"هل تقبل بما حدث لهذه المرأة؟"، بهذه الكلمات انفعل الملك عبد الله على الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، ثم قرر الرحيل وهو غاضب، بعد أن أراد إنهاء اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش بكروفورد بولاية تكساس.
كان منزل بوش الابن الذي تم فيه هذا اللقاء، صغيراً وغالباً سمع كل من كان بالمنزل صوت عبد الله، الذي كان ولياً للعهد في ذلك الوقت، وانفعل بسبب ما فعله جنود إسرائيليون بامرأة فلسطينية مُسنّة.
وقعت هذه الأحداث، التي رواها الأمير بندر بن سلطان، في عام 2002، وفقاً لما قاله في الحلقة الرابعة من حواره مع موقع صحيفة "إندبندنت عربية".
وفي هذه الحلقة كشف بندر أيضاً عن حدث كان يمكن أن يغير تاريخ الشرق الأوسط، وهو أن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، كان يستعد لإعلان حل للقضية الفلسطينية بإعلان اعترافه بحل الدولتين، قبل يوم واحد من 11 سبتمبر/أيلول.
ولكن أشياء بسيطة أرجأت الإعلان، حسب الأمير بندر، ثم وقعت الواقعة.
تعرضت الولايات المتحدة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الشهيرة التي غيرت العالم للأبد.
تفاصيل اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش الخاصة
في عام 2002، حين كان الملك عبد الله ولياً للعهد زار الرئيسَ الأمريكي الأسبق بوش الابن، لكن هذه المرة بمزرعته في كروفورد بولاية تكساس.
وكان سبق أن زار الأمير عبد الله، بوش في البيت الأبيض.
وحين زار بوش السعودية، أخذه الملك إلى مزرعته في الجنادرية، ومن هنا جاء اختيار مزرعة بوش لتكون مقراً للقاء الثاني.
أراد الرئيس الأمريكي فقط إظهار المودة للملك عبد الله، وهذه الرغبة نتج عنها دعوته إلى اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش الخاصة، والذي اكتسب أهمية استثنائية وكان يمكن أن يغير التاريخ، حسب الأمير بندر.
فور وصول الملك عبد الله -ولي العهد آنذاك- عرض بوش الابن عليه أن يستقلا بمفردهما سيارة "بيك أب" أثرية، ويتجولا دقائق في المزرعة.
سأل الملك -حسب الأمير بندر- من سيترجم، فكَّرا ثم أجَّلا الجولة، ومازحا أحدهما الآخر وقالا: "سندع بندر يترجم، ولأنه لا مكان له فإنه سيستقل (حوض) السيارة، ويترجم لنا من النافذة".
الطعام محور حديث الرئيس الأمريكي
كان أحد الأهداف الرئيسة للزيارة، القضية الفلسطينية وملف السلام العربي-الإسرائيلي.
يقول الأمير بندر: "هناك قصة شهيرة، حين شاهد الملك عبد الله خبراً من الضفة الغربية وفيه سيدة مُسنّة ألقى بها عسكري إسرائيلي على الأرض، ووضع قدمه على يدها أو كتفها.
كانت الصورة مستفزة بالنسبة للأمير عبد الله، إذ يظهر فيها الجندي كأنه يضع قدمه على رقبتها.
طلب الملك حفظ نسخة من الفيديو والصور، وحين هممنا بالذهاب إلى أمريكا طلب الملك أن نأخذ النسخة معنا"، وفقاً لما يقوله الأمير بندر.
وحين بدأ الرئيس بوش الحديث، قال للملك: "طعامنا قطعة لحم وبطاطا وخضراوات، وزوجتي هي من تمسك بزمام الأمور في المطبخ وتقترح أن نبدأ الأكل الآن، وبعدها نجلس الوقت الذي نحتاجه"، وفعلاً بدأ الغداء.
وتبين أنه لا يشاهد التلفاز
كان ولي العهد السعودي غير مرتاح خلال اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش بتكساس، حسب الأمير بندر.
إذ يقول: "إن الجميع يشعر بأن ولي العهد السعودي سيقول شيئاً في أية لحظة، منذ دخوله المزرعة وهو يريد أن يتحدث بشيء في داخله قبل بدء أي نقاش".
ويضيف: "انتهينا من الأكل.
وقال الرئيس: نحن والفريق السياسي نقترح أن نذهب إلى الصالون، حتى نتحدث في القضايا المشتركة، فأجابه الملك: لا لنجلس على انفراد أولاً، وحين سأل بوش عن المترجم قال الملك: بندر يترجم لنا.
وهنا بدأ يتحول اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش بتكساس يتحول من مجاملة ودية إلى لقاء قد يحمل آثاراً تاريخية.
ثم انفعل الملك عبد الله من أجل امرأة فلسطينية مسنة
يقول الأمير بندر ذهبنا إلى الصالون وبدأ الملك كلامه قائلاً: فخامة الرئيس، لم أُرد فتح الموضوع؛ احتراماً للغداء… لقد تابعتُ مشهداً، ومن كان لديه احترام للمرأة أو المسنّ لن يقبل به.
ثم شرح الملك الموقف الذي شاهده والذي يظهر فيه العسكري الإسرائيلي الذي وضع قدمه على كتف مُسنة فلسطينية.
فردَّ بوش قائلاً: هل هذا معقول؟! ثم سأل: أين شاهدتها؟ فردَّ الملك: ألم تشاهدها؟ وأجابه بوش بأنه لا يشاهد التلفاز، ثم استطرد قائلاً: سأسأل.
طلب الملك من الأمير بندر نسخة من الفيديو، وصوراً فوتوغرافية توضح بشاعة ما يقوم به الإسرائيليون، وضمن ذلك صور أشلاء لأطفال ومسنين، شاهدها بوش ثم قال: الأمر غريب، لكن الفيديو سيوضح اللقطة أكثر من الصورة الثابتة.
فردَّ الملك: كيف تتضح أكثر؟
فأجابه بوش بأن هناك فرقاً بين الفيديو والصور الثابتة، فالصورة تظهر اللحظة، والفيديو يظهر ما قبل وما بعد المشهد.
فردَّ الملك: ماذا تتوقع أن تشاهد؟ قال بوش: قد يكون معها مسدس أو سكين؟
هنا انفعل الملك وقال: أين حقوق الإنسان والإنسانية؟! كيف تتوقع أن يتقبل العالم العربي والإسلامي -بل العالم بأَسره- هذا الظلم والضيم والإذلال؟".
يقول الأمير بندر: "كان الرئيس بوش مذهولاً من انفعال الملك عبد الله.
ثم قرر الملك عبد الله الرحيل بعد أن سمع الجميع صوته
وأكمل الملك انفعاله بمواصلة طرح التساؤلات على بوش، ثم التفت إليَّ وطلب تجهيز السيارات للمغادرة".
طلب بوش من الملك البقاء، لكنه رفض.
قال له الأمير بندر: "الرئيس يريد أن يكمل حديثه، فالتفت الملك إليَّ وقال: اذهب وجهّز السيارات.. ذُهل بوش من انفعال الملك لأجل السيدة الفلسطينية".
وكانت نهاية غير مريحة إطلاقاً، كاد يختتم بها اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش بتكساس.
يقول الأمير بندر إنَّ صغر البيت وتواضعه يجعلان أي شخص خارج هذا الصالون يسمع النقاش، وكان انفعال الملك بسبب أن ما فعله الجندي الإسرائيلي كان واضحاً".
وباول يعترف بأنه السبب في هذا الخطأ
"كان وزير الخارجية الأمريكية كولن باول ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خارج القاعة، حسب الأمير بندر.
يقول "أخبرتهما بأن النار بدأت في العشب".
فردَّ وزير الخارجية الأمريكي آنذاك: مهمتنا ألا يخرج الملك غاضباً.
وعندما دخل باول على الملك عبد الله، قال له الملك: حتى أنت يا باول لا تشاهد التلفاز؟!".
وعندما فهم القصة، قال له باول: أمير عبد الله، هذه غلطتي، السفارة الأمريكية في الرياض أبلغتني بالمشهد وكنا نعد تقريراً عنه لنرسله إلى الرئيس، لكن لأن الرئيس في المزرعة، ولأن الحدث غير مستمر، قلنا: سنخبره به لاحقاً، وهو مع الملف الذي عند الرئيس، لكنه ليس ضمن الأولوية.
الملك لوزير الخارجية الأمريكي.. هل تكذب؟
ردَّ عبد الله مخاطباً باول: أسمع عنك أشياء جيدة وأعرفك منذ حرب تحرير الكويت، هل تكذب علينا أم فعلاً حدث ذلك؟.
قال وزير الخارجية الأمريكي: لا أجرؤ على الكذب عليك.
يقول الأمير بندر "التفت الملك إليَّ وقال: أخبِر الرئيس بوش بأنني أخرجت ما بداخلي وأصبح لديه، واشكرهم على الغداء وأنا مضطر إلى توديعه والذهاب للسلام على بوش الأب".
ودَّع بوش الملكَ وقال له: أعدك بالاهتمام بالموضوع شخصياً، وسأبلغ بندر بالنتائج، لكي ينقلها لك".
ولكن الأمور تغيرت عند زيارة بوش الأب
بعد الجو المتوتر الذي ساد في اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش بكروفورد، انطلقت سيارات الملك عبد الله والوفد المرافق إلى هيوستن حيث توجد مكتبة جورج بوش الأب، لزيارته هو وزوجته باربرا.
يقول الأمير: "وحين دخلنا قال لي بوش الأب: وصل لنا خبر إغضاب جورج للأميرَ عبد الله.
فردَّ الملك عبد الله: هذا طبيعي ويحدث بين الأصدقاء.
ثم قال بوش الأب: هل تمانع لو اتصلنا بالابن جورج الآن؟.
وبالفعل، اتصل الملك وقال لبوش الابن: طلبت مني والدتك مسامحتك… فشكره بوش الابن.
ثم استغل الأمير عبد الله المكالمة، وقال: السيدة الفلسطينية التي تعرضت للأذية هي أم لأحدهم أيضاً".
الخطاب الذي كاد يغيّر تاريخ المنطقة إلى الأبد
ولكنَّ حدثاً أكثر أهمية وقع قبل ذلك.
حدثٌ إن تمَّ كان يمكن أن يغير تاريخ المنطقة، إذا صحت رواية الأمير بندر.
ففي سبتمبر/أيلول 2001، كان الرئيس بوش الابن سيلقي خطاباً في الأمم المتحدة ويعلن فيه حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل ويعترف بالدولتين، حسبما يقول الأمير بندر.
وأضاف: "جلسنا نعمل على نص الخطاب قرابة 10 أيام، مع وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ومستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جورج تينيت".
وقال الأمير بندر أن "هذه كانت إحدى نتائج اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش (الذي تحدثت عنه سابقاً) والجهود الإضافية التي بُذلت.
وحين انتهينا من النص الذي سيعلنه بوش، بعد أيام عمل متواصلة وصعبة، بقيت الموافقة على النسخة النهائية لمسودة الخطاب والتي سيلقيها الرئيس بوش في 12 أو 13 سبتمبر/أيلول"، حسب بندر.
غير أنه وقع تطور بسيط أطاح بكل شيء
يقول الأمير بندر: "ليلة 8 سبتمبر/أيلول، اتصل بي جورج تينيت، وقال إنه تسلم رسالة من كولن باول، ويأمل أن نؤجل الاجتماع النهائي الذي سنتفق فيه على الخطاب إلى 10 سبتمبر/أيلول 2001، لأن لدى باول زيارة لبعض دول أمريكا الجنوبية.
وبطبيعة الحال، تغير كل شيء بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي أطلقت موجة للعداء للمسلمين، خاصةً العرب في الولايات المتحدة".
يقول بندر عن هذه الهجمات وتأثيرها على محاولة حل القضية الفلسطينية التي تحدث عنها: "لو أننا بحثنا عن أعدى الأعداء للعرب والمسلمين فلن نجد من ينجح في تدمير الأمة كما فعل تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول، وأفسد كل ما تم الترتيب له لخدمة القضية الفلسطينية".
"ولكن يا سمو الأمير، اللقاء وقع بعد الهجمات!"
اللافت أن الأمير بندر يقول إن هذا الخطاب بشأن حل القضية الفلسطينية كان سيلقيه الرئيس في سبتمبر/أيلول 2001.
وحسب الأمير، فإن هذا الخطاب والمساعي المرتبطة به كانت بناء على ما حدث في اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش في كروفورد بولاية تكساس، والذي جمع ولي العهد السعودي آنذاك بالرئيس الأمريكي.
علماً أنه يذكر أن اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش هذا جرى في عام 2002، أي بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي وقعت في 2001.
ويظهر أيضاً من مراجعة الإعلام السعودي أن اللقاء الذي عقد في مرزعة بوش تم في عام 2002، كما يذكر الأمير بندر، أي إن اللقاء تم بعد الهجمات، فكيف أفسدت الهجمات نتائج لقاء تم بعدها؟!