تُمارس الحكومة ومجلس النواب في الأردن أعمالهما على وقع انتقادات شعبية وسياسية لاذعة لا تتوقف، في ظل قرارات وإجراءات أثارت استياءً شعبياً.
فمنذ أن عمّت المملكة احتجاجات شعبية، في مايو/أيار الماضي؛ إثر إقرار الحكومة مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل، اقترنت المطالبات الشعبية برحيل الحكومة ومجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) على حد سواء.
ورغم استقالة رئيس الوزراء السابق، هاني الملقي، وقدوم رئيس الوزراء الحالي، عمر الرزاز، إلا أن الأصوات الشعبية حافظت على مطلبها برحيل الحكومة، في معظم الفعاليات التي شهدها الشارع خلال الفترة الماضية.
حكومة الرزاز ومجلس النواب استطاعا إقرار قانون ضريبة الدخل المعدل، بعد إدخال تعديلات عليه، وهو ما يرى محللون سياسيون أنها المهمة الرئيسية للحكومة الراهنة.
الرزاز بدأ عمله بمواجهة شرسة مع مجلس النواب، وسط تفاعل شعبي، بعد أن عاد بأغلب وزراء الحكومة السابقة في تشكيلته الحكومية.
لكن رغم ذلك، نال ثقة البرلمان، ليضع مجلس النواب نفسه أمام اتهامات شعبية بعقد صفقة مع الحكومة مقابل منافع تعود على نواب.
في الخامس من فبراير/شباط الماضي، أعادت الحكومة والبرلمان نفسيهما إلى دائرة الشك، بتفاهمهما المطلق حيال القرارات والقوانين التي يتم إقرارها، وذلك عندما تم تعيين أشقاء لنواب في وظائف قيادية عليا بالحكومة.
تلك التعيينات أثارت موجة استهجان شعبية، دفعت العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، إلى توجيه الحكومة باعتماد الشفافية والعدالة في التعيينات.
من هنا، بدأ سياسيون ومحللون يُطلقون توقعاتهم بأن تلك الخطوة ستعجل على الأقل برحيل حكومة الرزاز، إن لم تكن المملكة مقبلة على مرحلة سياسية أوسع، يتم فيها أيضاً حل البرلمان، والسير نحو انتخابات نيابية.
إخفاقات حتمية
عدنان السواعير، وهو برلماني سابق، اعتبر أن "إخفاقات مجلس النواب هي نتيجة حتمية لقانون الانتخاب الموجود"، وقال: "لا ننتظر من مجلس النواب نتائج أفضل من ذلك".
واستطرد: "النتيجة حتمية، وكأنه مخطط أن يكون أداء مجلس النواب ليس أكثر من ديكور في ظل العملية السياسية الموجودة في الأردن".
وزاد بقوله: "إن لم توجد إرادة حقيقية للإصلاح السياسي وإعطاء السلطة التشريعية دورها الكامل، وأن يكون هذا الدور متوازناً ومتوازياً مع السلطة التنفيذية، فإن الإخفاقات ستستمر".
ورأى أن "الإخفاقات مستمرة في تشكيل الحكومات البرلمانية، وحدوث ذلك أمر طبيعي".
وتساءل: "مع من ستُشكل حكومة برلمانية، مع أي كتلة ومع أي حزب (؟)".
وأردف: "يوجد 130 نائباً في المجلس، يُستثنى منهم 15 نائباً لكتلة الإصلاح (يقودها الإسلاميون)، كل واحد فيهم يختلف برنامجه عن الآخر، وبعضهم بلا برامج".
وتابع أن "العمل الجماعي لن يتحقق ما لم تؤسس الكتل البرلمانية مسبقاً، وليس أن يتعرفَ النواب على بعضهم تحت القبة ويكوّنوا كتلهم".
واعتبر أنها "كتل هلامية لا يمكن أن يُبنى عليها أي إصلاح سياسي ولا حكومات برلمانية".
وتساءل: "إن رحلت الحكومة ومجلس النواب ماذا سيأتي (؟) نحن نعمل على توقعات واحتمالات قدوم برلمان وحكومة جيدين.. لغاية اليوم العمل بأسلوب الفزعة (من دون تخطيط)".
وأضاف: "يجب العمل مسبقاً على فرز النواب من خلال أحزاب قوية وقوائم ذات برامج واضحة.. لن نمضي ولا حتى خطوات قليلة إلى الأمام إن لم يكن هناك عمل منظم".
ورأى أن "المقايضات في مجلس النواب مع الحكومة موجودة، وهناك بعض المتطوعين من النواب على أمل تمرير مصالحهم".
مدة البرلمان
وائل الجرايشة، خبير في الشؤون البرلمانية، استبعد رحيل الحكومة وحل البرلمان، مُرجعاً السبب إلى المدد الدستورية.
وقال الجرايشة إن "البرلمان تجاوز فعلياً ثلاثة أرباع مدته، ولم يتبق عليه سوى إكمال الدورة العادية الثالثة الحالية والدورة الرابعة والأخيرة".
وتابع أنه "توجد برامج يجب أن تنجزها الحكومة والبرلمان، لا يمكن التكهن، لأننا نتعامل مع معطيات محددة ضمن الدستور، وأعتقد أن الوقت لانتهاء الفترة الدستورية لمجلس النواب بات قريباً".
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في الثلث الأخير من عام 2020.
حكومة راحلة
بسام البدارين، كاتب ومحلل أردني في صحيفة "القدس العربي" اللندنية، قال إن "الحكومة راحلة بسقف زمني لا يتوقعه الجميع".
وأضاف أن "الحكومة تقريباً انتهت من المطلوب الأساسي منها، وهو قانون الضريبة، وما يعيق رحيلها برأيي الشخصي هو مؤتمر لندن الدولي نهاية الشهر الحالي، وإتمام الاتصالات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي".
ويُعقد مؤتمر "مبادرة لندن 2019″، في 28 فبراير/شباط الجاري، بهدف دعم الاقتصاد والاستثمار في الأردن.
واستطرد: "بمعنى آخر، في الأجندة الاقتصادية لم يعد هناك مبرر لاستمرار هذه الحكومة، خصوصاً مع سلسلة كبيرة من التناقضات التي تسببت بها".
ورأى أن "ملفات أساسية تترتب الآن على الصعيد الإقليمي ومناخ التسويات والاتصالات والمؤتمرات، بمثل هذه المناخات بالعادة تتغير الأدوات النخبوية في الحكومة الأردنية، والمناخ الإقليمي لا يساعد باستمرار هذه الحكومة".
وعن دلائل التعديل المحدود لحكومة الرزاز، في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، قال البدارين إن "حرمان الرزاز من تعديل موسع هو مؤشر على أن سقف حكومته الزمني بدأ ينفد".
وشدد على أن "الحكومة راحلة بسقف لا يتوقعه الجميع، قد تسبق الدورة القادمة للبرلمان، إن لم نتجه إلى عملية سياسية أكبر برحيل الحكومة وحل البرلمان، وهو موضوع يُناقش بقوة".
وعن تعيينات أشقاء لنواب في مناصب حكومية قيادية، قال إنه "لا يوجد توجيه ملكي بالتراجع عن التعيينات، يوجد توجيه بمراجعتها والتوثق من أسسها.. ما وصلني أن الحكومة راجعت التعيينات وتوصلت إلى أنها ملتزمة بالمعايير".
لكنه لم يقلل من الملاحظة الملكية بشأن التعيينات؛ إذ رأى أن "وجود ملاحظة ملكية على صلاحيات الحكومة مؤشر على رحيل قريب".
وتابع: "الملاحظة الملكية كانت علنية، والإشارات العلنية على أداء الحكومة مؤشر على قرب الرحيل، والحكومة استنفدت أغراضها وأجندتها، وأتوقع أن سقفها الزمني أقل بكثير مما يتوقعه الجميع".
الأولوية برحيل الحكومة
ورغم تقرير أصدره مؤخراً بشأن أداء النواب ولاقى انتقاداً منهم، رأى عامر بني عامر، مدير مركز راصد لمراقبة أداء البرلمان (غير حكومي)، أن "الأولوية الوطنية الآن هي ليست بحل البرلمان، وإنما بتغيير الحكومة أو نهج الحكومة".
واعتبر أن "وجود البرلمان ضرورة، رغم كل الإخفاقات، فحل البرلمان لن يعني حدوث إصلاح؛ فمع العودة إلى انتخابات بقانون الانتخاب نفسه سنواجه المشكلة ذاتها".
ودعا بني عامر البرلمان الحالي إلى "تغيير قانون الانتخابات والأحزاب السياسية واللامركزية (مجالس المحافظات)".
وتساءل: "ماذا سنستفيد من حل البرلمان إذا كان المخرج نفسه (؟).. إخفاقات البرلمان، خاصة في الإطار الرقابي، أصبحت غير مقبولة على الإطلاق".
وتابع: "أنا مع تغيير جذري لنهج الحكومة، فحجم الإنجازات متواضع جداً مقارنة بالوعود.. الحكومة رحّلت من وعود المئة يوم الأولى حوالي 30 بالمئة ولم تنجز منها شيئاً".
وأردف أنه "توجد معطيات تفيد بأن رحيل الحكومة ليس قريباً، خاصة مع مؤتمر لندن.. توجد انتخابات (برلمانية) إسرائيلية (مبكرة في 9 أبريل/نيسان المقبل) وستكون لها انعكاساتها، وهذا سيؤثر في شخصية رئيس الحكومة (الأردنية) القادمة".
وختم بأن "الأحداث القادمة تتطلب من صانع القرار التريث في اختيار شخص رئيس الحكومة القادم".