رفض وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس الخميس الاعتذار لبولندا بعدما وجه إلى البولنديين اتهامات بمعاداة السامية في قضية محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية.
وكانت بولندا قد حصلت على دعم الولايات المتحدة في هذه القضية وكتبت السفيرة الأمريكية لدى وارسو جورجيت موسباشر في تغريدة "بين حليفين مقربين مثل بولندا وإسرائيل، ليس هناك مكان لتعليقات مهينة مثل تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس أمس".
وأعلن رئيس وزراء بولندا ماتوش مورافيتسكي الإثنين الماضي إلغاء مشاركة بلاده في قمة مجموعة فيشيغراد (المجر وبولندا وجمهورية تشيكيا وسلوفاكيا) التي كان من المقرر عقدها في القدس. ووصف تعليقات كاتس "بالعنصرية".
سر القانون الذي وتَّر العلاقة بين البلدين قبل عام
ويأتي هذا التوتر في العلاقات بين بولندا وإسرائيل بعد أزمة كبيرة العام الماضي بسبب قانون بولندي أثار جدلاً واعتبرته إسرائيل والولايات المتحدة محاولة مبطنة لمنع الناجين من المحرقة من التحدث عن جرائم ارتكبها بولنديون بحقهم.
تورط بولندا في المحرقة النازية سبب أزمة سابقة مع إسرائيل
بعد غضب في إسرائيل والولايات المتحدة، تراجعت الحكومة البولندية عن تشريع يفرض عقوبات سجن على أي شخص يقول إن بولندا تواطأت مع النازيين.
وأُثيرت القضية مجدداً في وقت متأخر، يوم الخميس 14 فبراير/شباط 2019، بجواب نتنياهو.
ولا يزال الكثير من البولنديين يرفضون قبول أبحاث تظهر أن آلافاً شاركوا في المحرقة علاوة على آلاف خاطروا بحياتهم من أجل مساعدة اليهود.
إسرائيل كاتس، القائم بأعمال وزير الخارجية الإسرائيلي قال لراديو الجيش، الإثنين 18 فبراير/شباط 2019، إنه يؤيد الحفاظ على العلاقات مع بولندا لكنه كرر وجهة نظره السابقة، وأضاف "لا يمكن تغيير الحقيقة التاريخية. تعاون الكثير من البولنديين مع النازيين وشاركوا في تدمير اليهود أثناء الهولوكوست.. معاداة السامية كانت متأصلة لدى البولنديين قبل الهولوكوست وخلالها وبعدها أيضاً".
وكانت بولندا قبل الحرب العالمية الثانية موطناً لأحد أكبر الجاليات اليهودية في العالم والتي كادت أن تختفي على يد النازيين.
ولا يزال الكثير من البولنديين يرفضون قبول أبحاث تظهر أن آلافاً شاركوا في المحرقة علاوة على آلاف خاطروا بحياتهم من أجل مساعدة اليهود.
وتصاعد التوتر بين إسرائيل وبولندا العام 2018 بعد أن طرحت بولندا تشريعاً جديداً يجرم استخدام جمل مثل "معسكرات الموت البولندية" ويعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وخففت بولندا من حدة التشريع وألغت عقوبة السجن بعد ضغوط من الحكومة الأمريكية وانتقادات حادة في إسرائيل.
أمريكا تحاول المصالحة بين حليفيها
وبعد أيام فقط من استضافة قمة في وارسو حول الاستقرار في الشرق الأوسط، دعا السفير الأمريكي جورجيت موسباكر وزير الخارجية الإسرائيلي بالنيابة إلى الاعتذار لبولندا.
وقال موسباكر، مبعوث واشنطن إلى وارسو ، يوم الأربعاء إن حلفاء الولايات المتحدة الأقوياء مثل إسرائيل وبولندا "يجب ألا يستخدموا هذا النوع من الخطابات. نحن في غاية الأهمية لبعضنا البعض ويجب ألا نستخدم هذه الأشياء".
وتبدو محاولة سفير الولايات المتحدة لدفع حليفيها لتجاوز الخلاف الدبلوماسي كنوع من التراجع فخلال الأسبوع الماضي كانت الولايات المتحدة تقوم بعقد الصداقات أثناء قمة حول المصالح المشتركة.
بيوتر ويلكسيك، السفير البولندي في واشنطن، استجاب لتصريح موسباكر وعلق قائلاً "نحن نقدر المشاركة الأمريكية، بما في ذلك مشاركة بعض المنظمات الأمريكية اليهودية الرئيسية"، كما كتب في تصريح لـ WorldViews، "خاصة وأن العلاقات الثنائية الجيدة بين بولندا وإسرائيل هي أيضاً حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة."
بالنسبة لإدارة ترامب، تم تصميم القمة لتعقد في وارسو -التي كان من المفترض أصلاً أن تكون موجهة إلى إيران ولكنها توسعت بشكل موضوعي لجذب الحاضرين من المزيد من الدول- بهدف تقريب الدول من أجل مناقشة القضايا الأمنية في الشرق الأوسط. وبالنسبة لبولندا، كانت فرصة للعب دور بارز على المسرح الدولي.
وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت القمة "مفيدة، وقريبة جداً من الانتخابات في إسرائيل، وتظهر أن القادة العرب مستعدون لأن يكونوا في نفس الغرفة التي يجلسون بها"، قالت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران. في حلف الأطلسي. كان لدى الثلاثة أهداف مختلفة قليلاً للقمة، ولكن يمكن للجميع العمل معاً لتحقيقها.
لكن هذا كان الأسبوع الماضي.
عند عودته من القمة، نُقل عن نتنياهو قوله إن "البولنديين" تعاونوا مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية (صحيفة جيروزاليم بوست التي نقلت عنه، قامت لاحقاً بإزالة أداة التعريف "الـ" من التصريح).
في هذه الأثناء، خسرت الولايات المتحدة الزخم الذي أنتجته قمة وارسو، إذ أعقبتها مباشرة أزمة دبلوماسية بين حلفاء أمريكيين مقربين.
وفي العام الماضي، عندما أصدرت بولندا قانوناً يقضي بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات لأولئك الذين اتهموا البولنديين بارتكاب جرائم ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، انتقدت الولايات المتحدة بشدة بولندا، وشمل ذلك منع قادتها من دخول البيت الأبيض..
وحاولت السفارة البولندية في واشنطن، من جانبها، فصل قمة وارسو عن الخلاف الدبلوماسي، وقالت في بيان لها: "قمنا بالتعاون مع نظرائنا الأمريكيين بدعوة بلدان من المنطقة وخارجها وقدمنا منصة لجميع هؤلاء المسؤولين الذين لا يشاركون في تقييم مشترك وشامل للوضع في الشرق الأوسط. و"في أغلب الأحيان، لا يتحدثون مع بعضهم بعضاً" .
وهكذا بدأت القصة
ابتداءً من أواخر القرن التاسع الميلادي، أصبحت بولندا مضيفة لما كان سيصبح، حتى أربعينيات القرن العشرين، أكبر جالية يهودية في أوروبا. في الحرب العالمية الثانية والإبادة الجماعية ضد اليهود التي ارتكبتها ألمانيا، تم تدمير حياة الكثير من أبناء الجالية اليهودية في بولندا، وهاجر العديد من اليهود البولنديين الناجين إلى دول أخرى، بما في ذلك حوالي 70،000 انتقلوا إلى إسرائيل.
بعد الحرب العالمية الثانية
في 29 نوفمبر 1947، صوتت بولندا لصالح خطة التقسيم للأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، والتي أدت إلى إقامة دولة إسرائيل. في 19 مايو 1948، اعترفت بولندا وأقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وفي مايو 1948 أصبح ديفيد بن غوريون المولود في بولندا أول رئيس وزراء للبلاد. في سبتمبر 1948 افتتحت إسرائيل أول بعثة دبلوماسية في وارسو.
وفي يونيو 1967، بعد حرب الأيام الستة، انضمت بولندا إلى الكتلة الشرقية التي يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
وفي عام 1986 بدأت بولندا اتصالات مع إسرائيل. سرعان ما افتتحت الدولتان مكاتب مصالح في عواصم كل منهما، وفي عام 1988 تم تأسيس غرفة التجارة بين إسرائيل وبولندا.
بعد سقوط الشيوعية في بولندا
وفي عام 1989، سقطت الحكومة الشيوعية في بولندا، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1989، زار نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي البولندي المولد شيمون بيريز بولندا، مما مهد الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. خلال زيارته، التقى بيريس بالرئيس البولندي فويش ياروزلسكي ورئيس الوزراء تاديوس مازوفيتسكي.
واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية الكاملة في 27 فبراير/شباط 1990، مما أدى إلى توسيع التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي بين البلدين. في مايو/ايار 1991، قام الرئيس البولندي ليخ فاليسا بزيارة إلى إسرائيل.
القرن الـ 21
وفي عام 2010، ألقي القبض على عميل إسرائيلي في الموساد يحمل جواز سفر ألمانياً مزوراً في مطار وارسو شوبان. لقد كان مطلوباً فيما يتعلق باغتيال، وقع في دبي في يناير/كانون الثاني 2010، لمسؤول كبير في حماس هو محمود المبحوح، وتم ترحيل وكيل الموساد إلى ألمانيا لمحاكمته.
في فبراير/شباط 2015، احتفلت بولندا وإسرائيل بمرور 25 عاماً على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
في أوائل عام 2018، تبنت غرفتا البرلمان البولندي (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) تعديلاً للقانون الخاص بمعهد الإحياء الوطني، حيث جُرِّمت وصم البولنديين بشكل جماعي بالتواطؤ في جرائم الحرب العالمية الثانية التي ارتكبت ضد اليهود أو في جرائم حرب أخرى من قبل قوى المحور، وأدان القانون استخدام تعبير "معسكر الموت البولندية".
وأثار القانون أزمة في العلاقات البولندية الإسرائيلية. وفي مؤتمر ميونيخ الأمني في 17 شباط/فبراير من العام نفسه، قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوس موراوييكي "كان هناك أيضاً مجرمون يهود، ومرتكبو جرائم روس، وجناة أوكرانيون وليس الألمان فقط هم الجناة".
وأثارت تصريحاته جدلاً كبيراً، وإدانة من قبل سياسيين إسرائيليين بارزين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتم حل الأزمة في أواخر يونيو/حزيران من ذلك العام عندما أصدر رئيسا الوزراء، البولندي والإسرائيلي بياناً مشتركاً يؤيدان البحث في المحرقة اليهودية ويدينان تعبير "معسكرات الاعتقال البولندية".
الأزمة الأخيرة وفصل جديد من مسيرة التوتر
ووصف مورافيسكي -الذي كان من المفترض أن يشارك في قمة "فيشيغراد" هذا الأسبوع في القدس- تعليقات وزير خارجية إسرائيل حول دور بولندا خلال محرقة اليهود بأنها "عنصرية".
وقال مورافيتسكي الإثنين 18 فبراير/شباط 2019 إن "كلام وزير خارجية إسرائيل عنصري وغير مقبول، من الواضح أن وزير خارجيتنا ياتسك شابوتوفيتش لن يذهب إلى القمة".
وفي تعليقه على تصريحات نتنياهو، تساءل الرئيس البولندي أندريه دودا عن جدوى إقامة قمة تستغرق يومين في القدس، الأسبوع المقبل، تشارك فيها أربع دول بوسط أوروبا هي بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك.
وقال دودا إنه إذا كان نتنياهو قد قال ما نُقل عنه في الأصل، فإن "إسرائيل لن تكون مكاناً جيداً للاجتماع رغم الترتيبات السابقة".
ويسعى نتنياهو لاستخدام ما تُسمى بمجموعة فيسجراد لتحقيق توازن في مواجهة انتقادات من دول غرب أوروبا لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، ويعتبر بنيامين نتنياهو ودافيد بن غوريون إسرائيليين من أصل بولندي إذ ولدا في بولندا أو ولد أبواهما هناك.