يبدو أن أكبر ما حققته زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان إلى الجزائر، يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول 2018، هو "الخيبة" لكلا الطرفين.
فالزيارة التي جرى على هامشها اجتماع لمجلس الأعمال المشترك لأغنى دولتين في العالم العربي، توجت بتوقيع مشاريع ثنائية "لا تتعدى قيمتها الـ100 مليون دولار"، أبرزها إنشاء مصنع "للورق الصحي" بمبلغ 20 مليون دولار.
ولم يحظ ولي العهد السعودي بأية دقيقة مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تحجج بنوبة "إنفلونزا حادة" منعته من استقبال ضيفه، وهو العذر الذي رأى فيه البعض ذريعة مفتعلة من طرف الرئيس الجزائري تفادى من خلالها منح نقاط سياسية للأمير.
أقل من زيارة
ولم تكن زيارة محمد بن سلمان إلى الجزائر من حيث الشكل، في مستوى بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية، الذي تحدث عن "زيارة تدوم يومين كاملين".
ففي ساعة متأخرة من ليلة الأحد/ الإثنين، وصلت طائرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مطار الجزائر الدولي هواري بومدين، قادمة من موريتانيا، وكان في استقباله الوزير الأول أحمد أويحيى وعدد من الوزراء.
واجتمع أويحيى بمحمد بن سلمان، مرتين أمام عدسات الكاميرا، الأولى بالقاعة الشرفية الرئاسية للمطار، والثانية بمقر إقامة ولي العهد السعودي، ولم تجر أية لقاءات بمقرات المؤسسات الرسمية الجزائرية الأخرى كقصر الحكومة أو قصر الرئاسة أو مقر إقامة الرئيس بوتفليقة بزرالدة غرب العاصمة.
ما جعل حلول ولي العهد السعودي بالجزائر أقرب إلى "التوقف التقني" قبل مواصلة رحلته الطويلة من الأرجنتين حيث حضر اجتماع العشرين إلى بلاده، ومنه إلى الزيارة الدبلوماسية المتعارف عليها.
وباستثناء نصب العلمين الجزائري والسعودي جنباً إلى جنب على أعمدة الطرقات الرئيسية في العاصمة، لم يلفت تواجد محمد بن سلمان في الجزائر أي انتباه، ولم يساهم في تعطيل حركة السير مثلما يحدث في زيارات قادة دول أجنبية أخرى، فالرجل المثير للجدل وصل في جنح الليل وغادر سريعاً، خاصة بعدما تأكد من استحالة لقاء الرئيس بوتفليقة المنهك صحياً.
استثمارات في ورق المراحيض
قالت الرئاسة الجزائرية في بيان إعلان زيارة محمد بن سلمان أنها "ستسمح بإعطاء دفع جديد للتعاون الثنائي وتجسيد مشاريع الشراكة والاستثمار وفتح آفاق جديدة لرجال الأعمال من أجل رفع حجم التبادل التجاري وتوسيع الشراكة الاقتصادية بين البلدين".
واعتُقد أن الجانب الاقتصادي سيأخذ حصة الأسد من خلال انعقاد الدورة 14 لمجلس الأعمال الجزائري-السعودي، مع إبرام اتفاقيات استثمار تعكس الثراء النفطي للبلدين.
وقال الوزير الجزائري الأسبق للاستشراف والتخطيط بشير مصيطفى، إن الجزائر والسعودية "اتفقتا في الرياض شهر أبريل/نيسان 2018 على 3 مشاريع تتعلق بالاستثمار والتقييس والتعاون النفطي. لكن كل ذلك بقي حبراً على ورق".
وأضاف مصيطفى لـ "عربي بوست" أن قدوم ولي العهد السعودي قد يشكل "فرصة لتجسيد المشاريع المتفق عليها وفتح الأبواب أمام استثمارات بينية لدفع الطموح ببناء اقتصاد خارج قطاع المحروقات لكلا البلدين".
وأكد أن المبادلات التجارية بين الجزائر والرياض ضعيفة جداً، "إذ ستقفل سنة 2018، على 600 مليون دولار فقط أغلبها صادرات سعودية اتجاه الجزائر، بينما لا تبيع الأخيرة سوى 30 مليون دولار من منتجات زراعية".
وفي الوقت الذي نقلت فيه وكالة الأنباء الجزائرية، عن رئيس الغرف التجارية السعودية، سامي العبيدي تصريحه "بضرورة رفع حجم الشراكة الاقتصادية بين المملكة والجزائر إلى 10 مليارات دولار، لأن الأمر يتعلق بأغنى دولتين في المنطقة العربية"، كان للميدان رقم آخر. إذ اختتم لقاء الأعمال، بالتوقيع على مشاريع لا يتعدى حجم استثماراتها 120 مليون دولار، تتعلق كلها بإنشاء وحدات لإنتاج الأدوية، العصائر، ومواد كيماوية، إضافة إلى مشروع إنتاج الورق الصحي بقيمة 20 مليوناً والذي أطلق عليه الجزائريون "مصنع ورق المراحيض".
الزيارة فاشلة اقتصادياً
وعلق الصحافي المتخصص في الشأن الاقتصادي، عبد الوهاب بوركوح، على النتائج الاقتصادية لزيارة محمد بن سلمان إلى الجزائر قائلاً: "لقد كانت فاشلة ومخيبة".
وأوضح بوكروح لـ "عربي بوست" أن المواقف السعودية في سوق النفط الدولية "سببت غبناً للجزائر"، التي تبقى بحاجة إلى 95 دولاراً كمتوسط سعر لبرميل النفط من أجل تحقيق توازن في ميزانيتها العامة، بعد العجز الكبير الذي أصابها بسبب تهاوي أسعار النفط.
وأضاف: "السعودية كان يمكن لها أن تعوض قراراتها داخل منظمة أوبك، بضخ استثمارات كبيرة في قطاعات جزائرية معدومة المخاطر، كالبتروكيمياء والصناعة الدفاعية كي تساهم في خلق مناصب الشغل وتوفير رأس المال الأجنبي للحكومة الجزائرية".
واعتبر بوكروح أن كلاً من هذه الأشياء لم تحدث في اجتماع رجال الأعمال على هامش زيارة محمد بن سلمان، مضيفاً أن رقم 100 مليون دولار "استثمار هزيل جداً ولا يرقى أبداً إلى شراكة جادة".
من جانبه، كتب مدير جريدة الحوار الجزائرية محمد يعقوبي ساخراً من زيارة محمد بن سلمان إلى الجزائر قائلاً: "أهم شركة سعودية مرافقة لولي العهد هي شركة صناعة الورق الصحي (ورق المراحيض) وقيمة المشروع لا تتجاوز 20 مليون دولار وهو غلاف مالي قد يساوي تكلفة إقامة الأمير والوفد المرافق له في الجزائر! بل يمكن لهذا المبلغ أن يمنحه أبسط بنك في الجزائر كقرض لأبسط مستثمر".
واستنكر يعقوبي القيمة الإجمالية للاستثمارات السعودية في الجزائر مقارنة بتونس التي استفادت من 5.8 مليار دولار في زيارة لم تستغرق ساعتين".
أهم شركة سعودية مرافقة لولي العهد هي شركة صناعة الورق الصحي (ورق المراحيض) وقيمة المشروع لا تتجاوز 20 مليون دولار وهو…
Gepostet von Mohamed Yagoubi am Montag, 3. Dezember 2018
وعلقت الصحفية الإلكترونية ألجيري بارت، على نتائج زيارة ولي العهد السعودي في مقال عنونته "المليارات لتونس والفتات للجزائر".
بوتفليقة تفادى محمد بن سلمان
على الصعيد السياسي، كان مبرمجاً في الزيارة أن يستقبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن مصالح الرئاسة أرسلت بيانا للصحافة تؤكد فيه "أن الرئيس يعتذر عن استقبال محمد بن سلمان بسبب زكام حاد".
لم يصدق العارفون بخبايا السياسة في الجزائر حجة "الزكام"، لأنه وفي صبيحة اليوم ذاته، بعث بوتفليقة برسالة طويلة للمشاركة في ملتقى للقرآن بولاية وهران الواقعة غرب البلاد، حذر فيها من "المذاهب الدينية المستوردة من الخارج وحث على ضرورة التمسك بالمرجعية الدينية الجزائرية القائمة على مذهب الإمام مالك".
وعلى رأس التيارات الدينية التي تنظر إليها الجزائر بعين الريبة هو "التيار السلفي الوهابي" القادم من السعودية.
الربط بين فحوى الرسالة وبيان التعذر عن الاستقبال، يقود إلى قراءة مفادها أن "بوتفليقة رفض استقبال محمد بن سلمان تجنباً للحرج أمام الرأي العام الوطني والدولي الذي يرى في ولي العهد السعودي مسؤولا عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي بمقر القنصلية السعودية بإسطنبول بطريقة بشعة"، حسب الإعلامي عباس ميموني.
مشكلة البترول
وقال ميموني لـ "عربي بوست" إن بوتفليقة لا يريد أن "يمنح نقاط سياسية مجانية لابن سلمان قصد تبيض صورته"، خاصة بعد إخلال السعودية باتفاق الجزائر لدول الأوبك سنة 2018، ورفعها الإنتاج إلى ما فوق 11 مليون برميل يومياً شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ما أدى إلى سقوط حر للأسعار من 84 دولاراً للبرميل إلى 54 دولاراً للبرميل "بسبب اعتبارات سياسية محضة"، على حد تعبيره.
ويسبب انخفاض أسعار النفط مشاكل اقتصادية كبيرة للجزائر، حيث صرح الوزير الأول أحمد أويحيى الأسبوع الماضي، بأن "البلاد مقبلة على مرحلة صعبة سنة 2019".
ورأى خبير العلاقات الدولية، د.مصباح مناس، أن "زيارة محمد بن سلمان إلى الجزائر كانت تهدف إلى تصدير الأزمة الداخلية للسعودية وتحسين صورة ولي العهد الذي يمر بمأزق حقيقي عقب قضية اغتيال خاشقجي".
ويعتمد بوتفليقة في السنوات الأخيرة على التعامل المباشر مع الملك سلمان بن العزيز، من خلال إيفاد مبعوثين شخصيين هما وزير العدل الطيب لوح أو مستشاره الخاص الطيب بلعيز، إلى السعودية يحملان رسائله ويسلمانها إلى يد الملك، عندما يتعلق الأمر بمواضيع استراتيجية بين البلدين.