على مدار عدة أيام يُجري وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جولة آسيوية تضم باكستان والهند والصين وإندونيسيا وماليزيا، قبل أن تعذر الأخيرة دون معرفة الأسباب.
ومن خلال هذه الزيارة يسعى وليّ العهد السعودي لعقد اتفاقاتٍ في ظل محاولته الحفاظ على حلمه بإبقاء التحول الاقتصادي حياً بعد الفتور في العلاقات مع الغرب، بسبب الحملة ضده بعد مقتل الصحفي البارز جمال خاشقجي على يد فريق استخباراتي سعودي في إسطنبول، فيما توجه أصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان بإعطاء أمر التصفية.
الأمير محمد ختم زيارته لباكستان الإثنين 18 فبراير/شباط باتفاقيات تبلغ قيمتها 20 مليار دولار –تتضمَّن اتفاقية لتطوير الطاقة البديلة- قبل أن يتوجه إلى الهند والصين، وكلاهما من كبار مشتري النفط السعودي، فيما يرى البعض أن الهدف هو التخلي عن الاعتماد على النفط.
حلم التخلي عن "إدمان النفط"
شبكة CNN الأمريكية قالت إن هذه الجولة تتعلَّق بما هو أكثر من الطاقة بكثير. فوليّ العهد يقود جهود تنويع اقتصاد المملكة وإبعاده عما كان يُسمَّى يوماً "إدمان" النفط.
ومن أجل تحقيق هذا تحتاج المملكة إلى الاستثمار والخبرة الأجنبية. وسيتطلَّع محمد بن سلمان إلى الهند والصين للحصول على كلا الأمرين.
وتهدف خطة ولي العهد، المُسمَّاة "رؤية 2030″، إلى تقليص البطالة، وتحقيق نمو القطاع الخاص، وتطوير المراكز الصناعية والسياحية والترفيهية على مدار العقد المقبل.
قالت رابيا ياسمين، وهي محللة أولى بشركة Euromonitor International لأبحاث الأسواق الاستراتيجية: "لآسيا أهمية جيواستراتيجية واجتماعية-اقتصادية، وكلاهما جانبان مهمان لنجاح رؤية 2030 السعودية، وذلك بالإشارة إلى توقيت تلك الزيارات".
وأضافت: "تلك الزيارات ستوفر لوليّ العهد سبيلاً لتطوير علاقاتٍ أوثق مع الحكومات في تلك البلدان وتعزيز صورة إيجابية بين الجماهير"، كما تقول الشبكة الأمريكية.
وتراجعت السُّمعة الدولية للسعودية، ومكانة محمد بن سلمان الشخصية منذ قُتِل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أنَّ عملية القتل ما كان يمكن لها أن تتم دون علم ولي العهد. لكنَّ السلطات السعودية نفت تلك الادعاءات.
منبوذ من الغرب
وتجنَّب الكثيرون من كبار المستثمرين، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة Siemens جو كايسر، والرئيس التنفيذي لمؤسسة JP Morgan جيمي ديمون، حضور مؤتمر الاستثمار الاستعراضي الذي نظَّمه ولي العهد بالرياض في وقتٍ لاحق من ذاك الشهر. وألغى رجل الأعمال ريتشارد برانسون خططاً للمساعدة في تطوير السياحة السعودية، ونأى مديرون تنفيذيون آخرون بأنفسهم عن مشروعٍ مدينة نيوم الذي لإنشاء مدينة مستقبلية.
وترك هذا الأمر آخرين، مثل المدير التنفيذي لمؤسسة Softbank اليابانية ماسايوشي سون، في موقفٍ صعب. إذ جمع سون تقريباً نصف أموال "صندوق رؤية" البالغة 100 مليار دولار من السعودية. وعبَّر الرجل عن "أسفه الشديد" لمقتل خاشقجي، لكنَّه قال إنَّ شركته لا يمكنها قطع علاقاتها المالية بالمملكة.
لكنَّ القادة الآسيويين، بمن فيهم قادة الهند، كانوا أقل انتقاداً لدور السعودية.
قال دروفا جايشانكار، الباحث بمعهد روكنغز والذي يتتبَّع السياسة الخارجية لنيودلهي: "أتصور أنَّ أي اختلافات سيجري التواصل بشأنها بعيداً عن الأنظار، ولا أرى تحقُّق أي فوائد جوهرية للهند من الإدانة العلنية".
وأضاف: "توفر رؤية 2030 بعض الفرص المثيرة المحتملة، بما في ذلك الاستثمار في السعودية، وتقديم الخدمات في مجال البرمجيات، والفرص التعليمية".
وتُعَد العلاقات التجارية الهندية مع السعودية عميقة بالفعل وآخذة في التنامي. إذ زادت التجارة بين البلدين بنحو 10% عام 2018 لتصل إلى 27.5 مليار دولار، وتستورد الهند 17% من وارداتها من النفط من المملكة، بحسب الشبكة الأمريكية.
ويعيش قرابة 3 ملايين هندي في السعودية، الكثير منهم كعمال في قطاع البناء أو مساعدين منزليين. وربما تتوافر فرص عمل ذات رواتب أفضل في المستقبل.
وبعد وصوله إلى الهند قال ولي العهد السعودي إنه يرى فرصاً استثمارية بأكثر من 100 مليار دولار في الهند خلال العامين القادمين، وذلك في مستهل أول زيارة رسمية يقوم بها للهند والتي تأتي وسط توترات بينها وبين خصمها اللدود باكستان.
وبسطت الهند السجادة الحمراء لاستقبال ولي العهد في وقت تسعى فيه لحشد الدعم الدبلوماسي ضد باكستان بعد هجوم شنه متشددون في منطقة كشمير المتنازع عليها.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بعد محادثات مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قال ولي العهد إن الإرهاب مبعث قلق مشترك مع الهند، وأبدى استعداده بلاده للتعاون مع نيودلهي في مجال الاستخبارات لمواجهته.
وقال ولي العهد: "كل من بلدينا تجابه تحديات متشابهة أولها التطرف والإرهاب.. نؤكد للهند أننا جاهزون للعمل سواء في المجال الاستخباراتي أو السياسي لتوافق جهود لجميع الدول المحيطة بنا وجميع الدول المحيطة بالهند".
وأوضح جايشانكار: "التغييرات تجري على قدمٍ وساق، لذا أتوقع تركيزاً أكبر على الخدمات والتعليم، بما في ذلك الهجرة ذات المهارات العالية، والاستثمارات المتبادلة، وتنويع الطاقة، وتعميق العلاقات الأمنية".
السعي لجذب المستثمرين والسياح
بعد التوقف في الهند، سيتوجه ولي العهد إلى بكين. وسيسير محمد بن سلمان على خطى والده، الذي قاد وفداً ضخماً إلى الصين عام 2017. وآنذاك، كان الطلب الآسيوي المتنامي على النفط نقطة محورية في زيارة الملك سلمان.
لكن هناك الآن حاجة لتعاونٍ أوثق.
فتقول رابيا ياسمين: "يُتوقَّع أن تؤدي الزيارة إلى مزيد من النتائج المثمرة على الجانب الاقتصادي في ما يتعلَّق بمبادرة (حزام واحد، طريق واحد) الصينية، وكيف يمكن للحكومة السعودية الاستفادة من المبادرة لأجل رؤية 2030 السعودية".
وتهدف المبادرة الصينية الطموحة لإعادة صياغة التجارة الدولية عن طريق تمويل بناء الطرق وخطوط السكك الحديدية والموانئ لتحسين الروابط بين الصين والمناطق الأخرى، بما فيها الشرق الأوسط وأوروبا. وتُعَد الصين أكبر شريكٍ تجاري للسعودية، وبلغت وارداتها من المملكة نحو 46 مليار دولار عام 2018.
وتأمل السعودية كذلك أن تجتذب مزيداً من السياح من آسيا. إذ تُعَد زيادة عدد الزائرين ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي في البلاد. ويزور ملايين الحجاج المسلمين البلاد سنوياً، وترغب الرياض في زيادة هذا الرقم إلى 30 مليوناً بحلول عام 2030، فضلاً عن جذب السياح الآخرين.