يبدو أن السلطات السعودية تريد أن تمرر قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بسلام وفي نفس الوقت لا يفرط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عصب الديوان الملكي سعود القحطاني الذي يعد المتهم الأول في القضية.
مسؤولون أمريكيون وسعوديون قالوا لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إنَّ القحطاني الذي أُقيل من منصبه بعد اتهامه بالمشاركة في قتل خاشقجي ما زال يعمل مستشاراً للأمير محمد بن سلمان بصفةٍ غير رسمية، وأنَّ الولايات المتحدة تضغط على المملكة وراء الكواليس لمحاسبته.
لكنَّ المملكة العربية السعودية تقاوم ضغوط الولايات المتحدة لاتخاذ إجراء حاسم ضد القحطاني، الذي كان الساعد الأيمن للأمير محمد بن سلمان، حسب ما قال المسؤولون الأمريكيون والسعوديون.
بومبيو يضغط أيضاً
وبحسب وكالة رويترز، فإن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قال إن واشنطن ستواصل التحقيق في قتل خاشقجي فيما واصل نواب أمريكيون المطالبة بتحرك أمريكي أقوى لمعاقبة الجناة.
وقال بومبيو خلال زيارة للمجر: "أمريكا لا تتستر على جريمة قتل"، مضيفاً أن واشنطن ستتخذ مزيداً من الإجراءات لمحاسبة كل المسؤولين عن الجريمة.
وبعدما نفت السعودية في بادئ الأمر مقتله، أكدت أن عملاء تابعين لها قتلوه لكنها نفت وقوف كبار قادتها وراء الجريمة. وكان خاشقجي كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست ومنتقداً للحكومة السعودية.
وسعى نواب أمريكيون، ديمقراطيون وبعض الجمهوريين، لرد قوي من واشنطن على قتل خاشقجي والأزمة الإنسانية في اليمن، حيث يحارب تحالف بقيادة السعودية الحوثيين المتحالفين مع إيران.
وكانت أمام إدارة ترامب مهلة انتهت في 8 فبراير/شباط لتقديم تقرير للكونغرس بشأن تحديد المسؤول عن موت خاشقجي، وما إذا كانت واشنطن ستفرض عقوبات على من يقفون وراء الجريمة.
وقبل انقضاء المهلة، جددت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين يوم الخميس المساعي لمعاقبة السعودية، وكشفت عن تشريع لحظر بعض مبيعات الأسلحة وفرض عقوبات.
وقال مسؤولٌ بارز في وزارة الخارجية الأمريكية: "لا نرى أنَّ أنشطة سعود القحطاني خاضعة لقيود مشددة".
يُذكَر أنَّ الولايات المتحدة فرضت عقوباتٍ على القحطاني وسعوديين آخرين في قضية قتل خاشقجي، قائلةً إنَّهم متورطون في قتله. وتحظر هذه العقوبات على الأمريكيين الدخول في معاملاتٍ معهم. بينما تسعى تركيا لتسليم القحطاني لمواجهة اتهاماتٍ بالقتل، بحسب الصحيفة الأمريكية.
القحطاني صاحب النفوذ القوي
وذكر مسؤولون سعوديون أنَّ القحطاني (40 عاماً) كان يحظى بنفوذٍ واسع في الشؤون الداخلية والخارجية قبل مقتل خاشقجي. وأضافوا أنَّه، تحت رعاية الأمير محمد، شدَّد الرقابة على الصحافة وجمع فريقاً مكوَّناً من 3000 فرد لمراقبة المنتقدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتخويفهم فيما يعرف بـ "الذباب الإلكتروني".
وعقب تردد اسم القحطاني في جريمة اغتيال خاشقجي أقاله الملك سلمان من منصبه بعدما اطَّلع على الأدلة التي جمعتها السلطات التركية، لكنَّ القحطاني ما زال يعمل مستشاراً غير رسمي لمحمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد، وفقاً لما ذكره مسؤولون سعوديون.
إذ قال مسؤولٌ سعودي: "ما زال محمد بن سلمان يستشيره. وما زال يصفه بأنَّه مستشاره بينه وبين مساعديه المُقرَّبين".
وذكر مسؤولون سعوديون أنَّ القحطاني ما زال يؤدي بعض مهام مستشار الديوان الملكي بصفةٍ غير رسمية، مثل إصدار توجيهاتٍ للصحفيين المحليين والترتيب لعقد اجتماعاتٍ لمحمد بن سلمان.
ولم تُعلِّق السفارة السعودية في واشنطن فوراً على الموضوع. ولم يرد القحطاني على طلب للتعليق.
من جانبه، وصف عادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية في المملكة العربية السعودية، في الأسبوع الماضي مقتل خاشقجي بأنَّه "خطأ فادح"، وقال: "دعوا العملية القانونية تأخذ مجراها ثم احكموا علينا عندما تكتمل، ولكن لا تحكموا علينا قبل ذلك"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ترامب تجنَّب انتقاد ولي العهد
يُذكَر أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجنَّب انتقاد محمد بن سلمان، مشيراً إلى أهمية العلاقة الأمريكية – السعودية. لكنَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وغيره من المسؤولين الأمريكيين يمارسون ضغوطاً دبلوماسية على الرياض لفعل المزيد، مُدركين وجود ردة فعل متنامية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس قد تحد من العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية وتُقيِّد مبيعات الأسلحة.
وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA استنتجت بـ "ثقة متوسطة إلى عالية" أنَّ الأمير محمد بن سلمان شخصياً استهدف خاشقجي، ومنح إذناً بالعملية التي نُفِّذت ضده وأمر بقتله على الأرجح. وقد نفت الحكومة السعودية مراراً تورُّط الأمير محمد في عملية القتل.
ويُحقَّق النائب العام السعودي في قضية خاشقجي متهماً 11 شخصاً. ولم يوجَّه اتهامٌ إلى القحطاني لكنَّه واحدٌ من 10 أشخاص آخرين يخضعون للتحقيق، وفقاً للحكومة السعودية.
وذكر أحد أفراد العائلة المالكة المُطَّلع على المسألة أنَّ محمد بن سلمان يسعى إلى حماية القحطاني، وقال: "بالنسبة لمحمد بن سلمان، فالقحطاني هو العمود الفقري لديوانه الملكي، وقد أكَّد له أنه لن يؤذَى، وسيعود إلى منصبه حين تنتهي قضية خاشقجي بسلام".
وأضاف الشخص نفسه: "لم يكن محمد بن سلمان ينوي على الإطلاق إقالة القحطاني، وكان غاضباً حين طرده والده".
وبحسب The Wall Street Journal فإنَّ القحطاني شوهد في أبوظبي، مع أنَّ المملكة العربية السعودية فرضت عليه حظر السفر، حسب ما قال مسؤولٌ سعودي. بينما قال مسؤولون سعوديون إنَّه شوهد في الديوان الملكي مرتين على الأقل حتى اشتكى بعض الأشخاص من ذلك، ومُنِع من دخول الديوان.
هاتفه بيده ولم يُسحب منه
وقال مسؤولٌ أمريكي إنَّ خالد بن سلمان، السفير السعودي لدى الولايات المتحدة وشقيق الأمير محمد، أخبر الولايات المتحدة بأنَّ السلطات السعودية لم تأخذ هاتف القحطاني المحمول منه؛ لأنَّه كان سيجد طريقة للتحايل على أخذ الهاتف منه.
وقال مسؤولون أمريكيون إنَّ الرياض قاومت كذلك الضغط الأمريكي لإغلاق المركز الإعلامي الملكي الذي استخدمه القحطاني سابقاً لترهيب المعارضين السعوديين.
وقال مسؤولون أمريكيون إنهم ضغطوا على الرياض لكبح جماح القحطاني، وأوضحوا أنَّه يجب محاكمته إذا كانت الحقائق تدعم ذلك. وقالوا إنَّ الولايات المتحدة تريد كذلك أن ترى الأمير محمد يعترف ببعض المسؤولية عن مقتل خاشقجي، الذي كان أحد أبرز منتقدي حملة القمع ضد المعارضين.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: "إذا أراد محمد بن سلمان أن يُظهِرَ قيادته بالفعل، فعليه أن يُصدر بياناً يقول فيه: ما حدث لا يغتفر، ولن يحدث مرةً أخرى أبداً، وأنا أتحمَّل المسؤولية".
وأضاف: "بيان كهذا سيساعد الناس على المُضي قدماً، لكنَّ ذلك لم يحدث".
من جانبه، رفض الجبير إجبار محمد بن سلمان على فعل شيء، قائلاً إنَّ تحدي القيادة السعودية "خط أحمر".
وأضاف: "من يظن أنَّه يستطيع أن يُملي علينا أو على قيادتنا فعلاً معيناً فهو أحمق".
أين المتهمون؟
هذا ويواجه خمسة من السعوديين المتهمين بالتورُّط في مقتل خاشقجي عقوبة الإعدام. ولم تذكر النيابة العامة أسماء أيٍّ من المتهمين، مستشهدةً بقوانين سعودية.
لكنَّ اثنين من المسؤولين السعوديين قالا لصحيفة The Wall Streer Journal الأمريكية إنَّ المتهمين الخمسة الذين يواجهون عقوبة الإعدام هم أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات السابق، وماهر مطرب العضو السابق في الحرس الملكي السعودي، وصلاح الطبيقي، ومصطفى مدني، وثائر غالب الحربي.
وكانت السلطات التركية قد اتَّهمت عسيري بالتخطيط للعملية، وتعرَّفت على هوية مدني حين غادر القنصلية السعودية مرتدياً ملابس خاشقجي في محاولة لخداع الكاميرات الأمنية. وقالت السلطات التركية إنَّ المتهمين الثلاثة الآخرين كانوا ضِمن الفريق السعودي الذي أُرسِل إلى إسطنبول.
ويأمل المسؤولون السعوديون أن تُقلِّل هذه الإجراءات القضائية حدة الضغط الأمريكي لمقاضاة القحطاني. إذ قال مسؤولٌ سعودي: "النظام السعودي يعلم أنَّ الولايات المتحدة تريد أن ترى القحطاني يخضع للمحاكمة، لكنَّه يأمل أن تكون هذه الأسماء الخمسة كافية".
ولم تتمكن صحيفة The Wall Street Journal من الوصول إلى المتهمين أو ممثليهم للتعليق.
وقال بعض المسؤولين الأمريكيين إنَّهم يظنون أنَّ السلطات السعودية لن تعدم أي شخص بسبب مقتل خاشقجي. وقد أبلغوا مسؤولين سعوديين بأنَّ العملية القانونية لا تتحرَّك بسرعةٍ كافية.
إذ قال المسؤول البارز في وزارة الخارجية الأمريكية: "نرى أنَّها تسير ببطء شديد. إنَّهم يُسيِّرون إجراءات المساءلة ثم يوقفونها، وهكذا. لذا يمكن أن تستمر فترةً طويلة".
اقرأ أيضاً
يتحدى العالمَ من أجله.. لماذا يتمسك محمد بن سلمان بـ "سعود القحطاني"؟