قالت مجلة Forbes الأمريكية إن المملكة العربية السعودية تتطلَّع للاستثمار في الغاز الطبيعي الأمريكي، من خلال الاستحواذ على أصول أمريكية، وهي مستعدة لإنفاق مليارات الدولارات هناك.
وحول ذلك، يقول جود كليمنتي، خبير الطاقة وأسواق الغاز الطبيعي المُسال، إن الرياض تفكر في الاستثمار بمحطة تابعة لشركة Tellurian لتصدير الغاز الطبيعي المُسال في ولاية لويزيانا، وهي محطة دريفتوود، وكذلك في منشأة الغاز الطبيعي المُسال التابعة لشركة Sempra Energy في ولاية تكساس، منشأة بورت آرثر.
حيث ستستغل السعودية سعي شركة Tellurian لدخول شركاء أسهم يشترون حصصاً في محطة دريفتوود، إذ سيحصل هؤلاء الشركاء على الغاز الطبيعي المُسال الذي قد يستخدمونه بأنفسهم أو يعيدون بيعه بهامش ربح.
لكن لماذا تهتم السعودية بالغاز الطبيعي الأمريكي المُسال؟
ستصبح الولايات المتحدة، التي بدأت تصدير الغاز الطبيعي المُسال فعلاً في فبراير/شباط 2016، ثالث أكبر مُصدِّر هذه السنة 2019، بعد كل من قطر وأستراليا. وحقَّقت الولايات المتحدة مؤخراً أرقاماً قياسية بتصديرها أكثر من 5 مليارات قدم مكعبة يومياً من الطلب على غاز التغذية، وقد تصبح المُصدِّر رقم واحد في غضون خمس سنوات.
وتُعَد إمكانات التصدير الأمريكية للغاز الطبيعي المُسال "مدهشة". فاعتباراً من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بات لدى اللجنة الفيدرالية لتنظيم الطاقة في الولايات المتحدة 70 طلباً عالقاً لإقامة منشآت تصدير غاز طبيعي مُسال بانتظار المراجعة، من الممكن أن تملك طاقة تصديرية مذهلة تبلغ 55 مليار قدم مكعبة يومياً. حيث يبلغ حجم السوق العالمية للغاز الطبيعي المُسال 40-43 مليار قدم مكعبة يومياً فقط.
وعلاوة على ذلك، يتطلَّع السعوديون للاستحواذ على أصول أمريكية في مجال الغاز الطبيعي، وهم مستعدون لإنفاق مليارات الدولارات هناك.
ويُعَد كل هذا جزءاً من استراتيجية كبرى للمملكة لاستثمار 150 مليار دولار في الغاز على مدار العقد القادم.
وبفضل ثورة الصخر الزيتي، ارتفع إنتاج الغاز الأمريكي بـ50% منذ عام 2008 ليصل إلى أكثر من 87 مليار قدم مكعبة يومياً، وزاد الإنتاج بنحو 15% العام الماضي وحده. وسيكون من السهل للغاية تجاوز حاجز 100 مليار قدم مكعبة يومياً في غضون أربع أو خمس سنوات.
المنافسة مع قطر وتعويض خسائر أزمة خاشقجي!
على الصعيد السياسي، لابد للسعودية من تعويض التأزم الجيوسياسي الذي سبَّبه اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي. ويساعد الاستثمار في الغاز الأمريكي في تنويع الاقتصاد السعودي والسماح بتخفيض الدعم المحلي.
فضلاً عن ذلك، من شأن الاستثمار في الغاز الطبيعي الأمريكي المُسال السماح للسعوديين بالتنافس مع منافستهم الجيوسياسية، قطر، التي تملك هي نفسها الآن خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في الغاز الطبيعي الأمريكي المُسال.
وإن تمكَّن السعوديون من الوصول إلى ما يكفي من الغاز الأمريكي، قد يساعدهم ذلك في تقليص الاعتماد المفرط غير الحكيم على الكهرباء المُنتَجة اعتماداً على النفط. وسيساعد وجود مزيدٍ من الغاز على زيادة صادرات النفط الخام بنحو 725 ألف برميل يومياً تُستخدَم حالياً في توليد الطاقة صيفاً.
إذ يُولِّد النفط ما يزيد عن 40% من كهرباء السعودية، وهو مُعدَّل أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 3% (يُوفِّر الغاز نحو 60% من كهرباء السعودية).
في الواقع، تُعَد السعودية مسؤولة عن نحو 20% من كل كهرباء العالم المُولَّدة باستخدام النفط. وفي ظل تقليص دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" الغربية المتطورة بصورة حادة طاقتها المُولَّدة اعتماداً على النفط منذ الصدمات النفطية في السبعينيات، بات النفط اليوم وقوداً مُخصَّصاً لوسائل النقل، وليس لتوليد الطاقة.
يقول كليمنتي، بالنسبة للشركات الأمريكية، تمثل السعودية، فاعلاً عالمياً ثرياً ويحظى باهتمام كبير في مجال الطاقة، وينظر أصحاب هذه الشركات للرياض كـ "شريك جذاب".
فبحسب وكالة بلومبيرغ، "تُعَد شركة أرامكو"، بصفتها شركة النفط والغاز السعودية الوطنية، "أكبر الشركات تحقيقاً للأرباح في العالم".
السعودية لديها احتياطي ضخم من الغاز بالفعل!
لكن بعيداً عن الولايات المتحدة، من الأكيد أنَّ السعودية ستتجه نحو الداخل لتوفير مزيدٍ من إمدادات الغاز. إذ تفيد شركة BP البريطانية بأنَّ السعودية السعودية لديها احتياطي ضخم من الغاز الطبيعي المُثبت يبلغ 285 تريليون قدم مكعبة، وهو رقم لا يقل كثيراً عن احتياطي الولايات المتحدة البالغ 310 تريليون قدم مكعبة.
وتضرب السعودية مثالاً على كيف يمكن أن يكون الكثيرون غير مدركين لفكرة أنَّ الشرق الأوسط هو بالفعل عملاقٌ نفطي (و) غازي.
يُطلَق على النظير المقابل لمنظمة الدول المُصدِّرة للنفط "أوبك" في مجال الغاز "منتدى الدول المُصدِّرة للغاز"، ويضم الكثير من أعضاء أوبك أنفسهم بالإضافة إلى روسيا. ومن اللافت كثيراً أنَّ السعودية ليست جزءاً من هذا التكتل. وأزعم أنَّ وجود هذا المنتدى، لاسيما في ظل تواصل ارتفاع الطلب على الغاز عالمياً بـ2-3% سنوياً، هو سببٌ إضافي يتعين أن يدفع الأمريكيين لدعم صادرات الغاز الطبيعي المُسال الأمريكية.
والواقع أنَّ الغاز الطبيعي لا يقتصر فقط على كونه وقوداً انتقالياً، بل هو بالتأكيد وقودٌ نهائي. فوفقاً لمجلة Oil Review Middle East، "وصلت إمدادات الغاز في العالم في 2018 إلى أعلى مستوى لها منذ عقدٍ من الزمن". ولا يمكن ببساطة تسليم سوق الغاز الآخذة سريعاً في الاتسام بالعولمة (عن طريق الغاز الطبيعي المُسال) إلى مُصدِّرين أكثر خطورة، غالباً ما تكون لديهم أهداف سياسية تتعارض -إن شئنا استخدام وصفٍ مُترفِّق- مع الأهداف الأمريكية.
ومن الأمثلة على ذلك أنَّ روسيا، المسؤولة بالفعل عن نحو 25% من صادرات الغاز في العالم، "تتطلَّع لبناء (جزيرة غاز طبيعي مُسال) لإمداد السوق الآسيوية المزدهرة".
الغموض مُتعمَّد بين بائعي الطاقة الرئيسيين
وأخيراً، يُظهِر الرسم البياني أدناه لِمَ الأمريكيون مضطرون في نهاية المطاف للتشكيك في البيانات الصادرة عن أوبك وروسيا، من حيث كمية الغاز التي 1) يسيطران عليها، 2) ينتجانها، 3) يستهلكانها. فمع أنَّ هذا الرسم البياني صادر عن شركة BP البريطانية، إلا أنَّ بياناته لم يُتحقَّق منها على نحوٍ مستقل، لأنَّها "أسرار دولة".
يقول جود كليمنتي معقباً على هذه النقطة: ففي السعودية، توضح التقارير الصادرة بشأن إنتاج الغاز والطلب عليه كل سنة أنَّهما "متطابقان تماماً". وبصفتي شخصاً يتابع إحصاءات الطاقة العالمية كجزءٍ من عملي منذ نحو 15 عاماً، أجد هذا مثار شك كبير.
وعلى الأرجح أنَّ هذا مثالٌ على آخر على الكيفية التي ترغب بها أوبك وروسيا في خلق غموضٍ يحيط بكمية النفط والغاز التي 1) يسيطران عليها، 2) ينتجانها، 3) يستهلكانها. فغياب الشفافية هذا يمنحهم قدرة عالمية أكبر، لأنَّ الآخرين يكونون مجبرين على تصديق بياناتهم.
بعبارة أخرى، وانتبهوا لهذه الصدمة التي سأقولها: هناك بعض الغموض المُتعمَّد المستمر بين بائعي الطاقة الرئيسيين العالميين: "هل تملك أوبك فعلاً مقدار النفط الذي تدَّعي أنَّها تملكه؟".