كشف تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية آثاراً مأساوية عن أوضاع الأمريكيين المالية خلال الإغلاق الحكومي الأمريكي، الذي استمر لـ 35 يوماً، وانتهى في 26 يناير/كانون الثاني 2019، بعد استجابة الرئيس دونالد ترامب للضغوط السياسية، لكي ينهي أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.
أيام حبس الأنفاس.. كشفت حجم الكارثة
في أول أيام الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي أصبح هو الأطول في تاريخ البلاد، كانت ماري كيلي كالعديد من الأمريكيين متفائلةً بشأن الوضع. فبصفتها موظفةً في دائرة الإيرادات الداخلية، مرَّت بعدة إغلاقات حكومية من قبل. لكنَّها اكتشفت أنَّ الإغلاق هذه المرة استمر طويلاً.
وفي اليوم الرابع والعشرين، بعد أسابيع من إجازتها الإلزامية، تقدَّمت بطلبٍ للحصول على إعانات بطالة.
وبعد ذلك بعشرة أيام، غادرت منزلها الواقع في ضواحي شيكاغو، وركبت قطاراً إلى وسط المدينة وانضمت إلى المتظاهرين في ساحة فيدرال بلازا التي كانت الرياح تعصف بها، واكتست وجنتاها باللون الوردي من شدة البرد.
وقالت كيلي، وهي مسؤولةٌ نقابية، في أثناء الاحتجاجات يوم الخميس الماضي 24 يناير/كانون الثاني مرتديةً قفازات صوفية وممسكةً بلافتة: "لم أشعر بالخوف قط في عمليات الإغلاق السابقة. لكن الآن، من يدري ماذا سيحدث؟".
ثم في اليوم الخامس والثلاثين من الإغلاق، وبدون أي حلٍّ يلوح في الأفق، وجدت إجابة سؤالها في أخبار مُسرَّبة من واشنطن مفادها أنَّ الإغلاق أوشك على نهايته أخيراً.
وقالت يوم الجمعة 25 يناير/كانون الثاني وهي تنظر إلى هاتفها طوال الوقت على أمل صدور خبر بأنَّ قادة الكونغرس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد توصلوا إلى اتفاق لإعادة فتح الحكومة مؤقتاً: "أنتظر حابسةً أنفاسي. نأمل أن نحصل على رواتبنا".
يذكر أنَّ الإغلاق الحكومي الجزئي حين بدأ في منتصف الليل يوم 22 ديسمبر/كانون الأول، ترك نحو 800 ألف موظَّف فيدرالي عاطلين عن العمل، مع استمرار العديد منهم في أداء وظائفهم حتى بدون احتمالية دفع رواتبهم فوراً.
كيف أعاد الإغلاق ترتيب حياة الأمريكيين؟
في البداية، كان من السهل تجاهل ذلك باعتباره مجرَّد اختلالٍ وظيفي آخر في واشنطن نتيجة طلب رئيسٍ "متهور" دعماً مالياً كبيراً للجدار الحدودي، ومجرَّد نزاعٍ أجَّجته مشاحناتٌ حزبية قد ينتهي في غضون بضعة أيام.
ولكن بمرور الوقت، تحوَّل عدم الاكتراث المبدئي إلى قلق، ثم تحوَّل القلق إلى ذعر. وقبل أن ينتهي الإغلاق بتراجع ترامب عن إصراره على تمويل الجدار بعد نحو ستة أسابيع من بدايته، أدى إلى إعادة ترتيب حياة الأمريكيين بسرعة.
لقد أظهر مدى توغُّل مخالب الحكومة الفيدرالية في حياة المواطنين العاديين في جميع أنحاء البلاد، وكيف يمكن حتى لأغنى دولة في العالم أن تصبح على حافة الفقر بسبب أزمةٍ داخلية واحدة. وربما لم تنتهِ الأزمة بعد، إذ ذكَّر الموظفون الحكوميون أنفسهم حتى وهم يحتفلون بأنَّ الاتفاق على إعادة فتح الحكومة 3 أسابيع لا يستبعد الوقوع في مأزق آخر.
أبناء الطبقة الوسطى على أبواب مخازن الجمعيات الخيرية
وصحيحٌ أنَّ الإغلاق الحكومي انتهى الآن ولو مؤقتاً، لكنَّه تسبَّب في ألمٍ عميق. إذ أجبر أبناء الطبقة المتوسطة المصدومين على العمل في وظائف ثانية، وزيارة مخازن الطعام الخيرية للحصول على المواد الغذائية والتقدُّم بطلباتٍ للحصول على إعانات بطالة. وفجأة، تحوَّلت الوظائف الحكومية الثابتة إلى مصدر خطرٍ كبير.
إذ عَجَز بعض الموظفين الفيدراليين الذين لم يتقاضوا أجورهم منذ أسابيع عن سداد المستحقات الخاصة بالرهن العقاري، وتراكمت عليهم ديون البطاقات الائتمانية وصاروا يخشون الإفلاس.
وصحيحٌ أنَّ دفع الرواتب بأثرٍ رجعي سيُعيد معظم الموظفين الحكوميين إلى وضعهم السابق، لكنَّ ذلك الاتفاق المؤقَّت لا يمكن أن يلغي كل الأضرار. إذ تعرَّض العديد من أصحاب الأعمال الذين يعتمدون على الموظفين الحكوميين لانخفاض أرباحهم.
حتى العلاقات الزوجية تأثرت بالإغلاق!
بينما تعرَّضت التقييمات الائتمانية للكثيرين لانهيارٍ حاد، فقد شهدت العديد من العلاقات الزوجية توتراتٍ بسبب الضغط الذي شكِّله الإغلاق، وانتقلت هذه التوترات إلى الأطفال.
وكشف الإغلاق عن حقائق كريهة بشأن الأوضاع المالية للأمريكيين؛ فحتى الجيران والأصدقاء الذين يتقاضون رواتب ثابتة وهناك علاماتٌ على أنَّ حياتهم مريحة أصبحوا فجأةً يعيشون على الكفاف مترنِّحين على حافة اليأس.
إذ قالت جيني لونستيد، وهي أمٌّ لطفلين وزوجة ضابط صغير في قوات حرس السواحل الأمريكي لم يتقاضَ أجره منذ بداية الإغلاق، وهي تبحث في أرفف اليقطين المُعلَّب والطماطم الطازجة في مخزن طعام خيري في ستوك آيلاند بولاية فلوريدا يوم الثلاثاء 22 يناير/كانون الثاني: "أضطَّر إلى المجيء إلى هنا لأرى أشخاصاً بلا مأوى وآخرين أتوا إلى هنا بالدرَّاجات بينما أنا في سيارتي من طراز سوبارو. إنه لأمرٌ محزن لأنَّك تشعر بالحرج وعدم الاستحقاق في الوقت ذاته".
غير أنَّ التأثيرات تجاوزت المحنة الفردية للموظفين، ونبَّهت الأمريكيين الغافلين عن الدور الكبير الذي تؤديه الحكومة في حياتهم.
مشروعات تعطلت وحركة السفر تضررت بشكل كبير
إذ عطَّلت بعض الوكالات الفيدرالية مشروعاتٍ، وتُرِكَت حوادث تحطُّم طائراتٍ بلا تحقيق، وتأجَّلت دراساتٌ بحثية، وتسبب نقص مراقبي الحركة الجوية في تأخُّر الرحلات الجوية عبر شمال شرق البلاد يوم الجمعة، مما أربك حركة السفر الجوي في بعضٍ من أكثر مطارات البلاد ازدحاماً.
وترك نقص العمال بعض المواقع الأكثر قيمة في البلاد في حالةٍ من الإهمال، ومن بينها متنزه يوسمايت الوطني الذي وصفه عالم الطبيعة الرائد جون ميوَر بأنَّه معبدٌ للوديان الضيقة والشلالات المتدفقة ومنحدرات الغرانيت التي ترسم عليها أشعة الشمس خطوطاً.
إذ قال كين يايجر (59 عاماً) وهو متسلق محترف جاء إلى يوسمايت قبل أكثر من أربعة عقود ولم يغادر المنطقة قط إنَّ الإغلاق جعل المتنزه "في وضعٍ خطر للغاية".
إذ مُنِح جميع الموظفين إجازة إلزامية باستثناء قلةٍ من الحُرَّاس، وأُغلِق مركز الزوار، ولا أحد يرد على الهاتف في مقر إدارة المتنزه. بينما تضرَّر سكان البلدات القريبة من المتنزه الذين يعتمدون على مجيء الزوار إليه لكسب قوت يومهم، إذ سرَّح يايجر، الذي يدير خدمة تنظيف، معظم موظفيه. وقال إنَّ كل يوم يشهد استمرار الإغلاق، يصبح الناس "أشد يأساً".
"سأكون الشخص الذي سيُغلق الحكومة"
جديرٌ بالذكر أنَّ أكثر من ستة أسابيع مرَّت على المواجهة الحادة التي وقعت في المكتب البيضاوي يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي بين ترامب، والنائبة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب والسيناتور تشاك شومر زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ.
ثم قال ترامب، مؤكداً الوعد الذي قطعه في أثناء حملته الانتخابية ببناء جدار حدودي، إنه سيتحمل مسؤولية إغلاق الحكومة إذا رفض الديمقراطيون جهوده. وقال في تعهُّد أُعيدت إذاعته على القنوات التلفزيونية الإخبارية مراتٍ لا تُحصى: "سوف أتَّحمَّل المسؤولية. سأكون الشخص الذي سيُغلق الحكومة".
وبالفعل أُعلن الإغلاق الحكومي الجزئي في الصباح الباكر من يوم 22 ديسمبر/كانون الأول. وتشمل الوزارات التي أغلقت وزارة الخزانة ووزارة الزراعة ووزارة الأمن الداخلي ووزارتي الداخلية والخارجية ووزارات الإسكان والتطوير الحضري، والنقل، والتجارة، والعدل. وبدأ أكثر من 420 ألف موظف فيدرالي العمل دون أجر، بينما مُنِح 380 ألف موظف آخرين إجازة إلزامية في انتظار حل المشكلة.
بيد أنَّ فكرة الإغلاق الحكومي ظلَّت تُمثِّل طقساً سياسياً مألوفاً بالنسبة للكثيرين وليست حدثاً يثير الخوف، على الأقل في البداية. إذ كان هذا الإغلاق الحادي والعشرين في العقود الأربعة الأخيرة.
فوضى كاملة!
ولكن في الأيام والأسابيع الأولى من الإغلاق، بدأت المضاعفات المتشابكة في الظهور. إذ كانت شيلا بيلي (73 عاماً) قد حددت موعد تقاعدها في 31 ديسمبر/كانون الأول بعدما عملت على مرَّ 34 عاماً عالمةً في مركز أبحاث جون جلين في وكالة ناسا بمدينة كليفلاند. لكنَّ ذلك التاريخ جاء ومضى وبيلي تقضي أيامها في المنزل.
وقد وجدت نفسها في حالة من الغموض غير المعتاد، إذ لم تكون متيقنة ما إذا كانت موظفة فيدرالية في إجازة أم موظفة فيدرالية متقاعدة.
وقالت متحدثةً عن الصعوبات التي واجهتها في التسجيل في التأمين الطبي حين لم تستطع الحصول على الأوراق اللازمة من وكالة ناسا: "كل التعقيدات لا تُصدَّق.. هذه فوضى".
حتى أن تأثيرات الإغلاق وصلت إلى موجات الراديو، وتسبِّبت في بثِّ كلمات فاحشة. ففي إحدى المحطات الإذاعية المجتمعية في ولاية كنتاكي، شغَّل أحد المذيعين بالخطأ أغنيةً للفنانة ألانيس موريسيت تتضمَّن ألفاظاً فاحشة. وأشار مدير المحطة إلى أنَّ لجنة الاتصالات الفيدرالية من المستبعد أن تنظر في الشكاوى المُقدمَّة إليها، وذلك بسبب الإغلاق.
وفي كاليفورنيا الجنوبية، كان جوزيف دارلنغ (33 عاماً)، وهو عضو في طاقم إطفاء حريق فيدرالي يستخدم المنشار الإلكتروني وأدوات يدوية لمكافحة حرائق الغابات في البلاد، عادةً ما يقضي هذا الوقت من السنة في تنظيف الغابات من بقايا الأعشاب والحشائش للمساعدة في تقليل خطر اندلاع الحرائق في المستقبل.
ولكن في أثناء الإغلاق، لم يُسمح له بذلك، وظل قابعاً في مكتبه، منتظراً استدعاءه لحالات الطوارئ. وقال دارلنغ في الأسبوع الماضي: "نُضيِّع الفرص السانحة لاستغلال الوقت". وصحيحٌ أنَّه لم يستطع أن يقول إنَّ الإغلاق سيؤدي إلى اندلاع حريق، لكنَّه لا يستطيع استبعاد احتمال ارتفاع خطر الحريق بسببه.
"أنت تعمل لدى شركة الرهن العقاري"!
وفي 11 يناير/كانون الثاني، أي بعد ثلاثة أسابيع من التوقف، أصبحت العواقب وخيمة للغاية على الموظفين الفيدراليين حين لم يحصلوا على راتبهم للمرة الأولى منذ بداية الإغلاق.
إذ قال جوني زواغار (39 عاماً) من بلدة أبر مارلبورو في ولاية ميريلاند الأمريكية، الذي يعمل في مكتب التعداد الأمريكي منذ 15 عاماً حيث يتعامل مع تقارير مبيعات التجزئة الشهرية لكنَّه الآن قابعٌ في منزله بلا عمل ويتعامل مع شؤونه المالية الشخصية: "تحتاج إلى تناول الطعام، ووضع الغاز في سيارتك، وأطفالك ما زالوا بحاجةٍ إلى بعض الأشياء. قد لا يمر وقتٌ طويل حتى يأتوا ويصادروا المنزل، لذا فأنت تعمل لدى شركة الرهن العقاري".
وأضاف زواغار أنَّ من أصعب الأمور التي يواجهها في هذا الإغلاق هو أن يضع كل هذا القلق اليومي وراء ظهره في وقت متأخرٍ بعد الظهيرة حين يلتقي أطفاله البالغة أعمارهم 8 و6 سنوات وسنة واحدة.
بينما بدأت تيارا كاري، المُحاسبة في وزارة الأمن الداخلي، في تقليص نفقات الأسرة. وسرعان ما اكتشف أطفالها الأكبر سناً -البالغة أعمارهم 13 و11 عاماً و8 و3 أعوام- أنَّ الحياة قد تغيرت. إذ كانوا معتادين تناول الطعام في مطعم Chick-fil-A أو الذهاب للتزلج على الجليد. لكنَّ كاري قالت إنَّها لم تعد قادرة على تحمُّل نفقات هذا النوع من الأشياء.
أمَّا بالنسبة للموظفين المتعاقدين على وجه التحديد، أصبح الوضع وخيماً جداً. فعلى عكس الموظفين الفيدراليين، لا يضمن العمال المتعاقدون الحصول على أجورهم بأثرٍ رجعي. فعلى سبيل المثال، يعمل فويت كوين (55 سنة) في تفريغ صناديق القمامة في حديقة الحيوانات الوطنية في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث حصل على 13.55 دولار في الساعة. لكن عندما أغلقت حديقة الحيوانات، وجد كوين نفسه في منزله، غارقاً في التفكير في كيفية تغطية نفقاته.
إذ أعطته مؤسَّسة Friends of the National Zoo التي يعمل لديها قرضاً صغيراً ليعيش عليه، لكنَّه سيتعين عليه أن يردَّه على دُفعات. وحاول كسب بعض المال الإضافي، فعمل في توصيل الطعام.
وفي مدينة غينزفيل بولاية فلوريدا، وجدت منظمة Peaceful Paths Domestic Abuse Network لمكافحة الإساءة المنزلية صعوبةً بالغة في تقديم خدماتها المعتادة، لا سيما في مكانٍ يُعَد فيه العنف المنزلي مشكلةً مهيمنة. إذ تشهد تلك المنطقة نحو 1700 حالة اعتقال سنوياً بتهمة ارتكاب مثل هذه الجرائم. ويعتمد نحو 35% من الميزانية السنوية للمنظمة على الأموال الفيدرالية.
إحباط كبير
وبالنسبة لبعض الموظفين الحكوميين، فإنَّ الإغلاق لم يجعلهم يواجهوا صعوبةً في تغطية نفقاتهم، لكنَّه تسبب في إحباطاتٍ أخرى.
ولعل أبرز مثالٍ على ذلك هو إيمي بتلر، وهي متعاقدة وتعد واحدةً من خبراء الحكومة الفيدرالية في الدوامة القطبية، التي تُمثِّل كتلةٍ ضخمة من الهواء البارد عادةً ما تكون موجودةً فوق القطب الشمالي وتُحيط بها أحزمة قوية من رياح تتحرَّك في مسارات دائرية، لكنَّها يمكن أن تُسبِّب تغيرات كارثية في طقس أمريكا الشمالية عندما تضعف تلك الرياح.
وفي هذا العام، انطلقت الدوامة القطبية بعد أيام من بداية الإغلاق. ولم تتمكن بتلر، كغيرها من الباحثين الآخرين، من الوصول إلى قواعد البيانات الحكومية، لذا أُعيقت فعلياً عن دراسة المناقشات الحكومية الداخلية وإجراء تحليلات في أثناء حدث طقسي ذي أهمية هائلة لوظيفتها وأبحاثها.
وقالت: "يا له من شيء مُخيِّب للآمال حين يكون هناك حدثٌ أشعر بأنني خبيرةٌ فيه لكنني لا أتمكن من مشاركة عملي في أثناء وقوعه، لأنني عاجزة عن الوصول إلى تلك الموارد".
وإضافةً إلى ذلك، اضطَّرت بعض العائلات التي يعمل فيها الزوجان في وظائف حكومية إلى فقدان راتبين. ففي مدينة أنيستون بولاية ألاباما، تحدَّث مارلين كيمبرو وزوجته كيمبرلي أسكيو كيمبرو حديثاً كئيباً إلى ابنهما المراهق عن المشقة الناجمة عن الإغلاق.
وكان عيد ميلاده يوم الثلاثاء الماضي، لكنَّه اضطَّر إلى عدم إقامة حفل هذا العام ولم يحصل على هدايا.
وقالت أسكيو كيمبرو، التي تعمل مع زوجها في السجن الفيدرالي في مدينة تالاديغا بولاية ألاباما: "إنَّ ذلك يؤلم القلب، ويؤذي مشاعرك. الحمد للرب أن ابننا من نوعية الأشخاص الذين يتفهّمون. أنا متيقنةٌ تماماً من أنَّه ما زال يشعر بالألم من جرَّاء ذلك. لكنَّه لا يُظهره".
جديرٌ بالذكر أنَّ البيت الأبيض طلب من مسؤولي الوكالات الفيدرالية تقديم قائمةٍ بالبرامج التي من شأنها أن تعاني إذا استمر الإغلاق حتى مارس/آذار وأبريل/نيسان، وفقاً لما نشرته صحيفة The Washington Post الأمريكية الأسبوع الماضي. لكنَّ الموظفين الفيدراليين الذين على وشك ألَّا يتقاضوا راتبهم للمرة الثانية منذ بداية الأزمة يرون أنَّ فكرة استمرار الإغلاق كل هذه المدة لا تُطاق.
وفي الأيام الأخيرة، ذكر بعض الموظفين الفيدراليين الذين مُنِحوا إجازة إلزامية أنَّهم لم يعودوا يتحمَّلون الوضع. بينما حذَّرت النقابات التي تمثل مراقبي الحركة الجوية والطيارين والمضيفين الجويِّين من أنَّ الإغلاق يجعل السفر الجوي أقل أمناً.
آمال صغيرة كانت على وشك أن تتحطم
اجتمعت مجموعة من الموظفين الفيدراليين في مبنى مكتب مجلس الشيوخ في العاصمة واشنطن يوم الأربعاء، حيث وقفوا في مظاهرة صامتة مدتها 33 دقيقة، دقيقة مقابل كل يوم كانوا فيه عاطلين عن العمل.
وفي يوم الجمعة، تحدَّث ترامب من حديقة الورود معلناً موافقته على إعادة فتح الحكومة، وقد استقبل الأمريكيون ذلك القرار بارتياحٍ وبهجة. فالإغلاق انتهى أخيراً، ولو بضعة أسابيع على الأقل.
ومن بين المواطنين الذين أعربوا عن سعادتهم البالغة بذلك القرار كيلي هاريس من غرب ولاية ويسكونسن التي أمضت عامين في تحسين وضعها المالي -إذ كان تُسدِّد ديونها وتُصلح ائتمانها- من أجل التأهل إلى برنامج قرض فيدرالي يساعد سكان المناطق الريفية ذوي الدخل المنخفض في أن يصبحوا مُلَّاك منازل. وبالفعل حصلت على القرض أخيراً وانتقلت مع حفيدها البالغ من العمر 15 إلى المنزل الجديد. لقد كان حُلماً وتحقَّق.
ولكن بسبب الإغلاق، لم تستطع سداد الدُفعة الأولى من مستحقات الرهن العقاري، التي كانت واجبة الدفع في 21 يناير/كانون الثاني.
وقالت هاريس (55 عاماً) إنَّ مكاتب وزارة الزراعة التي تتعامل مع قرضها العقاري أغلقت قبل أن تتمكن من الحصول على رقم حسابها ومعلومات أساسية أخرى عن كيفية الدفع. وحاولت الاتصال بالمكاتب الفيدرالية وبنكها وبعض أعضاء مجلس الشيوخ، لكن لم يستطع أحد إخبارها أين ترسل الشيك.
وأضافت: "لقد عملت بجدٍّ للوصول إلى هذا المنزل. لذا فإنَّ عدم سداد الدُفعة الأولى أمرٌ مؤلم بالنسبة لي".
وقد أُصيبت بالقلق الشديد من فكرة تخلُّفها عن سداد المستحقات وإجبارها على ترك المنزل. إذ كان لديها فترة سماح مدتها 10 أيام فقط، وكان الوقت يمر بسرعة. وقالت إنَّها لم تكن تعرف ما يتوجَّب عليها فعله.
وفي يوم الجمعة، انهارت باكيةً حين سمعت خبر أنَّ البيت الأبيض وقادة الكونغرس توصلوا إلى اتفاق.
وقالت: "جلست هنا أصيح بشدة". وأضافت أنَّها تُخطِّط لاستدعاء الموظَّف المسؤول عن تحصيل مستحقات القرض في أقرب وقتٍ ممكن يوم الإثنين 28 يناير/كانون الثاني، أي في آخر لحظة. وأعربت عن سعادتها قائلةً: "أشعر بارتياحٍ بالغ".