لأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية منذ 1400 عام، أقيم قداس مسيحي في العاصمة الإماراتية أبوظبي بحضور نحو 130 ألف شخص في ملعب رياضي وسط حالة ترحاب كبير من الحاضرين.
وقالت صحيفة Guardian البريطانية أنه بالنسبة لملايين العمال المغتربين في دولة الإمارات– العديد منهم من الكاثوليك المتدينين من دول في آسيا- فقد كانت زيارة البابا إلى شبه الجزيرة العربية ولأول مرة، رائعة.
أكبر عرض للشعائر المسيحية في شبه الجزيرة العربية
دخل البابا الملعب تحت شمس الشتاء الحارقة في سيارة مفتوحة من الجانبين، مع ركض حراس الأمن بجانب السيارة وتحليق طائرة هليكوبتر في سماء المنطقة. وتدافع الناس، الذين يلبسون قبعات البيسبول الرياضية التي تحمل شعار البابا ويلوحون بأعلام الفاتيكان التي وزعها المتطوعون عليهم، على الحواجز لرؤية البابا.
وكان معظم الجمهور يحمل هواتف محمولة لالتقاط صور للبابا. ودفع البعض الآخر بأطفاله الرضع والصغار على أمل الحصول على ابتسامة أو تلويحة بابوية.
واعتبر البعض أن التواجد في الهواء الطلق لمدة 90 دقيقة هو أكبر عرض للشعائر المسيحية العامة على الإطلاق في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام. ودوت أغاني "هاليلوجاس" وهتافات "البابا فرنسيس" و"يحيا البابا" من مكبرات الصوت داخل وخارج الملعب.
وقال المنظمون إن أكثر من 100 جنسية حضرت القداس من عدد الحضور البالغ 135 ألف شخص، منهم نحو 4000 مسلم.
وفي عظته، التي ألقاها باللغة الإيطالية وتُرجمت إلى اللغة العربية مع ترجمة باللغة الإنجليزية على الشاشات، وجه البابا فرنسيس خطابه مباشرة للعديد من العمال الكاثوليك المغتربين في الملعب وخارجه.
وقال البابا: "من المؤكد أنه ليس من السهل عليك أن تعيش بعيداً عن وطنك مفتقداً لعواطف أحبائك، وربما تشعر أيضاً بعدم اليقين بشأن المستقبل. لكن الرب مخلص ولا يتخلى عن شعبه".
وأضاف البابا، الذي تحدث في بلد يشتهر بناطحات السحاب بما في ذلك أعلى مبنى في العالم برج خليفة في دبي، إن المسيح يسوع "لم يطلب منا بناء أعمال عظيمة أو لفت الانتباه إلى أنفسنا بإيماءات غير عادية. بل طلب منا أن ننتج عملاً فنياً واحداً فقط، ممكن للجميع: حياتنا الخاصة".
وأقيمت الصلوات بلغات متعددة، بما في ذلك الكونكانية والتاغالوجية. وقد قدرت الكنيسة الكاثوليكية وجود مليون كاثوليكي ضمن مجتمع المغتربين في الإمارات، ويشكلون 90٪ من سكانها.
حماس كبير من قبل العمال المغتربين المسيحيين
كانت الفلبينية سوريتا (40 عاماً) واحدة من بين آلاف الأشخاص الذين احتشدوا في ملعب مدينة زايد الرياضية في أبو ظبي للاحتفال بالقداس مع البابا فرنسيس مع وجود عدد أكبر من المحتشدين في الخارج يشاهدون القداس عبر شاشات كبيرة.
مثل العديد من أولئك الذين حصلوا على تذاكر لحضور القداس وسهروا طوال الليل، قالت سوريتا: "أنا متعبة للغاية، لم أنم طوال الليل. لكني أشعر بالسعادة لوجودي هنا لرؤية البابا والاحتفال بالقداس". وأضافت سوريتا التي لا تذهب إلى القداس إلا نادراً: "ليس هناك وقت لدي للذهاب إلى أي قداس، فأنا أعمل دائماً".
وقالت بيرنا روز، وهي فلبينية أخرى تعمل مديرة لشركة في أبو ظبي، إن رؤية البابا كانت "أكثر اللحظات الخاصة في حياتي. وأنا سعيدة".
عاد أطفال روز الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والثالثة والعشرين، إلى الفلبين أيضاً، لكن روز تتمكن من زيارة بلدها سنوياً. وهي تحضر القداس كل أسبوع في أبو ظبي. وقالت "يسمح لنا بالعبادة بحرية، ولا توجد أي ضغوط من الحكومة".
سافرت شارمين كاروناراتن (78 عاماً) إلى الإمارات من سريلانكا لزيارة ابنتها وأحفادها الذين عاشوا في أبو ظبي لمدة 4 سنوات. وقالت هذه المرأة الكاثوليكية المتدينة، "كان حلماً بالنسبة لي أن أرى البابا"، مضيفة أنها معجبة بتركيزه على الفقراء، ورفضه للكماليات الشخصية.
شاركتها في الحماس سميرة أحمد ديريا بخاري، وهي دبلوماسية من تنزانيا ومسلمة. وقالت "لقد جئت لإحياء هذا اليوم العظيم من التاريخ، البابا يحتفل بالقداس في شبه الجزيرة العربية قلب الإسلام، من سيفوت هذه الفرصة؟"
وكانت زيارة البابا التي استمرت 3 أيام إلى الإمارات بمناسبة ما يعرف بـ"عام التسامح" في الإمارات. وفي يوم الإثنين 4 فبراير/شباط 2019، وقع البابا والإمام الأكبر شيخ الأزهر إعلاناً تاريخياً عن الأخوة، داعين إلى السلام بين الأمم والأديان والأعراق، أمام جمهور من الزعماء الدينيين من المسيحية والإسلام واليهودية والأديان الأخرى.
وقالت الوثيقة: "نعلن بحزم أن الأديان يجب ألا تحرض أبداً على الحروب، والمواقف البغيضة، والعداء والتطرف، ولا يجب أن تحرض على العنف أو سفك الدماء".
ونشرت الصحف السعودية، حيث يُحظر بناء الكنائس، صوراً للتوقيع الاحتفالي بين البابا وشيخ الأزهر.