كلاكيت عاشر مرة.. انتحار شاب يعمل بالحكومة السورية برصاصة بالرأس يعيد للأذهان تاريخاً طويلاً من الحوادث المماثلة

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/12 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/12 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
الأسد يطالب اللاجئين السوريين بالعودة للوطن

انتحر شاب يعمل في مجلس الوزراء السوري بطلقة بالرأس في منزله بدمشق، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام موالية للنظام، الإثنين 11 فبراير/شباط 2019، الأمر الذي أعاد للأذهان سلسلة من حوادث الموت الغامضة التي تعرض لها مسؤولون سوريون على مدار سنوات.

وأفادت هذه الوسائل بأن الشاب يقطن في ضاحية قدسيا، الجزيرة دي 1.

وذكرت شبكات إخبارية محلية أن الشاب يعمل محاسباً مالياً في مجلس الوزراء، لافتة إلى أن الشرطة والطب الشرعي موجودان في مكان الحادثة.

ولم تذكر هذه المصادر الإعلامية الأسباب التي دفعته لذلك.

حوادث الموت الغامضة التي تعرض لها مسؤولون سوريون تثير الشكوك في انتحاره

وشهدت مناطق سيطرة النظام السوري العديد من حالات الانتحار خلال الفترة الماضية.

وكانت آخر هذه الحوادث قيام رجل مُسن بإلقاء نفسه من شرفة مستشفى المواساة بدمشق، وقيام رجل آخر بإلقاء نفسه أيضاً من شرفة منزله في مدينة حمص.

#عاجلكما بلغنا انتحار شاب بطلقة بالرأس ببيته بضاحية قدسيا بالجزيرة D1 قريب من طوارئ الكهرباء .. و الشرطة و الطبيب…

Gepostet von ‎ضاحية قدسيا و قدسيا ♥‎ am Montag, 11. Februar 2019

ولكن في حادثة هذا الشاب فإن موالين للنظام رجَّحوا أن يكون الشاب قد قُتل في عملية مدبَّرة من أمن النظام، بسبب ملفات فساد، أو خلافات مالية مع مسؤولين في الوزارة بحكم طبيعة عمله، حسبما نقلت عنهم وسائل إعلامية سورية معارضة.

الانتحار، ذكر السوريين بالعديد من حوادث الموت الغامضة التي تعرض لها مسؤولون سوريون على مدار سنوات.

عندما انتحر رئيس الوزراء بثلاث رصاصات في الرأس

ليست هذه المرة الأولى التي يُعلن فيها انتحار مسؤولين سوريين، بل تكرر هذا الأمر كثيراً، بشكل أثار سخرية السوريين.

ففي 21 مايو/أيار 2000، أعلنت السلطات السورية انتحارَ رئيس الوزراء السابق آنذاك محمود الزعبي في شقته، حيث كان تحت الإقامة الجبرية، في حين رجَّح كثيرون اغتياله لتحميله عبء الفساد في الدولة، وتمهيداً لرئيسها الجديد بشار الأسد.

وكان لهذه المأساة البشعة وجه ساخر، إذ تداول السوريون آنذاك أنها المرة الأولى في تاريخ المنتحرين التي يَقتل شخص نفسَه بثلاث رصاصات في الرأس.

القاضي الجنائي حسين حمادة -الذي عاصر الكثير من الجنايات لأكثر من 30 عاماً في سوريا- قال لقناة الجزيرة في تعليقه على موت الزعبي قائلاً إن المنتحر في منطقة الرأس لا يستطيع سوى إطلاق رصاصة واحدة.

 ويخلص إلى أن الأخطاء الكبيرة في الإجراءات القانونية التي أحاطت بقضية الزعبي تشير إلى أنها عملية اغتيال لا انتحار.

ويقول اللواء محمود علي -وهو رئيس فرع أمن جنائي سابق- إن الرواية المتداولة تفيد بأن أحد ضباط المخابرات صعد معه فسأله: "سيادة الرئيس، هل لديك مسدس؟" فقال "نعم"، ثم أخرجه وأطلق النار على نفسه، فما كان من ضابط المخابرات إلا أن أضاف من عنده رصاصتي رحمة على رأس الزعبي.

لم تشيع جنازة الزعبي -كما يضيف علي- وأمرت السلطات بدفنه في قريته خربة غزالة (في درعا جنوبي سوريا)، بحضور خمسة من عائلته فقط، ومنع فتح بيت عزاء، في سلوك متعمد لإذلاله حتى بعد موته.

ولكن لماذا قتلوا الرجل الذي شبَّه حافظ الأسد بالرسول

ولكن لماذا يتم التخلص بهذه الطريقة من الرجل المقرب من حافظ الأسد.

إذ يقول وزير الزراعة أسعد مصطفى في حكومة الزعبي، إن الزعبي قال لحافظ الأسد على الهواء مباشرة "والله ليس من أحد بعد الرسول العربي الكريم إلا وأخذ أكثر مما أخذت وأعطى أقل مما أعطيت".

ويفيد المطلعون على الشأن السوري أن الزعبي كان عليه تحمل كل أوزار المرحلة السابقة، مع وصول الاقتصاد في سوريا عام 1999 إلى حال بالغة السوء، واستعداد بشار الأسد لخلافة أبيه، الذي ما إن يخرج من غيبوبة حتى يدخل أخرى.

غازي كنعان.. كان يتحكم بحياة اللبنانيين لصالح الأسد ثم ذهب ضحيته

وفي عام 2005، وجد وزير الداخلية السوري غازي كنعان (1942-2005) ميتا في مكتبه وسط دمشق، في ظروف غامضة.

وجاء موت كنعان في وقت كان يمر فيه نظام بشار الأسد بمرحلة حرجة وعُزلة دولية، بسبب اتِّهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

وكان كنعان، رئيس الجهاز الأمني السوري الرئيس في لبنان (فرع الأمن والاستطلاع)، في ذروة نفوذ دمشق هناك، أي كان الحاكم الفعلي للبنان، الذي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في هذا البلد.

ورغم أن الرواية الرسمية تحدَّثت عن انتحار كنعان، فإن كثيرين ذهبوا إلى فرضية الاغتيال.

فبعد دخول الجيش السوري لبنان عام 1976 ربط حافظ الأسد وحدات جيشه المنتشرة هناك بفرع الأمن والاستطلاع ومقره عنجر، وعيَّن غازي كنعان ابن مدينته القرداحة رئيساً للفرع عام 1982. ومن هنا بدأ كنعان يتحكم في تفاصيل المشهد اللبناني كله.

وزير الداخلية اللبناني الأسبق أحمد فتفت وصف كنعان بأنه "الحاكم بأمره"، الذي عامل اللبنانيين بكثير من الاستعلاء، وفقاً لما نقلت عنه قناة "الجزيرة".

أما ضابط الارتباط السابق عدنان الهواش فيصفه بأنه كان رئيس الجمهورية في لبنان، ورئيس مجلس النواب، وحلقة الوصل المباشرة مع حافظ الأسد.

وارتبطت سنوات كنعان في لبنان بازدهار تجارة المخدرات، والتغطية على زراعتها في وادي البقاع.

ولهذا السبب أصبح خطراً.. إنه الشاهد الرئيسي على اغتيال الحريري

عقب تسلم بشار الأسد الحكم عام 2000، عاد كنعان إلى دمشق ليتولى إدارة الأمن السياسي في سوريا عام 2001، ووزارة الداخلية عام 2003.

 وتحدَّث كثيرون عن حضور كنعان في المشهد السوري آنذاك، بشكل أقرب إلى الزعامة، فهو قادم من خبرة عريضة في حكم لبنان، كما أنه ينتمي إلى الصف الأول من عائلات القرداحة.

ولكن شهد عام 2004 ازدياد التدخل السوري في لبنان، على نحو كان يعارضه رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، الذي رفض التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود، الموالي لسوريا، لفترة ثالثة، فاستدعي الحريري إلى دمشق على نحو عاجل لمقابلة بشار الأسد.

رفيق الحريري وجمال خاشقجي من أشهر الشخصيات العربية التي تعرضت للاغتيال
رفيق الحريري وجمال خاشقجي من أشهر الشخصيات العربية التي تعرضت للاغتيال

وبحسب رواية عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري آنذاك، فإن اجتماع الأسد والحريري حضره غازي كنعان، الذي قرع الحريري بعنف.

وبعد شهور من لقاء دمشق اغتيل الحريري في تفجير ضخم، ووُجهت أصابع الاتهام لسوريا، وأجبرت على الخروج من لبنان.

وكان كنعان أحد المطلوبين للتحقيق. أما أمريكا التي انقطعت صداقتها القديمة به فقد جمّدت ثروته.

ويتحدث المعارض السوري كمال اللبواني عن محاولة كنعان الوصول إلى الأمريكيين، لكشف ما لديه وإصلاح علاقته معهم.

ويزعم أن قاتل كنعان هو بشار وشقيقه ماهر.

عبدالحليم خدام قال في برنامج بقناة الجزيرة إن شخصية قوية مثل كنعان ليس من السهل أن تنتحر، مشيراً إلى أن الأمن السوري منع عائلة القتيل من رؤية الجثمان، حتى لا ترى أن عدة رصاصات أُطلقت على الرجل، لا رصاصة انتحار.

رستم غزالة خليفة كنعان في لبنان لقي نهاية مشابهة

لم تتوقف حوادث الموت الغامضة التي تعرض لها مسؤولون سوريون عند كنعان .

ففي عام 2015، أعلن عن وفاة رستم غزالة، الذي خلف كنعان في رئاسة فرع الأمن والاستطلاع في لبنان، أي الحاكم الفعلي للبنان أيضاً.

ولكن هذه المرة كان هناك اختلاف بسيط في التفاصيل.

إذ لم يتم الإعلان عن  انتحار غزالة،  بل أعلن  إعلام النظام السوري عن وفاته إثر وعكة صحية، وسط تسريبات تشير إلى مقتله.

اللافت أنه لم تُقم لغزالة جنازة رسمية تليق برجل كان حتماً ضمن الدائرة المقربة من نظام الأسد منذ سنوات طويلة.

غير أن إحدى الروايات غير الرسمية تشير إلى أن غزالة أصيب بشظايا قنبلة في قدمه وعينه اليسرى في قريته قرفا بريف درعا، أثناء اشتباك مع مجموعة تابعة لرئيس شعبة الأمن العسكري اللواء رفيق شحادة.

 وفي الوقت نفسه أشارت إذاعة لبنانية إلى أن فحصاً لعيّنةٍ من دم رستم غزالة، أظهر أنه حُقن بمادة سامة قبل مدة طويلة، تسبَّبت في وفاته.

تبرَّأ من دم الحريري فمات هذه الميتة البشعة

وقال  الكاتب والمحلل السياسي حازم الأمين، إن موت غزالة يعد تتويجاً لأكثر من وفاة متعلقة بالوجود السوري في لبنان.

 وأضاف الأمين أن ملف اغتيال الحريري سيكون حاضراً بقوة في هذا الحادث، لأن تصفية غزالة تمت في ظل انعقاد المحكمة الدولية وتحقيقاتها، وما تحمله من معلومات.

وتوقع أن يكون تبدّل النفوذ في سوريا، وتسلم إيرانيين لقيادة العمليات العسكرية ومراكز النفوذ في سوريا قد أفضى إلى توترات مع ضباط في النظام، ربما كان رستم غزالة واحداً منهم.

وقال المعارض السوري ميشيل كيلو، إن هناك معلومات عن تعرض غزالة لعملية عنف شديدة، والمعلومات تتحدث عن أنه تعرَّض لعملية "فسخ"، عبر ربطه من ساقيه وشدهما.

وكشف كيلو عن أن رستم غزالة كان ينفي نفياً قاطعاً علاقته بمقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

كما كشف عن محادثات تمت بينه وبين رستم، أكد فيها الأخير أنه لم يكن من الدائرة المقربة من الرئيس الأسد، المكلفة بصياغة السياسات وإدارة العمليات في لبنان، وأن ماهر الأسد لعب دوراً كبيراً في الإشراف على عملية اغتيال الحريري.

تحميل المزيد