قال الكاتب والعالم السياسي ريكارد غونثاليس إن إعلان الحكومة المصرية في نهاية سبتمبر/أيلول 2018، عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بعد الارتفاع التدريجي في إنتاج الغاز الطبيعي في العام الماضي، جعل مصر تستغني عن استيراد كميات ضخمة من الغاز المسال لمدة أربعة أعوام، وهو عبء أرهق الخزينة المصرية التي تعيش على وقع أزمة حادة.
ومع ذلك، فوفق ما قاله ريكارد غونثاليس في مقالته التي نشرتها صحيفة El Pais الإسبانية. فإن الحكومة المصرية تعتبر أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز مرحلة فقط على سلم طموح الرئيس المصري، في أن تصبح مصر قوة إقليمية في مجال الطاقة. وتستبشر القاهرة خيراً من مواقع الغاز التي تم اكتشافها حديثاً، وتعمل على العثور على مواقع أخرى خلال عمليات التنقيب الجارية، فضلاً عن الاتفاقيات الموقَّعة مع إسرائيل وقبرص، للعمل كوسيط في تصدير الغاز إلى أوروبا. يأتي ذلك في الوقت الذي بدأت تحوم فيه بعض الشكوك حول هذا المشروع.
حقل ظهر فرصة ذهبية للحكومة المصرية
وقال ريكارد غونثاليس، يعد "حقل غاز ظهر" الاكتشاف الذي مثل فرصة ذهبية للحكومة المصرية من أجل انتعاشة الاقتصاد، حيث اكتشفته شركة ENI الإيطالية عام 2015، ويعتبر أكبر حقل غاز في البحر الأبيض المتوسط بأكمله. وتشير التقديرات إلى أن هذا الحقل قادر على استيعاب احتياطيات من الغاز تبلغ 850 مليار متر مكعب، وهي كمية مماثلة لباقي الاحتياطيات المتبقية في الآبار المصرية.
وبفضل استغلال حقل غاز ظهر منذ نهاية العام الماضي، انتقل الإنتاج المصري من الكمية المحدودة البالغة 114 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، التي تم إنتاجها نهاية عام 2016، إلى نحو 168 مليون متر مكعب.
ويخشى بعض المراقبين من تكرار نفس السيناريو الذي حدث في بداية القرن 21. ففي تلك الفترة، أعلن نظام حسني مبارك، وسط ضجة كبيرة، اكتشاف العديد من حقول الغاز التي تجعل من البلاد مُصدّرةً لهذه المادة. مع ذلك، وخلال السنوات التي تلت هذا الإعلان، ارتفع الاستهلاك الداخلي. وبعد فترة وجيزة من ثورة عام 2011، اضطرت مصر إلى وقف بيع الغاز إلى خارج البلاد، الذي كان موجهاً بشكل رئيسي إلى إسرائيل والأردن ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
أفادت ميشيل دون، الخبيرة في مؤسسة Carnegie Endowment، أن "السوق المحلية المصرية كانت قادرة على استيعاب الزيادة في الإنتاج في الماضي، لذلك ليس من المرجح أن تصبح مصر دولةً مصدّرة". ولا أحد يعلم على وجه التحديد حجم النمو في الطلب الداخلي على هذا المنتوج، لأنه إذا توفر قدر أكبر من الغاز الطبيعي فإن العديد من الشركات يمكن أن تغير مصدر طاقتها.
ويتم استعمال 65% من الغاز المخصص للاستهلاك المنزلي لإنتاج الكهرباء، لكن جزءاً كبيراً من مراكز توليد الكهرباء ما زال يستخدم المازوت، وهو وقود شديد التلوث ومنخفض الجودة، يمكن استبداله بالغاز الطبيعي.
وقد أوضح إدوارد جاردنر، المحلل في مركز Focus Economics أنه "في عام 2017، زاد الطلب على الكهرباء بنسبة 14%، كما أن هذا الطلب المتنامي لا يمكن ضبطه في وقت قريب، بالنظر إلى النمو السكاني والاتجاهات الاقتصادية للبلاد".
وتعتمد مصر على إسرائيل في ملف الغاز
ريكارد غونثاليس قال إن مصر تعتمد بشكل كبير على الاتفاقيات التي أبرمتها مع إسرائيل خلال فبراير/شباط، ومع قبرص في أكتوبر/تشرين الأول، مضاعفة قدرتها التصديرية، وقد استفادت هاتان الدولتان أيضاً من الاكتشافات الطاقية في منطقة شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة.
ولأسباب لوجستية، يعتبر من مصلحة إسرائيل وقبرص ضخّ الغاز إلى الساحل المصري، حيث تتمركز محطتان كبيرتان لتسييل الغاز، إحداهما تابعة لشركة Unión Fenosa الإسبانية متعددة الجنسيات.
عموماً، لا يمكن تخزين الغاز، وإذا لم يتم تصديره عبر أنابيب الغاز فلا يمكن تخزينه إلا عبر عملية التسييل. وقد تم التخطيط لكل تفاصيل المشروع، حيث تبدأ إسرائيل بتصدير الغاز إلى مصر بالفعل في يناير/كانون الثاني، بينما تشرع قبرص بذلك في عام 2020، بعد بناء خط أنابيب جديد للغاز الذي يربطهما بمصر، لتصدير الغاز لمحطات الإسالة المصرية، ومن ثم يعاد تصديره من جديد إلى إسرائيل وقبرص.
جهاز المخابرات هو المستفيد من صفقات الغاز
وحسب ريكارد غونثاليس، يرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في هذه الصفقة التجارية مع إسرائيل إنجازاً سيجلب الكثير من الرخاء الاقتصادي لمصر. في المقابل، سلَّط حسام بهجت عبر تحقيقه الصحافي لصالح الصحيفة الرقمية "مدى مصر"، الضوءَ على الشكوك التي تحوم حول فوائد هذا المشروع.
وقد أفاد حسام بهجت خلال مكالمة هاتفية أن "فوائد المشروع لن تذهب إلى ميزانية الدولة، بل إلى شركة غامضة تملكها أجهزة الاستخبارات التي ستشتري وتبيع الغاز". وأضاف بهجت: "سيكون الثمن الذي ستدفعه مصر مقابل الغاز الإسرائيلي أكبر من ذاك الذي يدفعه المستهلكون الأوروبيون، لذلك سيكون من الصعب تصديره. وربما تتمثل المنفعة الأولى بالنسبة لمصر في نجاتها من دفع غرامات بملايين اليوروهات، لأنها أخلّت ببعض العقود في الماضي".
لم يكن الهدف من الصفقة المصرية السابقة التي أُبرمت في العقد الأول من القرن الـ21 تحسين وضع المواطن المصري، في ظل الأزمات التي يعيش على وقعها. وفيما بعد نجح العديد من الوسطاء المقربين من الديكتاتور حسني مبارك على غرار الملياردير حسين سالم، في جمع ثروة حقيقية بفضل ممارساتهم الفاسدة.
أما في الفترة الراهنة، فسيكون واحد من الأجهزة الأمنية هو المستفيد الأكبر من الصفقة المصرية بقيادة السيسي، وهي حقيقة تتماشى مع التوسع الكبير لرقعة الأنشطة الاقتصادية للجيش منذ الانقلاب في عام 2013.
أفادت ميشيل دون أنه "في حال أصبحت مصر قطباً اقتصادياً، فستوفّر فرصَ عمل جديدة، لكنها ستكون محدودة". وبالإضافة إلى مسألة التأثير الاقتصادي، كما هو الحال دائماً، تؤثر معادلة الطاقة على التوازن الجيوستراتيجي في المنطقة، كما أن الاتحاد الأوروبي مهتم للغاية بتطوير سوق الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، للتَّخفيف من اعتماده على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، نظراً لتزايد التوترات مع أوكرانيا.
من جانبها، ترى إسرائيل أن مشروع الغاز الذي يجمعها مع مصر فرصة ممتازة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، مثلما استخدمت فزّاعة التوسع الإيراني في سبيل انفتاحها على دول الخليج العربي. وعلى الرغم من أن مصر أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1979، التي تجلت في اتفاقية كامب ديفيد، إلا أن علاقتها مع إسرائيل وُصفت بأنها "سلام بارد".
وتعتقد القاهرة أن الطاقة أداة لتعزيز وضعها كقوة إقليمية (يقوّضها انعدام الاستقرار الداخلي بعد الثورة)، بالإضافة إلى توثيق علاقاتها مع أوروبا. لكن وفقاً لميشيل دون، من الواضح أن التوترات بين دول المنطقة: تركيا وقبرص ولبنان، فضلاً عن مصر وإسرائيل، لا تسمح بإنشاء سوق غاز إقليمية مستقرة.
وأضافت دون أنه يبدو من غير المحتمل أن يتغير دور مصر في المنطقة، وهو أمر مهم، لكنها لم تعد تلعب دوراً حاسماً كما في العقد الماضي. وبعد التوسع الذي شهدته قناة السويس، وبناء عاصمة جديدة في الصحراء، يحلم السيسي الآن بفوائد الغاز الطبيعي.