في مطلع ديسمبر/أيلول الماضي، فاجأ رئيس حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي معارض)، الرأي العام الجزائري، بتغريدة على تويتر يؤكد فيها "الاستعداد التام لقبول مقترح تأجيل الانتخابات الرئاسية بشروط معينة".
وارتفعت حظوظ التأجيل، بعدما طرح رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، الموالي للسلطة، عمار غول، مبادرة "عقد ندوة الإجماع الوطني"، وقال إنها ستخصص "لبحث التعقيدات الشائكة التي تعرفها البلاد وتحصنيها من التحديات الداخلية والخارجية، معتبراً "أنه لا مانع من تأجيل الرئاسيات".
وبعد ذلك بحوالي شهر وفي خطوة مفاجئة وقع الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، الجمعة 18 كانون الثاني/يناير 2019، مرسوماً رئاسياً يقضي، باستدعاء الهيئة الانتخابية تحسباً للرئاسيات المقبلة والتي حدد تاريخ 18 نيسان/أبريل 2018، لإجرائها.
وبذلك يكون بوتفليقة، قد رسم تنظيم الاستحقاقات التي أثارت لغطاً كبيراً، في موعدها القانوني، مسقطاً كل القراءات التي ارتبطت بالتأجيل والتمديد.
لكن استدعاء الهيئة الانتخابية لا يعني بالضرورة، وجود عهدة خامسة، والتي لن تتأكد إلا عند قيام بوتفليقة وبشكل رسمي بإيداع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية لدى المجلس الدستوري في الآجال المحددة بـ45 يوماً القادمة.
التأجيل والتمديد؟
الصحافة الجزائرية تعاطت بجدية كبيرة مع مبادرة عمار غول رئيس حزب تجمع أمل الجزائر، رغم أنه يحتل مرتبة متدنية في سلم التشكيلات الموالية للنظام والمؤثرة في القرار السياسي، وأعطت الانطباع أنه يقود بإيعاز فوقي (من رئاسة الجمهورية)، المبادرة التي يراد من خلالها تمرير خطة تأجيل الرئاسيات وتمديد فترة حكم بوتفليقة، ولم يفهم يومها لماذا لم تأت الخطوة من قبل الحزب الحاكم؟
ونقلت جريدة (لوسوار دالجيري)، في أحد تقاريرها عن مصادرها الخاصة التي تسميها غالباً "بالمصادر المؤكدة"، أن "الرئاسة قررت الذهاب نحو تعديل جزئي للدستور يسمح بإدراج بند تمديد العهدة الحالية لبوتفليقة لسنتين، وسيتم ذلك في منتصف كانون الأول 2019″، كون الدستور الحالي يتيح التمديد أو التأجيل في حالة "الحرب فقط".
أغلقت الجزائر سنة 2018، على وقع قراءات سياسية متضاربة، تتعلق بمستقبل الاستحقاقات الرئاسية المنتظرة في أبريل/نيسان 2019، حيث سادت تكهنات تجزم مرة بتأجيل الموعد المصيري وتؤكد تارة بتمديد العهدة الحالية لسنتين، وتفتح المجال في المقابل إلى الدور المنوط بالجيش في وضع مماثل.
تضاؤل أسهم العهدة الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، برز مع الإطاحة بالأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني (الأفلان) الحاكم، وتعويضه بمعاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، الذي اعتمد خطاباً مغايراً لسلفه تحدث فيه عن "استمرار برنامج الرئيس وليس حكم الرئيس"، ولم يأت أبداً على ذكر العهدة الخامسة ولو لمرة واحدة.
ونقلت جريدة (لوسوار دالجيري)، في أحد تقاريرها عن مصادرها الخاصة التي تسميها غالباً "بالمصادر المؤكدة"، أن "الرئاسة قررت الذهاب نحو تعديل جزئي للدستور يسمح بإدراج بند تمديد العهدة الحالية لبوتفليقة لسنتين، وسيتم ذلك في منتصف كانون الأول 2019″، كون الدستور الحالي يتيح التمديد أو التأجيل في حالة "الحرب فقط"، قبل أن يعود بوتفليقة ليتدخل في الوقت القاتل ويحسم الجدل بقرار تنظيم الانتخابات في وقتها المحدد.
حيرة مخبر الرئاسة؟
مع مطلع السنة الجديدة، اتضح أن خيارات التأجيل والتمديد، باتت سيناريو ضعيف التحقق، وتوقفت الأحزاب عن ترديد هذه التعويذة السياسية، التي لقيت استهجاناً شعبياً واسعاً وفهمت على أن عبثاً آخر بالدستور وقوانين الجمهورية "يعدلونه وقت ما يشاؤون ويخترقونه وقت ما يرغبون، مثلما حصل مع رئيس المجلس الشعبي الوطني السابق السعيد بوحجة الذي عزل بطريقة غير شرعية"، يقول يوسف محارقة، الناشط السياسي المعارض.
وقال يوسف لعربي بوست "إن الذي فكر في تغيير الدستور لمصلحته الخاصة ومن أجل الاستمرار في الحكم، خائن للشعب والوطن بالنسبة لي".
وفي مطلع كانون الثاني/يناير 2019، نفى عمار غول في ندوة صحفية أن يكون قد تحدث عن تأجيل الرئاسيات في مبادرته وقال إن "الانتخابات ستجرى في موعدها والقرار الأخير يعود لرئيس الجمهورية"، في تراجع لافت وضعه أمام سخرية الإعلام.
التخبط بين التأجيل والتمديد والعهدة الخامسة وفق المواعيد الدستوري أو الذهاب إلى مرشح آخر يختاره النظام، فهم على أنه تكتيك يعتمده مخبر رئاسة الجمهورية قبل الاستقرار على القرار النهائي.
فالتراجع المفاجئ عن فكرة التمديد يمثل "ضرراً معنوياً أقل بالنسبة للناقمين على تعديل الدستور من أجل التمديد لبوتفليقة، بينما سيكون باحترامه الآجال الدستورية للانتخابات وترشحه لعهدة خامسة وفي ذلك قد تفادى الإحراج القانوني رغم العارض الصحي" يعلق يوسف محارقة.
أويحيى يعارض التمديد لبوتفليقة
وشكل استدعاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للهيئة الانتخابية، ضربة موجعة لمن دعوا إلى التمديد والتأجيل في وقت سابق، لأنه يضرب في الصميم مصداقيتهم السياسية خاصة بالنسبة لأحزاب المعارضة التي تبنت المبادرة.
وفي محاولة لتبرير طرحه "مبادرة التوافق الوطني المبنية على التأجيل"، قدم رئيس حركة مجتمع السلم (الإسلامي) عبد الرزاق مقري، لأعضاء مجلس مسربة، وثيقة داخلية شرح فيها الأسباب وتفاصيل لقائه لشقيق الرئيس السعيد بوتفليقة.
وكتب مقري في الوثيقة التي سربت لجريدة الخبر أن "الصقور القديمة لجهاز المخابرات أو من يسمون بالدولة العميقة التي يقودها الفريق محمد مدين المدعو توفيق قائد الجهاز السابق وبعض أحزاب التيار الإسلامي أفشلت خطة التأجيل".
وقال مقري "بعدما ظهرت بوادر إمكانية تحقيق التوافق، تظافرت عوامل لإعاقة الخطة"، واعتبر أن دخول عمار غول على الخط "كان سيئاً جداً على مستوى الطبقة السياسية التي شككت في مصداقية خطة التأجيل واعتبرت أن تبني حزبه الموضوع دليل على عدم جدية السلطة وفقدان مصداقية وساطة حزبه.
وأضاف مقري أن "الوزير الأول أحمد أويحيى وما يعرف بالدولة العميقة أظهرا مقاومة للتأجيل، ليأتي على ذكر "شبكات المخابرات القديمة (جناح الجنرال توفيق) على مستوى الإعلام وبعض الأحزاب السياسية لكسر فكرة التأجيل، باعتبارها تمثل خطراً على مشروعهم لإنهاء عقد بوتفليقة بانتخاب رئيس جديد يكون لهم دور في اختياره وتسنده الدولة بالطرق التقليدية (التزوير)".
ويراهن الجناح المناوئ لبوتفليقة داخل منظومة الحكم، على العامل الصحي لطي صفحة حكمه، ويعتقد أن الحالة الصحية ازدادت سوءاً منذ سنة 2014، وبات صعباً عليه حتى أداء قسم اليمين الدستورية بصوت مسموع، كونه يتضمن 80 كلمة، والرجل لم يتكلم أمام العامة يوم تنصيبه في العهدة الرابعة.
حسم الأمر
في قلب الحراك المكثف بين الأجنحة المتصارعة على السلطة مع اقتراب الرئاسيات، استقر مخبر الرئاسة على خيار إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.
وقبل صدور المرسوم المتعلق باستدعاء الهيئة الانتخابية الجمعة 18 كانون الثاني/يناير 2019، أكد وزير الداخلية نور الدين بدوي أن "الإدارة الجزائرية على أتم الاستعداد لتنظيم الانتخابات الرئاسية وأن كل الإمكانيات المادية والبشرية سخرت لذلك".
وتنص المادة 136 من القانون العضوي المتعلق بالانتخابات الصادر سنة 2016، على أن تستدعى الهيئة الناخبة بموجب مرسوم رئاسي في ظرف 90 يوماً قبل تاريخ الاقتراع"، وتنص المادة 135 من ذات القانون على "إجراء الانتخابات الرئاسية في الثلاثين يوماً السابقة لانقضاء العهدة الرئاسية".
ونصب بوتفليقة رئيساً للجزائر للعهدة الرابعة على التوالي بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2014، وجرت الانتخابات بتاريخ 17 نيسان/أبريل من السنة ذاتها.
وقال الخبير في القانون الدستوري، صويلح بوجمعة لعربي بوست، أنه "لا يوجد ما يجبر رئيس الجمهورية على إصدار مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، في يوم محدد، والآجال الصارمة التي يحددها القانون هي أن تنظم الانتخابات في ظرف 90 يوماً بعد الاستدعاء".
وأوضح صويلح أنه "استناداً على موعد الانتخابات السابقة، يستدعي الرئيس بوتفليقة الهيئة الناخبة في 18 كانون الثاني/يناير 2019، أي في الآجال القانونية ولا يعني أن التأخر يومين أو ثلاثة أيام تجاوز للآجال الدستورية".
وأكد المتحدث أن مقترح تأجيل الانتخابات أو تمديدها يخضع لسند قانوني واحد يحدده الدستور وهو "حالة الحرب"، ولا توجد استثناءات أخرى.
وأضاف بوجمعة صويلح "أنه أمر بالغ الأهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها القانوني، مثلما كان عليه الحال دائماً، فالجزائر وفي أحلك ظروفها التزمت بالمواعيد الدستورية للانتخابات".
وشرح المختص في القانون الدستوري أنه بغض النظر عن رسائل الطمأنة للخارج، سيؤكد احترام موعد الاستحقاقات الرئاسيات دليل "أننا دولة ديمقراطية تحترم قوانينها وتشريعاتها"، داعياً "إلى تفادي الحسابات الضيقة وصراعات الأجنحة عما ينص عليه الدستور والقانون".
ويخول القانون بوتفليقة إصدار المرسوم المتعلق باستدعاء الهيئة الانتخابية بين 18 و25 كانون الثاني/يناير 2019.
واستدعى الرئيس الجزائري الهيئة الناخبة في الاستحقاقات الماضية، بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2014.
هذا ما سيؤكد أنه مترشح
وأمام تدهور الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، إلى درجة أن زكاماً حاداً صار يمنعه من استقبال ضيوفه من المسؤولين الأجانب، يصعب التكهن بما سيحدث قبل نيسان/أبريل 2019، ولن يشكل ترسيم إجراء الانتخابات في الموعد القانوني تأكيداً لعزمه على عهدة خامسة.
الشيء الوحيد الذي سيجعل من بوتفليقة مرشحاً رسمياً لخلافة نفسه، هو وضعه لملف ترشحه على مستوى المجلس الدستوري، خلال 45 يوماً الموالية لنشر استدعاء الهيئة الانتخابية وفق المادة 140 من قانون الانتخابات.
وحسب الصحفي المختص في الشأن السياسي الجزائري، عبد الوهاب بوكروح فإن "الرئاسيات القادمة ستجرى في موعدها وسيترشح بوتفليقة لعهدة خامسة لكنه سيفعل ذلك في آخر لحظة، لأنه يحب دائماً سياسة حسم الأمور في الوقت القاتل".
وقال بوكروح لعربي بوست أن "بوتفليقة سنة 2014، ترك آخر يوم للمهلة القانونية ليضع ملف ترشحه، محدثاً هزة كبيرة لدى منافسيه، وحدث ذلك في 03 آذار/مارس".