في قلب الحُكم الفعلي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هناك زمرة من المقربين أصحاب الثقة الذين يمارسون نفوذاً غير عادي يتناقض مع ألقابهم العامة.
ولكن مع إعادة الملك سلمان تأكيد مكانة نجله سعياً لاحتواء الأزمة الناجمة عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، فإنَّ هذه المجموعة هي الأكثر عرضة للتغيير في هياكل سلطة الديوان الملكي.
وبالفعل، أُعفيَ شخصٌ محوري في حاشية ولي العهد السعودي من منصبه، وهو سعود القحطاني، بعد تورطه في العملية المروعة التي أدت إلى قتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
والسؤال الآن هو: هل سنشهد التخلُّص من أشخاص آخرين في إطار محاولة الرياض تبرئة ساحة وريثها، البالغ من العمر 33 عاماً، من أي إدانة؟
هل تتم التضحية بأسماء أخرى بينما ترغب في أن يُنظر إليها على أنَّها تتخذ تدابير لمعالجة أوجه الخلل بنظامٍ شديد المركزية؟
Saudi crown prince's inner circle vulnerable to shake-up https://t.co/lL9E9tLcZF
— Financial Times (@FT) December 12, 2018
"الملك سلمان غاضب جداً لما حدث مع خاشقجي"
شخص مطلع على محادثات الملك الأخيرة قال لصحيفة The Financial Times، إنَّ "الملك سلمان غاضب جداً لما حدث مع خاشقجي"، مضيفاً أنَّ الملك العجوز يريد المزيد من التغييرات في حاشية ابنه المُفضَّل.
منذ عام 2015، خضعت جميع القضايا الاقتصادية والأمنية الرئيسية لمظلة المجالس التي تشكلت حديثاً برئاسة الأمير محمد، والتي تولت مسؤولية المؤسسات الحيوية، وضمن ذلك شركة النفط الحكومية "أرامكو"، وصندوق الاستثمارات العامة الذي يُمثِّل صندوق الثروة السيادية في البلاد.
ويريد تحجيم دور مستشاري بن سلمان ومن ضمنهم تركي آل شيخ
وتطورت في كنف ولي العهد عدة طبقات متداخلة من النفوذ، لكنَّها معرضة لخطر إعادة الترتيب من جانب الملك.
وقال سعوديٌّ آخر مطلع على شؤون الديوان الملكي، إنَّ التغييرات المتوقعة تشمل توزيع المهام الإعلامية والسياسية التي كان يضطلع بها القحطاني في السابق بين عدة مسؤولين آخرين.
وأضاف أنَّ من المرجح حلَّ مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، الذي كان يُشرف عليه القحطاني وكان يُستخدم في توجيه رسائل الرياض وتشكيلها.
وإلى جانب القحطاني، يوجد صديق ولي العهد المقرب تركي آل الشيخ، المستشار في الديوان الملكي ورئيس الهيئة العامة للرياضة، ضمن المجموعة الأكثر نفوذاً داخل حاشيته، على حد قول خبراء ومراقبين في الشأن السعودي.
الجميع حذِرٌ من هذه المجموعة المقربة لولي العهد
وكان الشخصان -القحطاني وتركي- اللذان يعدان أقرب مساعدي ولي العهد إليه، بمثابة ذراعيه، وكانا في طليعة حملة استهدفت النشطاء والمدونين ورجال الدين ورجال الأعمال الذين اعتُبِروا من منتقدي الحكومة.
وقال خبير في السياسة الاقتصادية السعودية: "على الرغم من افتقار سعود القحطاني إلى المعرفة الاقتصادية، كان يحظى بأفضلية على بعض الخبراء مثل [المستشار الاقتصادي] محمد آل الشيخ، لا سيما في القرارات ذات الأبعاد السياسية التي أثرت في عامة الشعب مثل خفض الإعانات أو إعادة جميع البدلات والمزايا المالية لموظفي الدولة".
وقال شخص آخر: "الجميع حذِرٌ بعض الشيء من الأشخاص المنتمين إلى هذه المجموعة، حتى لو كانوا لطفاء، لأنَّهم نافذون للغاية، وبعضهم قد يكون خطراً".
والملك ينشئ مركزاً إعلامياً جديداً لتلميع صورة المملكة
وفي إشارة إلى أنَّ التغييرات جارية بالفعل على قدم وساق، وافق الملك سلمان -الذي قاد صعود ابنه إلى السلطة- على إنشاء مركز جديد للتواصل والاستشراف المعرفي في الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018).
ويهدف المركز -كما ورد في الأمر الملكي- إلى "متابعة القضايا والظواهر التي لها تأثير على صورة المملكة، وتحليلها وتقديم المقترحات اللازمة للتعامل معها".
وقد يستحدث منصب مستشار الأمن الوطني
وهناك تغيير آخر متوقع، يتمثل في إستحداث منصب مستشار الأمن الوطني، الذي أُلغي بعد مدةٍ وجيزة من صعود الملك سلمان إلى العرش في عام 2015.
ويُعتقد أنَّ الأمير خالد بن سلمان، الشقيق الأصغر لولي العهد والسفير السعودي في واشنطن، هو المرشح الأول لهذا المنصب، وفقاً لما قاله الشخص المطلع على شؤون الديوان الملكي.
وأضاف آخرون أنَّ هذه الخطط ما زالت قيد المناقشة ويمكن أن تتغير.
حتى رجال الصف الثاني معرضون للتغيير
مجموعة ثانية في دائرة المُقرَّبين من ولي العهد تضم مسؤولين لديهم أقدامٌ راسخة في الحكومة والديوان الملكي.
وتضم هذه المجموعة محمد آل الشيخ، وزير الدولة الذي يعتبره الكثيرون المستشار الاقتصادي الرئيسي للأمير محمد؛ وياسر الرميان، المدير الإداري لصندوق الاستثمارات العامة والمصرفي الخاص لولي العهد؛ وأحمد الخطي، الذي شغل منصب وزير الصحة مدةً وجيزة ويرأس الآن الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وهي شركة دفاع أنشأها صندوق الاستثمارات العامة.
ولعل أبرز مؤشر على الثقة التي وضعها الأمير محمد في هذا الثلاثي، أنَّهم جميعاً أعضاء في اللجنة التنفيذية لصندوق الاستثمارات العامة المكونة من 6 أعضاء، تحت رئاسة ولي العهد.
والحملة ضدهم تدفعهم للتنافس لإثبات جدارتهم أمام الملك الغاضب
بينما تضم مجموعةٌ ثالثة من مستشاري الأمير محمد بن سلمان أشخاصاً تكنوقراطيين محنَّكين مثل خالد الفالح ومحمد الجدعان وعادل الجبير، وزراء الطاقة والمالية والخارجية على الترتيب، الذين غالباً ما يُمثِّلون الواجهة العامة لسياسات الأمير الشاب الداخلية والخارجية.
لكن على الرغم من خبرتهم وأهميتهم، "لا يُشرَكون في بعض المحادثات"، حسبما قال شخصٌ آخر مطلع على شؤون الديوان الملكي.
فعلى سبيل المثال، عندما شنَّ الأمير محمد حملة مناهضة للفساد، لم يكن بعض الوزراء على دراية بما حدث للمحتجزين، على حد قول هذا الشخص.
ودفع توقُّعُ إجراء تعديل وشيك كبارَ المستشارين والمسؤولين إلى التزاحم على تأكيد نفوذهم ودرء منافسيهم في الديوان الملكي.
وقال مسؤولٌ سابق: "بغضّ النظر عن مدى أهليتهم -وكثير منهم مؤهلون- فهم ينخرطون دائماً في شؤون سياسية تتجاوز قدراتهم".