لم يسعد الموظف المصري مصطفى عبدالرحمن كثيراً عندما علم بقرار اختياره للانتقال من أجل العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة في المقر الجديد لوزارته هناك.
يعمل عبدالرحمن البالغ 35 عاماً في إحدى الوزارات الخدمية الواقعة في منطقة مربع الوزارات في قلب القاهرة الخديوية منذ نحو 12 عاماً، داخل إدارة معاونة لمكتب الوزير.
يفترض أن اختياره من أجل العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة دليل على كفاءته والثقة به، ولكن رغم ذلك، فإن القرار وضعه في مأزق.
🌇 #مشاريع_مصر 🇪🇬|
أعمال تنفيذ مبنى البرلمان بالحي الحكومي في العاصمة الإدارية الجديدة. pic.twitter.com/rDEFxz7VCY— مشاريع مصر Egypt (@EgyProjects) February 10, 2019
عليه أن يقطع عشرات الكيلومترات يومياً.. وهذا ما يمنع سكنه هناك
يفكر عبدالرحمن في كيفية انتقاله خلال أشهر معدودة إلى العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة التي تبعد عشرات الكيلومترات عن مقر سكنه.
يذهب الموظف الشاب الذي يسكن في إحدى قرى محافظة الجيزة على بعد 50 كيلومتراً من القاهرة، ويأتي إلى العمل يومياً بصحبة مديره الذي يقطن في محافظة مجاورة للقاهرة في سيارة تابعة للعمل، ولكنه الآن في حيرة من أمره هل يستمر الوضع كما هو عليه عند الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة أم سيتغير؟.
المشكلة أنه لا يستطيع الانتقال للسكن هناك، في ظل عدم توافر سكن إداري للموظفين في العاصمة المنشأة حديثاً داخل صحراء تبعد عن قلب العاصمة القاهرة بحوالي 50 كيلو.
لن نوفر لكم سكناً، ولا نعرف كيف ستنتقلون يومياً إلى هناك
قبل عدة أيام، أبُلغ عبد الرحمن وزملاؤه في الإدارة، باختيارهم للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة للعمل من هناك في المقر الجديد بصحبة عدد محدد في الوزارة مع مكتب الوزير وقيادات الموظفين مع نهاية العام الجاري ليكونوا مستعدين للعمل رسمياً مع أول أيام العام الجديد من العاصمة الإدارية.
وقال الموظف الشاب "بعد أن أبُلغنا بقرار نقلنا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ذهبا إلى أحد قيادات الوزارة لنسأله عن توافر سكن إداري هناك خاصة أننا نعلم بالأسعار الباهظة للعقارات هناك، ودخولنا الشهرية لا تتحمل، كانت الإجابة من المسؤول لا".
ونقل الموظف إجابة القيادي في الوزارة "لا نعلم حتى الآن آلية نقل الموظفين من وإلى العاصمة الإدارية، عند توافر المعلومات سنبلغكم بها".
يتقاضى عبدالرحمن 2300 جنيه راتباً شهرياً (حوالي 130 دولاراً) قد تزيد في بعض الأشهر إلى نحو 3000 آلاف جنيه (حوالي 170 دولاراً) بعد إضافة بدلات ومكافآت.
ويقول "راتبي لن يتحمل تكلفة جديدة بسبب المواصلات عند الانتقال إلى العاصمة الإدارية.. لا أعرف ماذا أفعل؟".
وتقع العاصمة الإدارية الجديدة في الجانب الصحراوي الشرقي للعاصمة القاهرة على حدود مدينة بدر في المنطقة ما بين طريقي القاهرة السويس والقاهرة العين السخنة، مباشرة بعد القاهرة الجديدة ومدينة المستقبل ومدينتي.
وتبلغ مساحة العاصمة الإدارية الجديدة 170 ألف فدان أي ما يعادل مساحة مدينة سنغافورة، بتكلفة استثمارات في المرحلة الأولى تقدر بنحو 45 مليار دولار.
وهناك اختبارات حازمة قبل نقل الموظفين
يقول مسؤول حكومي مطلع على ملف العاصمة الإدارية الجديدة إن "الملف الذي يحتوي تفاصيل عدد الموظفين المقرر نقلهم إلى العاصمة الإدارية الجديدة موجودة لدى وزارة التخطيط".
وأضاف المسؤول -الذي طلب عدم نشر اسمه أو منصبه- أنه قبل نقل هؤلاء الموظفين إلى العاصمة الإدارية "سيعقد الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مجموعة اختبارات لهؤلاء الموظفين عبر منظومة تقييم القدرات والمسابقات المركزية".
وأوضح أن "تلك منظومة تتضمن مميزات كبيرة غير موجودة لدى الحكومة عبر مجموعة من الاختبارات في وقت واحد".
وتتضمن الاختبارات -بحسب المسؤول- "سيكوماترك" (اختباراً نفسياً) وحاسباً آلياً ولغة إنجليزية ولغة ثانية أياً كانت، بالإضافة إلى امتحان التخصص، وكل هذه الامتحانات تتم إلكترونياً خلال ساعتين فقط".
وكان الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عرض قبل أيام منظومة مركز تقييم القدرات والمسابقات بالمركزي.
وموعد الانتقال أقرب إليكم مما تظنون
وقال مسؤول حكومي آخر مطلع إن "لجنة حكومية زارت عدداً من الوزارات خلال الأيام الماضية، وأعدت كشوفاً بأسماء الإدارات والموظفين المنتقلين للعمل في المدينة الجديدة".
وأوضح المسؤول الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته -لحساسية الموضوع- أن "موعد انتقال الموظفين إلى العاصمة الجديدة سيكون خلال العام المقبل 2020".
ولكن المسؤول استدرك وقال "لم يحدد بعد الموعد النهائي للانتقال، هل سيكون مطلع العام أم سيكون في 30 يونيو وهو نهاية العام المالي والموافق لثورة 30 يونيو/حزيران 2013 التي أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي".
وتابع المسؤول "هناك آراء تتحدث عن انتقال جميع الموظفين مطلع العام، وآراء أخرى تتحدث عن انتقال تدريجي يبدأ مطلع العام وينتهي في 30 يونيو، في النهاية القرار في يد القيادة السياسية".
العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة سيكون فقط للمحظوظين
وقال المسؤول "لن ينتقل جميع موظفي دواوين الوزارات وهناك آراء ومقترحات تتحدث حول مصيرهم".
إذن أن العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة سيكون مقتصراً على النخبة.
وقال مصدر مطلع آخر لـ"عربي بوست" إن الوزارات لن تنقل كل الموظفين لمقراتها بالعاصمة الإدارية الجديدة.
بل سيتم نقل الأكفاء الذين يمثلون أهمية في عمل الوزارة فقط، بينما سيترك الموظفون الذي ينظر لهم أنهم أقل أهمية في المقار القديمة.
واعتبر أن هذا أحد مظاهر الإصلاح الإداري عبر تهميش الفئات غير النشطة من الموظفين وبقائهم في المقار القديمة.
"سلمني وأسلمك".. لن يتم منح أي وزارات أراض مجانية
وقال المصدر إن شركة العاصمة الإدارية الجديدة التي تدير المدينة، لن تمنح أي وزارة أو أي جهة حكومية أراض مجانية في المدينة الجديدة.
وبالتالي على كل جهة توفير التمويل اللازم لشراء أرض لها بالعاصمة الجديدة، وتمويل بنائها.
ومن بين المقترحات لتوفير الأراضي للوزارات، أن تؤول مقار الوزارات القديمة (الموجودة في القاهرة) إلى شركة العاصمة الإدارية الجديدة مقابل منح الشركة قطع الأراضي والمقار الجديدة للوزارات بالعاصمة الجديدة".
إذن، كيف سينتقل الموظفون إلى العاصمة الجديدة يومياً؟
وتحدث المسؤول الأول عن إشكالية انتقال الموظفين من وإلى العاصمة الإدارية.
إذ يقول "هناك مقترح بعمل نقاط تجمع صباحاً وبعد انتهاء العمل لانتقال الموظفين عبر حافلات حكومية، ولتكن مثلاً في ميادين رمسيس والتحرير والجيزة".
وتذكر هذه الطريقة بطريقة انتقال جنود الأمن المركزي وتوزيعهم على أماكن خدمتهم كل يوم.
وأشار المسؤول إلى وجود "تعميم حكومي" على كل الوزارات والهيئات يقضي بـ"عدم شراء سيارات جديدة" إلى حين الاستقرار على آلية نقل الموظفين إلى العاصمة الجديدة".
اخر مستجدات مشروع المونوريل "القطار المعلق"
اخر شهر فبراير الاعلان عن الشركة المنفذه للمشروع ما بين ثلات تحالفات تضم الصين وكندا وماليزيامونوريل العاصمة الإدارية، يمتد بطول 52 كم بدء من محطة الاستاد في مدينة نصر حتى منطقة الوزرات في العاصمة الإدارية، شاملا 22 محطة #تحيا_مصر pic.twitter.com/kvEeEwgo5i
— 🇦🇪 ﮼عيال﮼زايد﮼وافتخر🇦🇪 (@Muna___25) February 10, 2019
العاصمة المحرمة.. لن يكون هناك تعامل للمواطنين العاديين هناك
وعن طريقة انتقال المواطنين العاديين الذين لديهم معاملات حكومة مع الوزرات والهيئات، قال المسؤول إن "الحكومة تسعى منذ فترة كبيرة إلى تحديث التعامل الرقمي لتقليل فرص تعامل المواطن والموظف وتسهيلاً على المواطنين لتكن كل معاملاته إلكترونية".
وأضاف قائلاً" وبالتالي لن يكون هناك تعامل بين موظفي العاصمة الإدارية مع المواطنين".
وقال "يجري الآن عقد دورات تدريبية على جميع الوسائط التكنولوجية الجديدة لقيادات الوزارات في إحدى دور القوات المسلحة بالتعاون مع جامعات القاهرة وعين شمس والأمريكية".
هل يتم نقل مكاتب الوزراء فقط؟
المتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية الجديدة، العميد خالد الحسيني قال إن "هناك 6.5 مليون موظف بالحكومة سيتم نقل الوزراء والإدارات المباشرة لعمل الوزير وموظفي الدواوين فقط ليس جميع الموظفين".
وقال إنه سيتم عقد اتفاقيات لتسهيل خطوط النقل من وإلى العاصمة الإدارية لتسهيل تنقل الموظفين".
وأضاف الحسيني خلال ندوة "العاصمة الإدارية الجديدة" ضمن فعاليات اليوم الرابع لمعرض الكتاب -نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية- أن "شركة العاصمة الإدارية الجديدة أنفقت 35 مليار جنيه لإنشاء الحي الحكومي بالعاصمة الجديدة لنقل موظفي دواوين الوزارات إلى مقارهم الجديد حتى يتم التفكير في كيفية استغلال هذه المباني الاستغلال الأمثل".
وفي مارس/آذار 2015، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرار إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ الساحلية.
مبروك يا حاجة اسمك طلع في القرعة
هروح احج يابني ؟!!
لا هتصلي الجمعة معانا في مسجد الفتاح العليم ان شاء الله pic.twitter.com/Kqq4zQVnUi— حفيد مرزباخ 🇦🇹 (@hasheimUwk) January 18, 2019
ولا عزاء للفقراء إلا في المدينة التي بناها مبارك
ويرى الباحث الاقتصادي، محمد كمال، أن انتقال موظفين بغرض العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة لن يكون له أثر كبير على رواتبهم الشهرية لعدة عوامل.
وأوضح كمال أن "عدد الموظفين المنتقلين ليس كبيراً إذ أنه يقدر بحوالي 50 ألفاً أغلبهم من كبار الموظفين ذوي الرواتب الكبيرة".
وقال "أما فيما يتعلق بالموظفين الصغار أصحاب الرواتب الضعيفة، فأمامهم حلان؛ الأول هو الإقامة في مدينة بدر القريبة من العاصمة الإدارية (التي أنشئت في عهد مبارك)، وتتميز بوجود وحدات سكنية بأسعار تناسب محدودي ومتوسطي الدخل".
والحل الثاني بحسب كمال يتمثل في "السفر من محل سكنهم سواء في القاهرة أو في محافظات مجاورة إلى العاصمة الإدارية بشكل يومي في حافلات حكومية أو على نفقتهم الخاصة وفي هذه الحالة سيؤثر الانتقال على حالتهم الاقتصادية".
وأشار كمال إلى دراسة أعدها البنك الدولي في العام 2014، تقول إن "2 من كل 7 مصريين يسافرون من محل سكنهم إلى مقار عملهم بشكل يومي".
وقال "نشاهد يومياً عمالاً وموظفين يسكنون في المنوفية والشرقية والقليوبية والفيوم يسافرون بشكل يومي إلى القاهرة والجيزة للعمل".
إذ يبدو أنها ستكون عاصمة الأغنياء فقط
وكانت لافتةً الأسعارُ المرتفعة لأول وحدات طرحتها وزارة الإسكان المصرية للبيع في العاصمة الإدارية الجديدة.
إذ كان يفوق سعر المتر بها الكثير من مناطق مصر الآهلة بالسكان والراقية في الوقت ذاته.
وقد أظهر هذا شيئين: الأول أن الوزارة تهدف للربح من خلال العاصمة الجديدة، والثاني هو أنها تريدها مدينة نخبوية.
وهذا ما يؤكده لـ"عربي بوست" مصدر مطلع، نقلاً عن مسؤول كبير في شركة العاصمة الجديدة، أبلغه أنه في الأغلب لن يكون هناك إسكان اجتماعي في العاصمة الجديدة، وإن وجد فسيكون بشكل رمزي.
أما العمال والطبقات الفقيرة العاملون في المدينة، حسب المسؤول، فسيسكنون في الأغلب بمدينة بدر المجاورة للعاصمة الجديدة.
شبهة أنها مدينة الأغنياء تطارد العاصمة الجديدة منذ إطلاق الفكرة.
الأمر الذي دفع المتحدث باسم وزارة الإسكان هاني يونس، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لتأكيد أنها ليست للأغنياء فقط، وقال إنه سيتم قريباً طرح إسكان اجتماعي بها، (إسكان مخفض السعر يكون مدعوماً من الدولة غالباً).
ولكن بعدها بأيام، قال اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، إن المرحلة الحالية (الأولى) لن يوجد بها إسكان اجتماعي.
فهل تصبح العاصمة الإدارية، عاصمة جديدة للأغنياء ومدينة محرمة على الفقراء؟.