لمائتي عام تدخَّلت الولايات المتحدة في شؤون أمريكا اللاتينية واعتبرتها حديقتها الخلفية، وهاهي تعود بقوة لعهدها القديم، عبر محاولة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ولكن هل يفكر الأمريكيون ماذا سيحدث بعد سقوط مادورو؟
تبدو معظم السيناريوهات قاتمة بالنسبة لفنزويلا، فإذا صمد الرجل أمام الضغوط الخارجية والداخلية فلن يكون هذا في الأغلب نهاية الأزمة، بل إطالة أمدها.
أما إذا تحققت آمال الأمريكيين وحلفائهم في إسقاط الرئيس العنيد، فإن تاريخ التدخلات الأمريكية تحديداً يعلّمنا أن هذا لا يعني نهاية الأزمات، بل بدايتها.
السؤال الذي لا يطرحه الأمريكيون على أنفسهم أبداً؟ والنتيجة ما نراه في العراق
السؤال الذي يجب أن يُطرح من قِبل الدول التي تحشد الجهود من أجل الإطاحة بـ "مادورو": ماذا بعد، بحسب ما ورد في تقرير صحيفة Daily Beast الأمريكية.
ولكن دائماً عندما تتدخل الولايات المتحدة لتغيير النظام فإن هذا السؤال غالباً لا يُطرح، أو تكون الإجابة عنه بإجابات غير معقولة، مثل الرؤى الوهمية للعراق الذي كان من المفترض أن يسير طبيعياً بمجرد إطاحة صدام حسين، عقب الغزو الأمريكي للعراق.
وتُواصِل الإدارة الأمريكية تشييد أبراج الافتراضات، إذ إنها تقيم الآن صلةً واضحة بين دعمها المتشدد لتغيير النظام في فنزويلا ورغبتها في إسقاط نظام الملالي في إيران.
ففي يوم الجمعة 25 يناير/كانون الثاني، نشر وزير الخارجية مايك بومبيو تغريدةً بها ثلاث صور: إحداها للرجل الفنزويلي القوي نيكولاس مادورو في اجتماع مع "المرشد الأعلى" في إيران ورئيسها، والثانية لمادورو مع وزير الخارجية الإيراني، والأخيرة من أرشيفات مادورو حيث يظهر إلى جانب راؤول كاسترو.
وكتب بومبيو في التغريدة: "ديكتاتوريون مختلفون ونفس النتائج- إيران وكوبا وفنزويلا: متحدون".
والعالم أصبح منقسماً بسبب هذا الصراع
ربما يطلق بومبيو على مادورو لقب رئيس فنزويلا "السابق" منذ أن أعلن رئيس البرلمان في كاراكاس خوان غايدو نفسه رئيساً شرعياً مؤقتاً للبلاد، يوم الأربعاء 23 يناير/كانون الثاني 2019، لكنَّ مادورو لا يزال في القصر الرئاسي، ويدافع جيشه وميليشياته الشاسعة عنه.
وربما تقوم العديد من الدول إلى جانب الولايات المتحدة بتقديم الدعم الأخلاقي والدبلوماسي وربما المالي إلى غويدو، لكنّ هناك دولاً أخرى، بما في ذلك روسيا على وجه الخصوص، تدعم مادورو.
هناك بالفعل تقارير تفيد بوجود متعهدين شبه عسكريين شبه روسيين في المشهد، إلى جانب الصين وإيران وكوبا، الذين هم حلفاء مادورو منذ فترة طويلة ويواصلون دعمه.
ولكن ماذا إذا استطاع مادورو أن يصمد؟
ماذا لو استطاع مادورو أن يصمد وارتفعت معدلات القتل، وهو أمر محتمل جداً؟
في الواقع، كل هذا يذكرنا بالمعالجة المأساوية من قبل إدارة أوباما لثورات الربيع العربي قبل ثماني سنوات، لا سيما الانتفاضة السورية.
تتساءل الصحيفة الأمريكية، هل تذكرون عندما أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن الدكتاتور بشار الأسد "فقد الشرعية"، وتحدَّثت وكأنه قد انتهى؟ هذا الأمر لم ينته جيداً. كما نعلم، للأسف، فالوضع في سوريا لم ينتهِ بعد.
لقد أنقذت روسيا وإيران النظام السوري على حساب ملايين المشردين، ونحو نصف مليون قتيل.
ومتى يمكن أن يتدخل الأمريكيون؟
كان منتقدو أوباما يجادلون بأن على الولايات المتحدة أن تتدخل بسرعة وبشكل مكثف وعنيف في سوريا، على الأقل من الجو. فهل سيقولون نفس الشيء الآن في فنزويلا؟
يقال إن 30 شخصاً قد قُتلوا على يد عصابات مادورو، وسوف يرتفع هذا العدد. فما الوقت المناسب للغارات الجوية الأمريكية؟ متى يموت المئات، أو الآلاف، أو مئات الآلاف؟
أو ربما سيكون الأمر كما حدث في بنما بعد انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة ضد نورييغا في عام 1989، حيث ستنتظر واشنطن أن يُقتل شخصٌ أمريكي على يد شخص ينتسب من قريب أو بعيد للدكتاتور، ثم ترسل القوات الخاصة لخلع الطاغية.
ماذا سيحدث بعد سقوط مادورو؟ حروب السلام الوحشية تقدم لك الإجابة
يمكننا العودة إلى التاريخ الطويل للمتمردين الأمريكيين، الذين حصل بعضهم على دعم حكومي أمريكي ضمني، وحاولوا فرض أنظمة صديقة للولايات المتحدة في أمريكا الوسطى قبل الحرب الأهلية الأمريكية.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، حاربت الولايات المتحدة "لتحرير" المستعمرات في جميع أنحاء العالم من عبودية الإمبراطورية الإسبانية، من أجل كسب قواعد بحرية استراتيجية، واستغلال المزايا الكبيرة للغاية للاحتلال الأمريكي.
ووصف روديارد كبلنغ، على نحو صائب، نتائج تلك السياسة بأنها "حروب السلام الوحشية". لقد كلفت الحرب البشعة والمنسية إلى حدٍّ كبير ضد الفلبينيين المتمردين مئات الآلاف من الأرواح، مع قتل العديد من الرجال والنساء والأطفال، في مذابح منظمة من قبل القوات الأمريكية.
وكانت هناك حروب الموز.. دمروا أوطاناً من أجل الفاكهة
ولأكثر من 30 سنة بعد ذلك، نفَّذت الولايات المتحدة ما أصبح يعرف باسم "حروب الموز".
وتدخلت في تثبيت أنظمة عميلة أكثر، أو أقل فساداً في هندوراس ونيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وهايتي.
وهؤلاء أيضاً منسيون الآن في الغالب من الجميع، باستثناء سكان هندوراس ونيكاراغوا والدومينيكان وهايتي أنفسهم.
ماذا فعلت أمريكا في العصر الحديث؟ من أمريكا اللاتينية لإيران الاستخبارات لم تهدأ
وفي الذاكرة الحديثة، خلال فترة عمر الأشخاص المتقدمين في السن حالياً، تطورت صيغة الولايات المتحدة لتغيير النظام، لتشمل العمل السري والعلني.
ففي أوائل الخمسينات من القرن الماضي، نجحت وكالة الاستخبارات المركزية في قلب نظام الرئيس اليساري جاكوبو أوربينز في غواتيمالا، بعد أن تحدَّى قوة شركات الفاكهة الأمريكية. (نعم، الموز مرة أخرى.)
ونسَّقت وكالة الاستخبارات المركزية مع دائرة الاستخبارات السرية البريطانية من أجل إنجاح "الانقلاب المضاد"، الذي أسقط رئيس الوزراء المنتخب الإيراني محمد مصدق، وأعاد الشاه إلى السلطة.
وأحياناً شجّعت المتظاهرين ثم تركتهم يُسحقون تحت جنازير الدبابات
وفي بعض الأحيان، تجاوزت لغة أمريكا قدرتها أو استعدادها للتصرف، وظهر هذا بشكل أكثر وضوحاً عندما شجَّعت الولايات المتحدة بطريقة علنية وسرية انتفاضة عام 1956 ضد السوفييت في المجر، ثم انسحبت بعد أن ردّت موسكو بقوة وأحكمت القبضة على السلطة.
وفي الستينات، حاولت وكالة الاستخبارات المركزية إطاحة فيدل كاسترو، من خلال تنظيم غزو خليج الخنازير، وفشلت، وكان ذلك بمثابة إهانة تامة للرئيس الشاب آنذاك جون كينيدي.
لكن ذلك لم يمنع وكالة الاستخبارات المركزية من المشاركة في المؤامرة التي انتهت باغتيال باتريس لومومبا، أول رئيس للكونغو ما بعد الاستعمار.
ولم يمنع ذلك جون كينيدي من دعم الانقلاب الذي أسقط الدكتاتور الفاسد لفيتنام الجنوبية، نغو دينه ديم، الذي لم يُسفر عن نتائج جيدة.
وأطاحت بحكومات منتخبة
في عام 1973، كانت خطط الإطاحة بالرئيس الشيوعي الشيلي سلفادور أليندي وتشكيل دكتاتورية بينوشيه سيئة السمعة من صنع الولايات المتحدة، بل كانت من تخطيط وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر.
لكن بعد الصدمة التي طال أمدها في حرب فيتنام ونهايتها الخسيسة عام 1975، فقدت الولايات المتحدة في السبعينات بعضاً من حماسها لتغيير الأنظمة.
مرة أخرى، كانت إدارة ريغان مقتنعة بأن البلاد بحاجة إلى استعادة شرفها، وإثبات قدرتها على العمل كقوة عالمية بعد الكارثة في جنوب شرق آسيا، وإهانة حصار رهائن السفارة الإيرانية.
واصل ريغان سلسلة من العمليات السرية التي تهدف إلى إسقاط الأنظمة المدعومة من الشيوعيين في نيكاراغوا (فشل حتى قام الاتحاد السوفييتي نفسه بسحب الدعم المقدم للنظام في عام 1989)، وأنغولا (فشل أيضاً)، وأفغانستان، حيث كان أسامة بن لادن من بين "أقدس المحاربين" ضد الشيوعيين الملاحدة بدعم من واشنطن.
وهناك ذريعة كانت تستخدم دوماً لتبرير الغزو الأمريكي
وفي مكان آخر، وضعت صيغة تعد مألوفة الآن للتدخل المباشر للولايات المتحدة: الضغط، والإدانة، والتدخل المقحم في النظام إلى أن ينتقم بطريقة ما.
ويفضل أن يكون ذلك الانتقام بتهديد أو قتل مواطنين أمريكيين.
وهكذا غزا ريغان جزيرة غرينادا الصغيرة في الكاريبي عام 1983، حيث كان الكوبيون يبنون مهبطاً للطائرات، والذريعة هي تهديد الطلاب الأمريكيين في كلية الطب هناك.
القذافي أيضاً كان هدفاً للأمريكيين، إنه أخطر رجل في العالم
وكان الزعيم الليبي معمر القذافي هدفاً مفضلاً لدى ريغان، خصوصاً عندما اكتشفت واشنطن أنها لا تملك الموارد أو الإرادة للقضاء على قادة إيران وسوريا، الذين اتُّهموا بالكثير من نفس أنواع الجرائم.
تحدَّت الولايات المتحدة ادعاءاته بشأن المياه الإقليمية والمجال الجوي، وأسقطت طائراته الحربية. واتهمته بالتآمر لاغتيال الرئيس رونالد ريغان، وأيدت الاتهام المثير للإعجاب بمقولة إنه "أخطر رجل في العالم".
وفي عام 1986، عندما ضبطت عناصر القذافي تقصف ديسكو في برلين، مما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين، قصفت الطائرات الحربية الأمريكية كل مكان كان يُعرف أن القذافي يعيش ويعمل وينام فيه.
ومع ذلك نجا القذافي، وحوّل تركيزه على أهداف أمريكية، بما في ذلك الطائرة الأمريكية التي انفجرت فوق لوكربي باسكتلندا في عام 1988. وتدريجياً، حققت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى السلام معه، ولكن في عام 2011، عندما خرج الليبيون إلى الشوارع يطالبون بإسقاطه، كانت القوات الأوروبية والأمريكية مستعدة للتدخل.
لقد انتظروا وراقبوا أي فظاعة يمكن أن تعطيهم ذريعة. وعندما تعهد القذافي بتنفيذ مذبحة في بنغازي المضطربة أخذوا ذلك ذريعة.
وبعد أشهر من القتال، سقط القذافي وتعرض للتعذيب حتى الموت. وواجهت البلاد درجات متفاوتة من الفوضى منذ ذلك الحين.
أياً كان ما يفكر فيه نيكولاس مادورو، ولا شك أنه رئيس يتجه نحو نظام كارثي، يجب على المرء أن يتساءل ما إذا كانت إدارة ترامب لديها أي فكرة عن الفوضى التي ستحدث من خلال محاولة إسقاطه.
ولكن يبدو الوضع في فنزويلا بالنسبة للولايات المتحدة ليس سهلاً، فالدولة ليست في النهاية جمهورية موز ومادورو يحظى بدعم دول مثل روسيا وإيران وتركيا، إضافة إلى تأييد القوات المسلحة.
فماهي السيناريوهات المحتملة إذاً، وما النتائج المحتملة لهذه الأمة المتعثرة ومواطنيها الـ32 مليون، الذين فرَّ منهم حوالي 3 ملايين مواطن إلى الخارج؟
مادورو يمسك بمقاليد الحكم، لكن إلى متى؟
تمكَّن مادورو من النجاة من تحدياتٍ هدَّدت سلطته مرتين.
فبعد المظاهرات الشعبية في عام 2014، استهدف قادة المعارضة، مثل ليوبولدو لوبيز، الأب الروحي السياسي لغوايدو، الذي مُنِعَ من التقدُّم للانتخابات.
وما يزال لوبيز تحت الإقامة الجبرية في منزله بعد مرور خمس سنوات.
وكان الاضطراب الأحدث في عام 2017، عندما همَّش مادورو الجمعية الوطنية بعد تحوَّلها إلى المعارضة.
وقوبل المتظاهرون بقمع دامٍ، إذ قُتِلَ أكثر من 120 متظاهراً، وأُصيبَ مئاتٌ آخرون. استثارت هذه الحملة القمعية إداناتٍ دولية، لكن مادورو نجح في تمالك سلطته.
يبدو هذا النهج غير عملي هذه المرة.
فبالرغم من أن مادورو يستبقي دعم حلفاءٍ مثل روسيا وتركيا وكوبا، فإنه يتعرَّض لضغطٍ دولي غير مسبوق، ومن بين الجهات الضاغطة عدد من دول أمريكا اللاتينية.
الجيش قيادته معه ولكن قاعدته عليه.. وهذا سر ولاء الجنرالات
استعرض الضباط الكبار في القوات المسلحة دعمهم لقائدهم العام، لكن هناك سلسلةً من الانشقاقات بين صغار الضباط. وفي مطلع الأسبوع، أصبح الملحق العسكري التابع لمادورو في السفارة في العاصمة الأمريكية واشنطن أكبر شخصية تُبدِّل انتماءها، ويليه القنصل في ميامي.
شعر صغار الجنود بالأثر الاقتصادي للأزمة التي تمر بها البلاد، لكن مادورو كافأ كبار الضباط بمناصب في الحكومة وفي شركة البترول التابعة للدولة PDVSA.
ومن شأن العقوبات الأمريكية التي كُشفَ عنها النقاب على الشركة هذا الأسبوع أن تُغيِّر الأمور.
إذا كان من الممكن أن ينجح مادورو في النجاة من هذه الأزمة الحالية، فعليه إذاً الحفاظ على القوات المسلحة بجانبه، مما يعني أن عليه إيجاد طرق ليدفع لهم، حسبما يرى تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
هل سيأتي مدنيٌّ آخر محله أم سيكون هناك انقلاب عسكري؟ هؤلاء المرشّحون لخلافته
إحدى الطرق الأخرى لإنهاء الموقف الحالي -لكنها لا تفيد الشعب الفنزويلي- هي انقلاب عسكري يأتي بقائدٍ عسكري أو مدني موالٍ إلى السلطة.
وهذا يعني على الأغلب العودة للعمل كالمعتاد: حكم اللصوص، وسوء الإدارة، والسلطوية.
المرشحون الأقرب للخلافة في القوات المسلحة سيكونون إما ديوسدادو كابيو، مساعد مادورو، وإما فلاديمير بادرينو لوبيز، وزير الدفاع، وهما اثنان ممن تدعمهم القيادة العسكرية، لكن الكثير من الفنزويليين يمقتونهما.
أما المرشحان المدنيان فهما نائبة الرئيس دلسي رودريغيز، وطارق العيسمي، الذي سبقها في شغل المنصب.
ولكن المعارضة لن ترضى بتغيير داخلي، وقد تلجأ للكفاح المسلح
على أية حال فإن أيَّ تغيُّر في القيادة لن يرضي المعارضة التي أصبحت الآن جريئةً وتقول إنها عازمةً على استعادة الديمقراطية.
وإذا كانت الخيارات السياسية مغلقة إلى النهاية، فهناك تهديدٌ قوي أن تلجأ المعارضة إلى الكفاح المسلح، وأمريكا اللاتينية لها تاريخٌ مضطربٌ في قمع تمرُّدات مثل تلك.
وفي هذه الأحيان، إن لم يتمكَّن قائدٌ جديد من إعادة بناء اقتصاد الدولة المهلهل، فسوف يستمر الملايين في الفرار، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
مادورو يعرض التفاوض.. تجاربه السابقة لا تدعو للاطمئنان
قد تكون العودة إلى الديمقراطية هي الطريق الأسهل للخروج من الموقف الحالي.
لكن مادورو ألمح إلى أنه مستعدٌ للتفاوض الذي تتوسَّطه قوةٌ دولية، إلا أنه استغلَّ مثل هذه المفاوضات من قبل للمماطلة في الوقت وتقسيم المعارضة.
لن يكون لدى مادورو مكاسب كثيرة إذا سلَّم السلطة، بل سيخسر الكثير.
وهذه هي شروطه إذا قرر الرحيل.. ولكن هل يستقبله حلفاؤه؟
حتى إذا وافق مادورو على الرحيل فإنه لن يخاطر بأيِّ نوع من المساءلات عن فترة وجوده في السلطة، وكذلك آلاف المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين مَكَّنوه في السلطة.
سيضطر مادورو وحاشيته للرحيل عن البلاد، لكن وجهته لا تزال غير معروفة.
حلفاؤه الدوليون الكبار هم فقط روسيا، والصين، وكوبا، وتركيا، ولا يزال لا يوجد لديهم دافع واضح لاستقباله، حسبما ترى الصحيفة البريطانية.
ورئيس البرلمان يحاول إغراء الجيش
تعهَّد غوايدو بعفوٍ رئاسي لأعضاء القوات المسلحة الذين "يساهمون في استعادة النظام الديمقراطي".
يقول ديميتريس باندولاس، مستشار يعيش في كاراكاس، إن هناك أسباباً براغماتية لمثل هذه الخطوة، وقدَّم غوايدو اتفاقية السلام في كولومبيا في عام 2016 مع متمرِّدي القوات المسلحة الثورية الكولومبية اليسارية كمثالٍ مُحتَمَل.
وقال: "لا يمكنك نفي عشرات الآلاف أو محاكمتهم في المحاكم العادية، سيغدو الأمر فوضوياً".
للأسف سيناريو الحرب قائم.. وإنه أمر لو تعلمون مدمر
طالما وصف مادورو مشاكل دولته بأنها نتيجة لحملة "الحرب الاقتصادية" الإمبريالية التي دامت لعقود منذ شنَّتها الولايات المتحدة. خدمه هذا الأمر جيداً في الحفاظ على قادته العسكريين والدعم القليل الذي يحظى به تحت لوائه.
لكن بعض المحللين يخشون الآن أن الداعين للنزاع في واشنطن وكراكاس يمكنهم أن يقودوا الدولتين إلى صراعٍ حقيقي.
استثارت الأزمة الفنزويلية أكبر هجرة في أمريكا اللاتينية في العصر الحديث، والدول المجاورة يائسة من إيجاد حل سريع.
قال فيل جونسون، المستشار في منظمة مجموعة الأزمات الدولية الذي يعيش في كاراكاس: "إذا ساء الوضع، فعلى الأغلب سيزداد الضغط لشنِّ ضربة عسكرية لإنهاء الأزمة".
وأضاف: "وهذه إحدى النتائج التي يجب أن نحاول جميعاً تجنُّبها".
وقد تنشب حرب بين بلدان أمريكا الجنوبية.. وواشنطن تحشد قواتها في هذه الدولة
لا يزال هذا الصراع في اللحظة الحالية احتمالاً بعيداً، لكن من الممكن أن تتحد الحكومات اليمينية في البرازيل وكولومبيا في تحالفٍ تقوده الولايات المتحدة ضد مادورو.
مثل هذه الحرب التي ستكون الحرب الداخلية الأولى في أمريكا الجنوبية منذ ما يزيد عن 80 عاماً، قد تكون ممتدة، ودامية، وبها الكثير من المتغيِّرات غير المُتوقَّعة.
لكن عندما صُوِّر مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب، جون بولتون، وهو يمسك بمستندٍ قانوني كُتِبَ عليه "5000 جندي إلى كولومبيا"، أثار هذا مخاوف بأن الولايات المتحدة تفكر بجدية في مثل هذا الخيار. لن يكون هذا العدد كافياً وحده، لكن الاجتياح الأمريكي لبنما تضمَّن حوالي 27 ألف جندي.
وقال آدم إزاكسون، المُحلِّل الأمني في منظمة مكتب واشنطن في أمريكا اللاتينية (WOLA): "أعتقد أن بولتون يتلاعب فقط، لكن إذا صح الأمر فإن هذه القوات ستكون الشرارة، ويجب أن يكون هناك استعدادٌ لنشر قوات أكبر في حال شنِّ أيِّ غارةٍ من جانب فنزويلا".
وأضاف: "ما من سبيل لمعرفة كيف سيتصاعد الأمر. أيُّ حربٍ تتضمَّن كولومبيا وفنزويلا ستكون مدمرة، فكلتا الدولتين لديهما قوات جوية قوية، لذا فإن هذه الحرب ستدور رحاها حول البنية التحتية، والقواعد العسكرية، والمدن، وليس فقط الحدود".