ذكرت صحيفة The Washington Post الأمريكية أنَّ الهجرة الجماعية للعمال الأجانب، التي شجَّعتها السعودية في البداية للمساعدة في توفير فرص عمل لمواطنيها، تؤدي إلى تفاقم مشكلاتها الآن وسط تدهورٍ اقتصادي.
وقال موقع Newsmax الأمريكي إنَّ الخطة التي وضعها الأمير محمد بن سلمان لتوفير مزيدٍ من الوظائف للمواطنين السعوديين في القطاع الخاص أتت بنتائج عكسية، ووضعت مزيداً من الضغوط على الاقتصاد.
وقالت الصحيفة الأمريكية إنَّ حوالي 1.1 مليون أجنبي غادروا القوى العاملة السعودية من أوائل عام 2017 حتى الربع الثالث من العام الماضي 2018، مضيفةً أنَّ ذلك جاء تزامناً مع فرض رسومٍ على مرافقي العمال المغتربين، وقيودٍ على العمال الأجانب في بعض القطاعات.
ووفقاً لما ذكره موقع وكالة Bloomberg، أفادت تقارير في أواخر العام الماضي بأنَّ مسؤولين سعوديين يفكرون في رفع الرسوم المفروضة على العمال المغتربين أو تخفيفها، وذلك بسبب الضرر الذي تُلحقه تلك السياسة بالاقتصاد، لكنَّ الرسوم ما زالت سارية.
الشباب السعوديون لم يشغلوا الوظائف المتروكة
فمع مغادرة العمال الأجانب، لم يشغل الشباب السعوديون الوظائف المتروكة -من بينها على سبيل المثال وظائف البناء أو البيع بالتجزئة ذات الأجور المنخفضة- وارتفع معدل البطالة إلى 12.9% في العامين الماضيين، مما يزيد من الضغط على أصحاب الأعمال الذين يعانون بالفعل من الانكماش الاقتصادي.
وبحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، أجَّجت هجرة العمال حالة الشك المحيطة بالاقتصاد السعودي في ظل معاناة القادة السعوديين لجذب الاستثمارات الأجنبية بعد حملة "مكافحة الفساد" التي أطلقها محمد بن سلمان، وشهدت اعتقال مئاتٍ من رجال الأعمال والمسؤولين العموميين، وتزامناً مع محاولات المملكة إصلاح صورتها بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في إسطنبول العام الماضي.
على المدى الطويل، ربما يخدم هروب الأجانب إحدى أولويات الحكومة الأكثر إلحاحاً: العثور على وظائف لأكثر من نصف السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، لكن في الوقت الراهن، كان ارتفاع نسب البطالة مصدر قلق كبير، وهو أمر ربما يدفع الحكومة إلى إعادة النظر في أهدافها، إذ أن حجم الفجوة يزداد بين توقعات السعوديين والوظائف التي أصبحت متاحة لهم، كأعمال البناء على سبيل المثال ذات الأجور المنخفضة أو البيع بالتجزئة.
إلى ذلك، تقول كارين يونغ، الخبيرة في الاقتصاد السياسي لدول الخليج، بمعهد أميركان إنتربرايز، إنه على الرغم من أن بعض الأنباء تشير إلى أن المزيد من النساء السعوديات يدخلن سوق العمل، فإن الكثيرات منهن ممن حصلن على درجات علمية عالية لم يجدن وظائف تتناسب مع مهاراتهن حتى اللحظة.
وترى يونغ أن خلق طبقة عاملة من السعوديين المستعدين للعمل في وظائف بقطاع الخدمات والتجزئة والبناء سيستغرق عقداً أو أكثر.
هل تنجح حملات تحسين السمعة؟
وفي علامة على أنَّها تستجيب للمخاوف الاقتصادية، عقدت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي مؤتمرها الثاني للاستثمار في أقل من أربعة أشهر، بهدف جذب مئات الملايين من الدولارات للاستثمار في التعدين والطاقة وغيرها من الصناعات، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Washington Post.
كما تحاول الرياض الترويج لخطط لتوسيع صناعة الترفيه وقطاع السياحة، وتراهن بأن هذه المبادرات ستخلق فرصاً لتوظيف الشباب السعودي.
وأعلنت القيادة السعودية كذلك انتهاء حملة التطهير المكافحة للفساد الأسبوع الماضي، التي كانت سبباً رئيسياً آخر لقلق المستثمرين.
ومع ذلك، أضافت المفوضية الأوروبية مؤخراً المملكة العربية السعودية إلى مسودة قائمة تضم الدول التي تشكل تهديداً على الاتحاد الأوروبي بسبب قيودها المتساهلة مع تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، حسب ما أوردته وكالة Reuters.
وإلى جانب الضرر الواقع على سمعة المملكة من هذا الإجراء، فإنَّه يُعقِّد العلاقات المالية بينها وبين الاتحاد الأوروبي؛ إذ يجب على بنوك الاتحاد إجراء تدقيقاتٍ إضافية على المدفوعات التي تشمل كياناتٍ تابعة للدول المُدرَجة في تلك القائمة.
وشكَّلت هذه الخطوة انتكاسةً للرياض في الوقت الذي أطلقت فيه حملة تودُّدٍ لتعزيز سمعتها الدولية وتشجيع المستثمرين الأجانب على المشاركة في خطة تحول اقتصادية ضخمة.
إلى ذلك، ومع مغادرة الكثير من المغتربين للسعودية بسبب الإجراءات الصعبة، بعد أن أمضوا سنوات في المملكة لبناء مدخرات لهم أو إرسال أموالهم إلى عائلاتهم في أوطانهم، تستعد بلدانهم تلك لحالة انخفاض كبير في حجم التحويلات المالية من السعودية، كما أن هؤلاء المغتربين باتوا يكافحون بقوة من أجل إيجاد وظائف جديدة لهم، سواء في أوطانهم التي تعاني اقتصاداً صعباً وارتفاعاً في نسب البطالة، أو حتى خارجها.
أخيراً، لا يبدو أنَّ السلطات ستتراجع عن سياسة السعودة، إذ يأمل محمد بن سلمان في توليد إيراداتٍ بنحو 17.33 مليار دولار بحلول 2020، عبر فرض ضرائب على العمالة الوافدة، للمساهمة في سد عجز الموازنة، بالإضافة إلى تمويل المشروعات الاقتصادية الجديدة.
وذلك بالرغم من الانتقادات المتواصلة لهذه السياسة والتشكيك فيما إذا كانت الغنيمة الضريبية المتوقعة ستعوض انخفاض الإنفاق الناجم عن رحيل الأجانب. في حين، يشبّه محللون عملية فرض ضرائب على العمالة الوافدة قبل تحويل السعودية إلى اقتصادٍ منتج يعتمد على الصناعة، بمبدأ وضع العربة قبل الحصان.