كان الشرق الأوسط نقطة مضيئة على الخارطة العالمية للطلب على الغاز الطبيعي المُسال في عام 2015. والآن، انخفضت الواردات انخفاضاً شديداً لدرجة قد تحتاج إلى عقد كي تستعيد مستوياتها مرة أخرى.
إذ إن الركود الذي تبلغ نسبته 37% والتوقعات السلبية، تأتي على النقيض من العامين اللذين ارتفع الطلب خلالهما على الغاز الطبيعي المُسال بدرجة تجاوزت النمو العالمي، حسب بيانات منظمتي الأبحاث Bloomberg NEF و Poten & Partners Inc. ويتوقع الآن أن يكون نصيب الشرق الأوسط من الواردات العالمية من الغاز المسال أقل من 4% لثمانية أعوام على الأقل.
وبحسب تقرير لموقع Bloomberg الأمريكي، يوجد 5 مستوردين فقط للغاز الطبيعي المُسال في الشرق الأوسط: وهم مصر والكويت والأردن والإمارات وإسرائيل. ويتوقع أيضاً أن تنضم البحرين إلى هذه المجموعة في العام الحالي.
ما السر وراء انخفاض واردات الغاز الطبيعي المسال في الشرق الأوسط؟
أدت اكتشافات الغاز في مصر والإمارات إلى انخفاض احتياجات الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى أن الأردن زادت من وارداتها عبر خطوط الأنابيب الأرخص. قالت فوزية مرزوق، وهي باحثة كبيرة في منظمة Bloomberg NEF: "كانت موارد الغاز المحلية السبب الرئيسي في انخفاض واردات الغاز الطبيعي المسال". وأضافت أن الغاز الطبيعي المنتج محلياً "سوف يكون دائماً مفضلاً على المستورد. وبكل تأكيد في إطار معايير محددة للتكاليف".
أي البلاد تقود هذا الانخفاض؟
خفَّض ثلاثة من كبار مشتري الغاز الطبيعي المسال في الشرق الأوسط من وارداتهم في العام الماضي.
سوف تتوقف مصر، التي كانت أكبر مستورد للغاز الطبيعي في عامي 2016 و 2017، عن شراء الغاز الطبيعي هذا العام، وربما تواصل التصدير بفضل الزيادة الكبيرة في الإنتاج المحلي من حقل "ظهر" العملاق.
إذ إن إعلان الحكومة المصرية في نهاية سبتمبر/أيلول 2018، عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد الارتفاع التدريجي في إنتاج الغاز الطبيعي في العام الماضي، جعل مصر تستغني عن استيراد كميات ضخمة من الغاز المسال لمدة أربعة أعوام، وهو عبء أرهق الخزينة المصرية التي تعيش على وقع أزمة حادة.
كما سوف يزداد اعتماد الأردن على خطوط الأنابيب القادمة من مصر، ما يقلل احتياجاتها لمزيد من الغاز الطبيعي المسال. أما البحرين، وهي الدولة الوحيدة التي ستزيد من مستوى وارداتها في عام 2019، فلا يُتوقع أن تصل هذه الزيادة إلى مستويات معتبرة قبل عام 2022، حسبما تشير توقعات منظمة Bloomberg NEF.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لصادرات قطر من الغاز الطبيعي؟
عززت قطر، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، من مكانتها منذ عام 2016 في ظل انكماش السوق في الشرق الأوسط. غير أن خروج مصر من المشهد يُحتمل أن يؤثر على تلك المكانة.
إذ إن نصف واردات مصر تقريباً في العام الماضي جاءت من قطر. ومع ذلك، لا تعتبر منطقة الشرق الأوسط سوقاً رئيسية لقطر، وسوف يعوض النمو في آسيا الانخفاض المشهود في الشرق الأوسط.
وقد حصلت قطر على حصة كبيرة من السوق المنكمشة للغاز الطبيعي المُسال في الشرق الأوسط خلال عام 2018.
لكن ربما يظهر منافس جديد الآن لقطر
مجلة Forbes الأمريكية قالت مؤخراً إن المملكة العربية السعودية تتطلَّع للاستثمار في الغاز الطبيعي الأمريكي، من خلال الاستحواذ على أصول أمريكية، وهي مستعدة لإنفاق مليارات الدولارات هناك.
وتقول المجلة إن من شأن الاستثمار في الغاز الطبيعي الأمريكي المُسال السماح للسعوديين بالتنافس مع منافستهم الجيوسياسية، قطر، التي تملك هي نفسها الآن خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في الغاز الطبيعي الأمريكي المُسال.
وإن تمكَّن السعوديون من الوصول إلى ما يكفي من الغاز الأمريكي، قد يساعدهم ذلك في تقليص الاعتماد المفرط غير الحكيم على الكهرباء المُنتَجة اعتماداً على النفط. وسيساعد وجود مزيدٍ من الغاز على زيادة صادرات النفط الخام بنحو 725 ألف برميل يومياً تُستخدَم حالياً في توليد الطاقة صيفاً.
كيف سيؤثر هذا على الأسواق العالمية؟
تتضاءل واردات الشرق الأوسط من الغاز الطبيعي المسال أمام واردات آسيا. إذ إن إمدادات الوقود -التي تقودها الولايات المتحدة وقطر وأستراليا- يُتوقع أن ترتفع بحوالي 18% في عام 2030، وسوف يزيد الطلب عليها بضعف تلك النسبة.
وحتى الكويت، وهي أكبر مستوردي الغاز الطبيعي في المنطقة، فإن حصتها يصعب مقاربتها مع المستويات العالمية من واردات الغاز الطبيعي المُسال. بل إن وارداتها أقل من أصغر الأسواق في آسيا، مثل تايلاند وبنغلاديش وباكستان. ويبلغ نصيب الشرق الأوسط من الطلب على الغاز الطبيعي 3% فقط في عام 2019.
ومن المنتظر أن تنمو إمدادات الغاز المسال عالمياً عند مستوى قياسي يبلغ 40 مليون طن، أو 13 بالمئة، وفقا للتقديرات هذا العام. ويفرض هذا ضغوطا على أسعار الغاز المسال في آسيا، والتي تبلغ حاليا نحو تسعة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية.
ويقول محللون إن معظم الإنتاج الجديد للعام الحالي سيأتي من الولايات المتحدة مع بدء تشغيل وحدات إنتاج جديدة.
ومن حيث الطلب، يقول محللون إن الصين ستواصل تحقيق أقوى نمو، فيما قد تشهد أوروبا أيضا زيادات بعد سنوات من الركود، لتنمو بنحو 20 مليون طن وتقوم بدور رئيسي في استيعاب الإمدادات الأمريكية الجديدة.
لكن محللين يقولون إن المخاطر تلوح، خاصة جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي تهدد النمو العالمي، والذي بدروه قد يدفع أسعار النفط والغاز للانخفاض أو يؤجل قرارات الاستثمار النهائية أو يتسبب في إلغائها.