا أن تاريخ أوروبا في التعاون مع الأنظمة الاستبدادية من أجل مصالحها ليس بالأمر الجديد. ففي أواخر عام 2010، عرض الاتحاد الأوروبي مبلغاً مبدئياً بقيمة 50 مليون يورو (نحو 57 مليون دولار) لجهود مكافحة الهجرة وحقوق المهاجرين في ليبيا، التي طلب زعيمها معمر القذافي مبلغ 5 مليارات يورو (نحو 5.57 مليار دولار).
يقول أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي ممن يعملون بشكل وثيق مع بعض الدول الاستبدادية: "سوف يكون اضطرار التعامل مع المستبدين يومياً أمراً ضرورياً، ثم يكون لك الخيار. إذا قررت عدم التعامل معهم، فسوف تجد فجأة أنه ليس لديك أصدقاء لتتعامل معهم".
ويعترف المسؤولون بأنَّ الجدالات المختلفة حول جهود الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة قد قوَّضت دفاعه الدولي العام عن حقوق الإنسان.
ويقول المنتقدون إنَّ مثل هذه المعايير المزدوجة بوضوح تجعل من عرض الاتحاد الأوروبي بوصفه حامي حقوق الإنسان أمراً أجوف. وفي أجزاء عديدة من العالم يغذي هذا الأمر شعوراً أعمق في أوروبا، بوصفها قارة فشل أعضاؤها الغربيون المؤثرون في الأخذ بالحسبان تاريخهم الاستعماري والقمعي.
موقف أوروبا يستفز تركيا
واستفزت مشاركة دول أوروبا في قمة مع دول عربية قمعية تركيا، إذ هاجم المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، الأحد 24 فبراير/شباط 2019، زعماء الدول المشاركة في القمة.
وقال كالن معلقاً على صورة لشباب تم إعدامهم: "هؤلاء الشباب التسعة أعدمهم نظام السيسي، الذي ترحِّب به بعض الدول الغربية والخليجية. العار عليهم جميعاً، وهم متورطون في هذه الجريمة".
وتابع المتحدث باسم أردوغان، في تغريدة ثانية موجهة إلى رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ومفوضة الاتحاد الأوروبي للأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، متسائلاً: "السيسي أعدم 9 شباب، وآخرين يبلغ مجمل عددهم 46 شخصاً، وأنتم لا تزالون تحضرون قمة الاتحاد الأوروبي-الجامعة العربية في مصر؟! أين قيمكم ومبادئكم؟! العار عليكم جميعاً!".
وبينما كان البعض يراهن بأن تُجبر الغضبة الدولية السيسي على وقف مسلسل الإعدامات، جاءت تصريحات السيسي أمام قادة أوروبا، والتي أكد فيها حقه في تطبيق أحكام الإعدام، لتبعث بالقلق من جديد على مصير 50 مصرياً صدرت بحقهم أحكام نهائية بالإعدام.