بهدف زيادة الإنجاب وزيادة معدل الخصوبة كشفت الحكومة المجرية عن تقديم حوافز اقتصادية كبيرة لإنجاب الأطفال: على سبيل المثال، لن تضطر أي امرأة لديها أربعة أطفال على الأقل أن تدفع ضريبة الدخل.
وليست المجر هي الأولى في هذا الأمر، فقد عرضت الحكومة في موسكو على الروسيات قبل ذلك إمكانية الفوز بثلاجة إذا أنجبن طفلاً، وفي تركيا قدمت الحكومة دعماً لمن ينجب أكثر من طفلين.
لكن رغم ذلك لا بد على البلاد التي تشجع الإنجاب أن تحرص عند تنفيذه على سياسات مشجعة بشكل مفيد للمجتمع، فتشير بعض الأدلة إلى أن كثيراً من الحوافز يمكنها بصعوبة زيادة نسبة المواليد، وقد تمثل عائداً ضعيفاً على الاستثمار. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تأتي فعلياً بنتائج عكسية وآثار ثانوية كارثية، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
وبالعودة إلى قرار المجر فقد كشفت السلطات عن تدابير لزيادة معدل الخصوبة في البلاد. يصل معدل الخصوبة إلى 1.45 طفل لكل امرأة، وهو أقل من المعدل المطلوب للحفاظ على تعداد السكان والمقدر بـ2.1 طفل لكل امرأة. تقدم الخطة حوافز اقتصادية كبيرة لإنجاب الأطفال: على سبيل المثال لن تضطر أي امرأة لديها أربعة أطفال على الأقل أن تدفع ضريبة الدخل.
الإنجاب بدلاً من الهجرة
أوضح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وهو محافظ متشدد، أن هذه السياسة تأتي على النقيض من سياسات البلاد الأخرى التي تستخدم الهجرة لمواجهة انخفاض عدد سكانها. بموجب هذه الخطة، يمكن للنساء إنجاب مزيد من الأطفال. قال أوربان خلال إحدى الفعاليات المُقامة يوم الأحد 10 فبراير/شباط: "بدلاً من مجرد (تعديل) الأرقام، نريد أطفالاً مجريين. الهجرة هي استسلام بالنسبة إلينا".
ويختلف بعض الخبراء مع هذا الرأي، إذ قال توماس سوبوتكا، الباحث في معهد فيينا للدراسات السكانية إنه يشك في أن هذه السياسات التي صاغها أوربان سوف تضيف أي شيء أكثر من أنها ستشبه نتوءاً قصير الأجل في معدل الخصوبة بالمجر. وأضاف: "يُرجح أن بعضها ستكون غير ناجعة على الإطلاق".
وحتى عندما تنجح البلاد في تعديل معدلات الخصوبة لديها، فليس من الضروري أن يؤدي ذلك إلى حل جميع المشكلات السكانية. نجحت دولة جورجيا في زيادة معدلات الخصوبة لديها بعد سنوات من انخفاض تعداد السكان في عهد ما بعد الاتحاد السوفيتي، لكن تعدادها السكاني لا يزال آخذاً في الانكماش.
ولعل أوربان -الذي بدأ رحلته مع السياسات المجرية ناشطاً مناهضاً للشيوعية- يعرف كيف يمكن للسياسات المشجعة على الإنجاب أن تأتي بنتائج عكسية. ففي عام 1966، نفذت الجارة رومانيا، في ظل حكم الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوتشيسكو واحدة من أكثر السياسات المشجعة على الإنجاب صرامة على مر التاريخ. مُنع الإجهاض، الذي كان قبل ذلك شائعاً شيوعاً نسبياً، وفُرضت "ضريبة عزوبية" على أي امرأة لم تُنجب حتى عمر الـ45، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تجارب فاشلة
استهدف تشاوتشيسكو مواجهة انخفاض معدلات الخصوبة في رومانيا التي سبَّبها عدد من العوامل المجتمعية المتغيرة، بما فيها الدور المتزايد للنساء في قوة العمل. فكان يأمل أن يزيد التعداد السكاني للبلاد من 20 مليون نسمة إلى 30 مليون نسمة بحلول عام 2000.
فشلت الخطة فشلاً كارثياً، إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن التعداد السكاني في رومانيا وصل في عام 2000 إلى 22.4 مليون نسمة. ومنذ ذلك الحين، تقلص التعداد السكاني أكثر من ذي قبل، ليصل إلى 19.6 مليون نسمة في عام 2017. أراد تشاوتشيسكو أن يصير التعداد السكاني لبلاده خمسة أضعاف التعداد السكاني للبلاد المجاورة له، غير أن الحال انتهى ببلاده لأن يصير التعداد السكاني فيها أكبر بقليل من البلاد التي كان يشيع فيها الإجهاض، بحسب الصحيفة الأمريكية.
صارت الكلفة البشرية لهذه الخطة أوضح تماماً على الصعيد الدولي عندما انتهى البرنامج بانهيار الشيوعية. كتب السياسي والكاتب البريطاني مايكل دوبس مقالاً في صحيفة The Washington Post، في يناير/كانون الثاني عام 1990، قال فيه: "نتج عن حملة تشاوتشيسكو المهووسة زيادة في أعداد اليتامى، وصارت معدلات الوفيات بين الرضع أعلى من أي مكان آخر في أوروبا، وموت آلاف النساء اللائي حاولن إجراء عمليات الإجهاض غير القانونية في كل عام".
وفي العقد التالي، صارت رومانيا مرتبطة في الأذهان بالملاجئ، مما أثار الانتباه الدولي لدرجة أن بعض العائلات الأمريكية تدخلت لتبني الأطفال اليتامى. وأي زيادة تسببت فيها سياسات تشاوتشيسكو ضاعت سدى بعد مدة قصيرة. إذ تشير بعض الأرقام إلى أن معدل الإنجاب في البلاد صار أقل من نظيره في عام 1965. قال سوبوتكا: "هذه السياسة كانت شبه ناجعة فقط في السبعينيات والثمانينيات، عندما واصلت معدلات الإنجاب اتجاهها المتراجع، وانهارت بعد تغيير النظام في عام 1989، عندما أُجيز الإجهاض بموجب القانون".
المجر ليست كرومانيا
لا يسير أوربان تماماً على خطى تشاوتشيسكو. فقد كانت رؤية الزعيم الروماني "متطرفة في تدابيرها ونطاقها ولا يمكن تكرارها بسهولة في أي دولة ديمقراطية"، حسبما ذكر سوبوتكا. ليس فرض القيود على الإجهاض النقطة المركزية في برنامج رئيس الوزراء المجري من أجل التشجيع على الإنجاب (بالرغم من أن عدداً من دول أوروبا الشرقية اتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه هذه الممارسة في الأعوام الأخيرة).
بدلاً من هذا، يحاول أوربان التغطية على السياسات المتطرفة المعادية للهجرة عن طريق نوع من السياسات الشائعة بالفعل في بلاد أخرى: مزيج من المزايا النقدية، والإعفاءات الضريبية، وتوفير الإسكان، وأشياء أخرى. تعتبر الأدلة على نجاعة هذه التكتيكات متباينة. وفي أغلب الأحيان، يبدو من المهم التعرض للتفاصيل الدقيقة حول كيفية تطبيق هذه السياسات، بحسب الصحيفة الأمريكية.
لاحظ مؤلفو دراسة حديثة نُشرت في مجلة Lancet journal الطبية أن "السياسات المشجعة على الإنجاب تُتبع في أكثر من 10 بلاد، لكن الآثار التي تطرأ على معدلات الخصوبة ليست كبيرة".
تجدر الإشارة إلى أن بعض السياسات التي أعلن عنها أوربان، الأحد الماضي، كانت بالفعل مُطبقة في الواقع العملي في المجر منذ أعوام. وقد أعلن بالفعل عدد من وسائل الإعلام المحافظة عن نجاح هذه التدابير. لكن استقراءَها عن كثب يشير إلى عدم اتضاح كامل في أثرها. كتب ليمان ستون، الباحث في معهد Institute for Family Studies للدراسات الأسرية، مقالاً في العام الماضي، قال فيه: "لا تزال معدلات الخصوبة في المجر منخفضة للغاية: إذ تصل إلى 1.5 طفل فقط لكل امرأة"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
يأتي هذا بكلفة كبيرة: ففي عام 2013، كانت المجر بالفعل ضمن الدول الأعلى إنفاقاً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فيما يتعلق بالإنفاق على الدعم الأسري. كتب ستون: "الحكومة تنفق أموالاً ضخمة من المال ويُحتمل أنها لن تصل أبداً إلى معدلات أخرى مع هذه الاستراتيجية". لن تؤدي هذه السياسات إلا إلى إضافة المزيد إلى هذه التكاليف، وهو ما قد يهدد في نهاية المطاف الحوافز التي تعهد بها أوربان.
ربما تكون الهجرة هي أكثر ما يشغل بال أوربان في النهاية، وليست معدلات الخصوبة. ومع أن أوربان ناقد معروف للهجرة ورفض استقبال مهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، فربما يجب عليه أن يقلق من المستويات المرتفعة لهجرة المجريين: فقد هاجر ما يقرب من مليون مواطن مجري من البلاد منذ 2006، ولم يعد منهم حتى الآن سوى بضع مئات من الآلاف.
قال سوبوتكا: "حتى يبدأ (المجريون الصغار) في الشعور بأن لديهم مستقبلاً جيداً في بلادهم، يمكن للحكومة المجرية أن تواصل جنون الإنجاب الذي ينتابها، من دون إجراء تغييرات حقيقية كبيرة على الاتجاه السكاني العام في البلاد".