"السايح اللي عايز يروح يشتكي لسفارته يروح"، دوت تلك العبارة في أذهان نزلاء أحد فنادق منطقة "نزلة السمان" القريبة من أهرامات الجيزة (غرب القاهرة)، من قبل ضابط الشرطة المكلف بإخلاء الفندق تمهيداً لهدمه ضمن خطة إزالة بعض منازل المنطقة السياحية.
اشتبكت قوات الشرطة المصرية مع أهالي نزلة السمان، لرفضهم إخلاء منازلهم، التي تقول السلطات إنها مخالفة.
وإذا كان ما تم إزالته حتى الآن 4 منازل وعدة محلات تجارية فقط من المنطقة، التي توصف بالسياحية والأثرية إلا أن هاجس تهجير سكان منطقة ماسبيرو والوراق كان المسيطر على الأذهان، بل إن أبناء المنطقة الملاصقة لأهرامات الجيزة اعتبروا ما حدث ربما يكون مجرد بداية.
إزالة للمخالفات أم تمهيد الأرض للإمارات؟
بطبيعة الحال يغلب في تلك المواقف التفسير التآمري، إذ يعتقد أبناء نزلة السمان أن الإزالة لا علاقة لها بالتطوير، وأن هناك تسريبات قد وصلتهم من مسؤولين بمحافظة الجيزة بأن هناك استثمارات إماراتية قد تضخ في هذه المنطقة، وتحويلها إلى مزارات سياحية عالمية.
اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة نفى صحة إزالة جميع عقارات نزلة السمان، وقال إن 4 منازل فقط تم إزالتها كانت بحرم المنطقة الأثرية للأهرامات، ومخالفة لقوانين البناء والآثار وغير حاصلة على التراخيص اللازمة.
خوف أبناء المنطقة من إزالة منازلهم وتهجيرهم قسراً ليس وليد اللحظة، فالقلق من هذا المصير يعيشونه منذ 10 سنوات، حيث طرحت حكومة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك خطة لتطوير المنطقة، كانت تستهدف إزالة النسبة الأكبر من العقارات وتهجير ما يقرب من 320 ألفاً من سكان المنطقة إلى بقاع أخرى مجاورة.
ودائماً ما كان يتجدد الحديث حول تلك الخطة من حين لآخر، يقابله رفض أبناء المنطقة الذين ينتمي أغلبهم إلى عائلات كبيرة وعريقة، بعضها كان يمثل ركناً قوياً في دولة مبارك، وربما لعبوا دوراً في إيقاف عمليات الهدم والإزالة.
نزلة السمان والطموح الإماراتي
بعض رجال النخبة السياسية المصرية تقاسموا تخوفهم من الدور الإماراتي مع أبناء منطقة نزلة السمان، إذ اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور نادر فرجاني ما حدث من إزالة وإخلاء منازل المنطقة تنكيلاً بالمصريين والسياح، حتى تفوز الإمارات بالاستثمارات في حرم الأهرامات.
العصابة الإجرامية الحاكمة تنكل بالمصريين وبالسياح لتستولي الإمارات على حرم الأهرامات
ثار اهالي نزلة السمان ضد الاستيلاء علي منازل يقطنها مواطنين منذ عشرات السنين من اجل تفريغ المنطقه المحيطه بهضبة الاهرامات لصالح المستثمرين بالأمارات .— Nader FERGANY (@nfergany) January 23, 2019
ولعل ما يعزز احتمالية تهجير أبناء تلك المنطقة الحيوية لتمهيد المسرح للاستثمارات الإماراتية، في إحدى أهم المناطق الأثرية والسياحية، تصاعُد وتيرة استثمارات أبوظبي في مجال ما يسمى بتطوير أحياء القاهرة القديمة، أو الأحياء التاريخية للقاهرة الكبرى، عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، الذي أطاح فيه الفريق عبدالفتاح السيسي "حليف الإمارات" بالرئيس المحسوب على الإخوان المسلمين محمد مرسي.
إزاحة قطر وتركيا من الاستثمار في مصر
بدأ الاهتمام الإماراتي بأحياء القاهرة مع وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر، عقب ثورة يناير/كانون الثاني2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك من الحكم. وتعهد ولي عهد أبوظبي "المنزعج" من وصول الإخوان للحكم بدعم السيسي إذا اطاح بمحمد مرسي من الرئاسة.
تذهب بعض التفسيرات إلى أن سر الغضب الإماراتي من وصول الإسلاميين هو الاقتصاد، إذ حصل مرسي على وعود بدعم هائل من قطر وتركيا على وجه الخصوص، وذهبت تفسيرات إلى أن بعض المشروعات التي كان يعتزم مرسي تنفيذها ستؤثر سلباً على الاقتصاد الإماراتي، وعلى وجه التحديد جبل علي بدبي.
مع نجاح الانقلاب العسكري على مرسي، الذي دعمته أبوظبي بشكل صريح، أصبح الباب مفتوحاً على مصراعية للاستثمارات الإماراتية.
فعلى الفور وقّعت الحكومة المصرية والإمارات عقب الانقلاب اتفاقاً في أكتوبر/تشرين الأول 2013، تموِّل بموجبه الإمارات عدة مشروعات تنموية في مصر.
وبحسب الباحث أحمد مرسي، الذي نشر تحليلاً في موقع كارنيغي للسلام، ففي النصف الأول من عام 2014، وقّع الجيش عقداً لإقامة مشروعين إسكانيين مع شركات إماراتية، بمعزل عن المبالغ المالية الكبيرة التي تعهّدت حكومة الإمارات بتقديمها لمساعدة الدولة المصرية.
تم توقيع المشروع الأول في فبراير/شباط، عندما وقعت شركة إعمار مصر، وهي شركة تابعة لشركة إعمار العقارية في الإمارات، اتفاقاً مع وزارات الدفاع والإسكان والتنمية المحلية لبناء مشروع "إعمار سكوير"، كجزء من المشروع الإسكاني "أب تاون كايرو".
كيف حصلت الإمارات على مثلث ماسبيرو؟
تدخل رجال الأعمال الإماراتي محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية لتطوير مثلث ماسبيرو.
أخلت الحكومة منطقة مثلث ماسبيرو وهي منطقة سكنية تقع في منتصف القاهرة، وتفصلها أمتار قليلة عن نهر النيل، وعدة أمتار أخرى تفصلها عن ميدان التحرير، والمتحف المصري، ما يجعلها مثيرة للعاب أي مستثمر.
وتبلغ المساحة الإجمالية للمنطقة 84 فداناً، تشمل مبنى الإذاعة والتليفزيون ومقر وزارة الخارجية المصرية والقنصلية الإيطالية، بينما تصل المساحة المستهدف تطويرها إلى 51 فداناً، وسيتم تخصيص 10 أفدنة منها لبناء العمارات المخصصة للأهالي الذين يفضلون الاستمرار.
وتمتلك الدولة حالياً نسبة 10% فقط من مساحة المنطقة، في حين تخضع 25% من الأرض لملكية الأفراد. والمساحة المتبقية مملوكة لشركتين سعوديتين وشركتين كويتيتين بالإضافة إلى شركة إعمار الإماراتية (الأخيرة دخلت في شراكة مؤخراً)، وأيضاً لشركة ماسبيرو للتنمية العمرانية.
جزيرة الوراق أيضاً لم تسلم من الإزالات
على الجهة الغربية المقابلة لمنطقة مثلث ماسبيرو كانت هناك جزيرة الوراق، الواقعة في قلب النيل بمحافظة الجيزة المصرية، تواجه نفس مصير الإزالة الذي عاشه أبناء منطقة ماسبيرو.
اهتمام الشركات الإماراتية بجزيرة الوراق بدأ مبكراً ففي عام 2013 نشرت شركة "أر أس بي"، ما يفيد بتعاقدها مع الحكومة المصرية لتطوير الجزيرة كنموذج للتنمية المستقبلية في القاهرة، وظلت محاولات الحكومة لإخلاء الجزيرة مستمرة حتى 2018.
وتنظر الحكومة المصرية للجزيرة على أنها "محمية طبيعية في قلب النيل" ولا ينبغي أن يكون فيها أي سكان، ويرفض السكان عمليات الإزالة ويتصدون لها، الأمر الذي أدى إلى وقوع قتيل عام 2017 على الأقل وعدة مصابين، قبل أن تعلن الحكومة تأجيل تنفيذ قرار الإزالة لأجل غير معلوم.
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي عدة صور قالوا إنها لتصميم هندسي خاص بتطوير الجزيرة عقارياً، ويضم التصميم مباني شاهقة وميادين متطورة، علاوة على 4 جسور تربط الجزيرة بالبرين الشرقي والغربي.
وقد نشرت شركة أر إس بي الهندسية والتي تمتلك فروعاً في دبي ولندن وسنغافورة وعدة مدن كبرى أخرى على موقعها على شبكة الإنترنت بعض الصور لما وصفته "بتصميم مقترح" لتطوير جزيرة الوراق في القاهرة.
ويتمسك السكان بأرضهم ومنازلهم، ورفض محاولات إجبارهم على التنازل عنها، في إطار مخطط لتحويلها إلى مشروع استثماري ضخم، بشراكة بين الجيش ومستثمرين إماراتيين.
ويعيش نحو 140 ألف نسمة على مساحة تزيد على 1600 فدان، كون الوراق تعدّ أكبر جزيرة مساحة في مصر من مجموع 255 جزيرة على مستوى البلاد.
وتتواصل محاكمة 22 من أبناء الجزيرة، بعدما قررت محكمة مصرية قبل أيام، تأجيل القضية إلى جلسة في 26 يناير/كانون الثاني الحالي بناء على طلب محامي الدولة لتقديم مستندات جديدة.
وتهدف هذه الخطوة إلى إطالة أَمَد القضية لتفرض الدولة واقعاً جديداً على الأرض قبل صدور الحكم.