قالت صحيفة The Washingtonpost الأمريكية إن موقف الرئيس الأمريكي من قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي يدل على أن ترامب يريد حماية الآمر الأول بالقتل الأمير السعودي محمد بن سلمان.
وكانت نهاية الأسبوع الماضي هي الموعد النهائي لإدارة ترامب لتقديم تقرير للكونغرس، يرد على ما إذا كان ولي العهد السعودي مسؤولاً عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي بمقر قنصلية بلاده بتركيا في أكتوبر/تشرين الأول. تجاوزت الإدارة الموعد النهائي مكتفية باعتراف صغير.
أثار هذا الإهمال غضباً في الكونغرس، فبموجب أحكام قانون ماغنيتسكي -القانون الأمريكي لحقوق الإنسان، الذي لجأ إليه المشرعون بعد وقت قصير من مقتل خاشقجي- كان لدى ترامب 120 يوماً للرد على الطلب، ومن ثم ربما يتحرك لفرض مزيد من العقوبات التأديبية. كان الغضب من قتل خاشقجي قد شكّل إجماعاً غير عادي بين الحزبين في الكونغرس.
البيت الأبيض رفض الانقلاب على حلفائه
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فحتى هذه اللحظة رفض البيت الأبيض بإصرار الانقلاب على حلفائه في الرياض. ولم يؤثِّر تقييم وكالة المخابرات المركزية الذي توصل إلى أن عملية اختطاف الكاتب المعارض خلال زيارته لتركيا قد أمر بها على الأرجح الأمير السعودي محمد بن سلمان نفسه، وأصدر مسؤول رفيع المستوى في إدارة ترامب بياناً قال فيه إن الرئيس "يحافظ على سلطته التقديرية في رفض التصرف بناء على طلبات لجنة الكونغرس".
في ملاحظاتها على موقف ترامب من طلب الكونغرس رأت هيئة تحرير The Washingtonpost أن "عدم الرد، هو تهرب صارخ يتجاهل النتائج التي توصلت إليها وكالة المخابرات المركزية والأدلة الكثيرة عليها"، وأضافت "إنها سخرية من قانون ماغنيتسكي، وكذلك من مبادئ الولايات المتحدة، من خلال توفير غطاء لولي للأمير السعودي حمايةً للعلاقات الحميمة بينه وبين الرئيس ترامب، وكذلك صهر ترامب جاريد كوشنر".
وبحسب الصحيفة الأمريكية، لم يكن المشرعون سعداء أيضاً. السناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو قال إن رفض البيت الأبيض تقديم تقرير في الموعد المحدد "ينتهك القانون". وقال إنه "حث" البيت الأبيض على التحرك، مضيفاً: "أتوقع أن يمتثلوا للقانون". وأعاد أعضاء مجلس الشيوخ تقديم مشروع قانون يفرض عقوبات على المسؤولين عن وفاة خاشقجي، وأصدروا تشريعاً جديداً مستقلاً يفرض معايير صارمة على صفقة نووية مع الرياض.
وقال السناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا تيم كاين في بيان: "لا ينبغي لأمريكا أن تتدنى أبداً إلى هذا المستوى من الإفلاس الأخلاقي"، مؤكداً أن "الكونغرس لن يتوانى في جهوده لجعل السعودية تتحمل مسؤولية هذه الجريمة البشعة".
بومبيو يرفض تعليقات النواب
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رفض تعليقات كاين، بقوله إن "أمريكا لا تتستر على جريمة قتل"، مؤكداً خلال مؤتمر صحفي عقد الإثنين في العاصمة المجرية بودابست، أن المسؤولين الأمريكيين يسعون للحصول على "معلومات إضافية" من نظرائهم السعوديين ويتخذون مزيداً من الإجراءات، وأشار إلى أن إدارة ترامب أعلنت بالفعل فرض عقوبات على 17 شخصاً على علاقة بعملية بالقتل، بينهم أشخاص بارزون في البلاط الملكي.
لكن مع ظهور المزيد من الأدلة، يبدو وكأن البيت الأبيض يسعى إلى حماية الرجل الأقوى في السعودية: ولي العهد، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وهذا الأسبوع، نشرت صحيفة New York Times تقريراً عن محادثة جرت عام 2017 بين الأمير السعودي ومساعد رئيسي تعهد فيها باستخدام "رصاصة" لإنهاء انتقادات خاشقجي للنظام السعودي. وقبيل ذلك قال خبير حقوقي بالأمم المتحدة: إن السعودية قد "عرقلت بشكل خطير وقوضت" المحاولات التركية للتحقيق بشكل صحيح في اختفاء خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول.
المقرر الخاص أغنيس كالامارد قال في بيان إن "الأدلة التي جُمعت خلال مهمتي في تركيا، تظهر بوضوح أن السيد خاشقجي كان ضحية لقتل وحشي متعمد، تم التخطيط له وارتكابه من قبل مسؤولين في السعودية".
وفي النهاية قد يفلت من العقاب الجاد أيضاً حلفاء رئيسيون للأمير السعودي، فوفقاً لتقرير جديد في صحيفة Wall Street Journal، احتفظ أحد كبار المسؤولين الذين أعلنت السعودية عن اشتراكهم في المؤامرة، سعود القحطاني، بالكثير من سلطته. وعلى الرغم من أنه عُزل من منصبه الرسمي في البلاط الملكي، وجاء ضمن قائمة الأفراد السعوديين الذين فرضت عليهم عقوبات أمريكية، إلا أنه لا يزال مستشاراً غير رسمي للأمير، وشوهد مؤخراً في رحلة إلى الإمارات العربية المتحدة.
أحد أفراد العائلة الملكية السعودية صرح للصحيفة بأن "القحطاني كان العمود الفقري للدائرة المحيطة بمحمد بن سلمان، الذي أكد له أنه لن يمسه أحد، وأنه سوف يعود عندما تنتهي قضية خاشقجي"، مستخدماً الأحرف الأولى من اسم الأمير السعودي، مضيفاً "لم يكن لدى بن سلمان أي نية للتخلي عن القحطاني".
لماذا يحمي ترامب ولي العهد؟
المسؤولون السعوديون ما زالوا يخوضون حرباً دعائية حول عملية القتل، في مقابلة يوم الأحد مع برنامج "Face The Nation" على قناة CBS، تحدث عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، عن وفاة خاشقجي على أنها "مأساة" و"خطأ"، لكنه أضاف أن "ولي العهد لا علاقة له بهذا". ثم تبادل بعدها جدالاً حرجاً مع محاورته، مارغريت برينان، التي ضغطت عليه عن كيف يحتمل أن تكون السلطات السعودية ليس لديها أي فكرة عن مكان جثة خاشقجي، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقال الجبير: "أعتقد أن هذا التحقيق مازال جارياً، وأتوقع أننا في النهاية سنعرف الحقيقة".
لدى ترامب أسبابه الخاصة في حماية العرش السعودي، وفي مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية قال جون كيربي المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن تهرب ترامب من طلب الكونغرس كان علامة على الكيفية التي "يتلاعب بها" المسؤولون في البيت الأبيض بقضية خاشقجي. السعوديون حلفاء حيويون في حملة الضغط للحدود القصوى التي يمارسها ترامب على إيران، والبيت الأبيض يخشى من تشويههم.
وأضاف كيربي: "هذه الحلقة بكاملها تظهر لك إلى أي درجة وصلت هذه الإدارة التي فعلت كل ما يمكنها مع السعودية"، "هذا يوضح لك إلى أي درجة تتمحور سياستهم للشرق الأوسط حول إيران، وهم يرون السعودية كأكبر ثقل مضاد ضد إيران".
ستكون تعقيدات حملة ترامب المناهضة لإيران ظاهرة للعيان في وارسو يوم الأربعاء، حيث سيشارك بومبيو في استضافة مؤتمر عن الشرق الأوسط ظاهرياً، لكن ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره قمة مناهضة لإيران. وبينما سيكون مسؤولون إسرائيليون وخليجيون بارزون حاضرين، فإن بعض الحلفاء الأوروبيين التقليديين قد تغيبوا عن القمة؛ اختار وزراء خارجية فرنسا وألمانيا عدم المشاركة في القمة. سيكون السعوديون والإسرائيليون والإماراتيون -شركاء "ذوي وجهة نظر متشابهة" بقدر ما يعارضون طهران- ممثلين بشكل أفضل.
في حديثه إلى صحيفة National الإماراتية، وصف مسؤول أوروبي في الأمم المتحدة تخطيط إدارة ترامب لما قبل قمة وارسو بأنه "سلسلة من القرارات الفوضوية يتم اتخاذها عشوائياً". في الوقت الراهن، قد يكون هذا التشتت هو أفضل شيء لحماية كبار المسؤولين السعوديين من تداعيات حقيقية لمقتل خاشقجي.