قبل بضعة أشهر فقط، كانت السعودية تحت مجهر التدقيق الدولي. فألهب التسريب المستمر للمعلومات عن عملية الخطف والقتل السرية للصحفي جمال خاشقجي الكونغرس الأمريكي، وأدّى إلى احتجاجاتٍ في عواصم مختلفة حول العالم، وشوَّه سمعة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي خلُصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أنَّه مَن أمر بالمكيدة.
لكنَّ الأمير محمد بن سلمان والسعوديين وقفوا في وجه الانتقادات الدولية. ودافعت عنهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي صبَّت غضبها على إيران بدلاً منهم، ولم يلقوا إلا توبيخاً خجولاً من الحكومات الأوروبية القلقة من عزل مستهلكٍ رئيسي للعتاد العسكري.
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية في تقرير لها إن لم يكن واضحاً أنَّ الغرب مضى قدماً متجاوزاً قضية خاشقجي برمتها، فإنَّ أحداث هذا الأسبوع بالمنتدى الاقتصادي العالمي جعلت كل شيءٍ أوضح.
أرسل السعوديون وفداً كبيراً من وزراء المال والسياسة إلى سويسرا
أرسل السعوديون وفداً كبيراً إلى جبال الألب السويسرية، يضم وزراء الاقتصاد والمالية والخارجية لديهم. ونظَّم عملاق النفط التابع للدولة، أرامكو، حفلاً فخماً مساء الأربعاء 23 يناير/كانون الثاني، للمديرين التنفيذيين والمصرفيين الحضور في المنتدى. وأشار السياسيون الغربيون ومديرو الشركات الغربية، في محادثاتٍ مختلفة، إلى عدم استعدادهم لإدارة ظهرهم للمملكة.
فقال الرئيس السويسري أولي ماورير لوكالة الأنباء السويسرية المحلية: "تعاملنا مع قضية خاشقجي منذ وقتٍ طويل. واتفقنا على مواصلة الحوار المالي وتطبيع العلاقات مجدداً".
وحثَّ باتريك بويان، رئيس شركة النفط الفرنسية توتال، في حلقةٍ نقاشية مع وزيرين سعوديين إلى جانب الرئيس التنفيذي لمؤسسة مورغان ستانلي المالية جيمس كورمان، الحضور على وضع مقتل خاشقجي وراء ظهورهم، وقال: "دعونا ننظر بإيجابية أكثر ونمضي قدماً".
ولا عجب أنَّ بإمكان المسؤولين السعوديين الشعور بالثقة. إذ قال أمين الناصر، المدير التنفيذي لشركة أرامكو: "لا أرى أي مشكلات من حيث استثماراتنا، بل العكس تماماً، إنَّها محل ترحاب".
وفي منتدًى تُحرِّكه المخاوف التجارية، لا يجب أن يكون ذلك مفاجئاً. ففي مقابلة مع قسم WorldViews التابع لصحيفة The Washington Post الأمريكية، رفض عليان بيجاني، المدير التنفيذي لمجموعة ماجد الفطيم –المجموعة العملاقة في تجارة التجزئة بالشرق الأوسط والتي تملك مراكز تسوق ودور سينما وممتلكات أخرى في مختلف أنحاء المنطقة- التغطية السلبية للأمير السعودي واعتبرها "ظالمة" و"متحيزة".
وافتتحت شركة بيجاني أول دار سينما في السعودية، ولديها خطط للتوسُّع سريعاً في المملكة. ويعزو بيجاني الفضل لمحمد بن سلمان في تحفيز "الإصلاح العميق"، مستشهداً بتحركاته لكبح الفساد وفتح اقتصاد البلاد والسماح للنساء بقيادة السيارات.
وقال بيجاني: "بصفتي مستثمراً، وبصفتي المدير التنفيذي لأبرز منظمات القطاع الخاص التي تعمل في هذا الجزء من العالم، بإمكاني رؤية ولي عهدٍ جاء إلى السلطة بأجندةٍ واضحة". وأشاد بالقيادة السياسية للمملكة لـ"تنفيذها الفعلي" وبطريقةٍ "منهجة" خططها الطموحة لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد بحلول نهاية العقد القادم.
لكن ماذا عن زلات المملكة، مثل اعتقالها لنشطاء المجتمع المدني، وحروبها الكارثية في الخارج، وإشعالها لأزمةٍ إقليمية مع قطر؟ بدا أنَّ بيجاني يشير إلى أنَّها نتائج طبيعية مصاحبة.
فقال: "هل جرت الأمور بطريقة مثالية؟ بالطبع لا. لكنَّ أي تحوُّل له تحدياته".
ويبدو الآن أنَّ مقتل خاشقجي مجرد عثرة في طريق الرياض.
هل تواطأ المشاركون في دافوس ضد خاشقجي؟
وصرَّح محمد القويز، رئيس مجلس إدارة هيئة السوق المالية السعودية، لوكالة رويترز في دافوس: "بالحديث ليس فقط باعتباري موظفاً حكومياً بل كمواطن سعودي، الجميع في السعودية شعروا بالتأكيد بالرعب الشديد مما حدث. لكنَّ بلداً يضم 30 مليون نسمة لا يجب إمساكه رهينةً لحادث، مهما كانت بشاعته، خصوصاً في هذه المرحلة في الوقت الذي نعمل فيه جاهدين لتهيئة مسار جديد للبلاد".
لكنَّ النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في دافوس لم يكونوا متسامحين للغاية.
وأشار كينيث روث، مدير منظمة هيومن رايتس ووتش، بأصابع الاتهام للمنتدى لعدم إثارته قضية خاشقجي بصورة مباشرة أكثر. وصرَّح لوكالة France Press: "من المزعج للغاية أنَّ المنتدى الاقتصادي العالمي لم يجعل هذا موضوع محادثةٍ رسمية".
وقال ديفيد ميليباند، رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ، إنَّ مقتل خاشقجي كان في جزءٍ منه نتيجةً للانحدار الأخلاقي لإدارة ترامب، الذي جرَّأ المستبدين لإساءة التصرف. وقال في مقابلةٍ مع قسم WorldViews: "الإفلات من العقاب يملأ هذا الفراغ في كثيرٍ من الأحيان".
وقال كومي نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، إنَّه حين تُمكِّن النخب التجارية في المنتدى هي الأخرى لهذا الإفلات من العقاب، فإنَّه يُصوِّر مشروع دافوس برُمّته بصورة سيئة.
وأضاف نايدو لقسم WorldViews: "يجعل هذا ما يجري يبدو وكأنه إضاعة للوقت على أمور لا طائل منها بدلاً من الأمور المهمة".