وصل رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس إلى تركيا، أمس الثلاثاء 5 فبراير/شباط 2019، في زيارة تستمر ليومين، وسط إشارات بنمو التفاهم بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، لا تزال العلاقات الثنائية بين البلدين مشحونة بالخلافات القديمة والجديدة، لكن قائديهما يُظهر كل منهما امتلاكه لحسٍّ عمليٍّ تجاه الآخر وتجاه احتياجاته السياسية.
وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة غير مسبوقة قام بها أردوغان إلى اليونان، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، وهي الزيارة الأولى لرئيس تركي منذ 65 عاماً. أردوغان، الذي كان حينها قريباً من بدء حملة رئاسية مهمة في بلاده، فاجأ مضيفيه عندما طالبهم بمراجعة المعاهدة التي تعرف الحدود بين البلدين، وتحدث عن الشواغل المتعلقة بالأقلية المسلمة في اليونان.
اللقاء الثاني
التقى الرئيسان مرة أخرى في يوليو/تموز الماضي، على هامش اجتماع قمة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد انتخاب أردوغان لولاية رئاسية قوية جديدة. والآن، يواجه تسيبراس انتخابات في بلاده، ومن المتوقع أن يستغلَّ هذه الزيارة لتلميع صورته.
يتوقع المعلقون في البلدين عدم وجود اتفاقات كبيرة في هذه الزيارة، لكن زيارة تسيبراس المخططة إلى معهد لاهوتي أرثوذوكسي يوناني معروف -وهو المعهد الذي أغلق في 1971- هي ما يُسلَّط عليها الضوء في العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام في بلاده.
كان المخطَّط أن يجتمع تسيبراس، أمس الثلاثاء، مع الرئيسأردوغان في العاصمة التركية أنقرة، ثم يسافر إلى إسطنبول اليوم الأربعاء. وكان من المخطط حضوره قداساً أرثوذكسياً والاجتماع بالبطريرك المسكونيّ برثلماوس الأوّل، زعيم المسيحية الأرثوذكسية، وذلك في جزيرة هيبلي آدا، في بحر مرمرة، بالقرب من إسطنبول.
وسوف تكون زيارته إلى معهد Halki الموجود على الجزيرة، الزيارة الأولى لأي رئيس وزراء يوناني في منصبه منذ 90 عاماً. كان المعهد ينبوع التعليم اليوناني في المنطقة، إذ تخرّج فيه قادة علمانيون ودينيون، بمن فيهم البطريرك برثلماوس، قبل أن تغلقه تركيا.
وأثارت زيارة تسيبراس الآمال بين اليونانيين والأقلية اليونانية في تركيا، بأنه قادر على دعم حملتهم المستمرة منذ عهد طويل لإعادة افتتاح المعهد.
خلافات من قرن مضى
وتعود أغلب الخلافات بين البلدين إلى قرن من الزمان، عندما خاضا حرباً ضد بعضهما مع انهيار الإمبراطورية العثمانية، وأُجبر أكثر من مليون شخص على مغادرة أحد البلدين، والاستقرار في البلد الآخر، لكن العداوة كانت قائمة بالفعل منذ قرون.
لا تزال الخلافات المستمرة منذ عهد طويل قائمة بين الدولتين -وكلاهما عضوتان في حلف الناتو- بما في ذلك الصراعات حول الأراضي وحقوق الطاقة في بحر إيجه، بالإضافة إلى صراع منذ عقود طويلة حول قبرص الشمالية. تحاول تركيا كذلك ترحيل ثمانية جنود أتراك اتهمتهم السلطات بدعم الانقلاب الفاشل، الذي وقع في 2016، وكان هؤلاء الجنود قد فرُّوا إلى اليونان وطلبوا اللجوء فيها.
وبحسب وكالة رويترز، فإن تسيبراس قال إن بلاده لا ترحب بالانقلابيين، ولكن قضية الجنود الثمانية الذين لجأوا إليها بعد محاولة الانقلاب في يد القضاء.
وقال تسيبراس بعد اجتماع مع أردوغان في أنقرة "يجب على اليونان احترام قرارات القضاء".
وأضاف: "مدبرو الانقلاب ليسوا محلَّ ترحيب في اليونان، ولكن الأهم هو تعزيز تعاوننا في قطاع الأمن".
وقال تسيبراس أيضاً إن اليونان وتركيا اتفقتا على وقف تصعيد التوتر في بحر إيجة، والمضي قدماً في إجراءات بناء الثقة، مشدداً على أن أي خلافات مع تركيا "يمكن ولا بد من حلها من خلال الحوار".
لكن البلدين تعاونا أيضاً -وإن كان تعاوناً متقطعاً أحياناً- في الأعوام الأخيرة، حول تطوير خطوط أنابيب الغاز الطبيعي التي تمر عبر البلدين، وحول إيقاف تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
يمكن أن يستفيد كلا البلدين من تطوير العلاقات الاقتصادية، إذ إن اليونان كانت تصارع منذ سنوات من التقشف والمديونية، فيما عانت تركيا من انهيار كبير في عملتها، وتضاعف معدل التضخم.
الاستعداد لخطوات تاريخية
في حديثه إلى وكالة الأناضول، شبه الرسمية، قبل زيارته، قال تسيبراس: "يجب خلق الظروف من أجل اتخاذ خطوات تاريخية في العلاقات اليونانية التركية".
وأوضح تسيبراس أن علاقته مع أردوغان كانت "تواجه اعتراضات في أوقات عصيبة جداً"، حسبما نقلت الوكالة. وأضاف في تصريحاته: "لكنها أتاحت لنا تعزيز قناة اتصال على عدة أصعدة، وتجاوز العوائق، وتمكيننا اليوم من الحديث عن خطة أعمال إيجابية".
رحَّب متحدث الرئاسة التركية إبراهيم كالن بالزيارة، وأثنى على موقف تسيبراس تجاه هذه العلاقة.
قال كالن في إحاطة صحفية أمس الأول الإثنين: "يعتبر النهج إيجابياً وذا نوايا طيبة. نحن نعتقد أن اجتماعات الثلاثاء سوف تُعقد ضمن هذا الإطار".