قال جيمس دروسي الأكاديمي في كلية راجارتنام للدراسات الدولية بسنغافورة والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إنه في الوقت الذي تستمر فيه جولة ولي العهد السعودي في الدول العربية -سيزور موريتانيا الأحد 2 ديسمبر/ كانون الأول الجاري وسيزور الجزائر في 6 ديسمبر / كانون الأول الجاري- تهدف الدبلوماسية السعودية لتحقيق هدفين: وضع قتل الصحافي جمال خاشقجي وراء ظهرها، و إحباط الجهود القطرية للاستفادة من مأزق المملكة.
وتؤدي الحملة السعودية، على نحوٍ متوقع، إلى نتائج مختلطة. إذ يَثبُت أنَّها ناجحة مع الدول المستعدة لدعمها من أجل الحصول على مكاسب سياسية أو مالية أو اقتصادية، مثل البحرين ومصر وتونس وفلسطين، أو دول مثل الإمارات وروسيا والصين التي تشارك السعودية قِيَمها السلطوية غير الليبرالية، حسبما قال جيمس دروسي في مقالته التي نشرها موقع Lobe Log الأميركي.
علاقات السعودية بالغرب يشوبها الغموض
جيمس دروسي، يضيف، إن علاقات الأمير محمد بن سلمان والمملكة مع الدول الغربية، حتى تلك التي اختارت الحفاظ على العلاقات الوثيقة في مواجهة الانتقادات المتصاعدة في برلماناتها مثل الولايات المتحدة، غير واضحة برغم تجاوزها للعاصفة حتى الآن.
فعلى سبيل المثال، في ظل استعداد الكونغرس لإجراءٍ محتمل ضد السعودية، ليس فقط بسبب قتل خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في سفارة المملكة في إسطنبول لكن أيضاً بسبب الأزمة الإنسانية التي أثارها التدخل العسكري السعودي في اليمن، لم يلتق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمير محمد بن سلمان وجهاً لوجه في قمة العشرين بالأرجنتين
ومع أنَّ قرار ترمب قد يُنظَر إليه باعتباره صفعة علنية، فإنَّه لا يشير إلى تراجع الرئيس عن عزمه حماية العلاقات الأميركية السعودية وولي العهد السعودي من التداعيات المحتملة لقتل خاشقجي.
وبالمثل، مضت بريطانيا قدماً هذا الأسبوع في تدريبات مشتركة لسلاحي الجو البريطاني والسعودي، مع أنَّ المملكة المتحدة تركت الباب مفتوحاً أمام إمكانية فرض عقوبات في حال ثَبُت أنَّ عملية القتل كانت بموافقة حكومية وليست عملية نفذها عملاء مارقون.
السعودية في فلسطين والعراق
ويرى جيمس دروسي الأكاديمي في كلية راجارتنام للدراسات الدولية بسنغافورة والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أنَّ أحد أوجه التركيز الرئيسية للحملة السعودية يتمثَّل في فلسطين والعراق، وهما بلدان ليسا على قائمة الدول التي سيزورها محمد بن سلمان، لكنَّهما بلدان تستعد فيهما قطر -التي تقاوم مقاطعةً اقتصادية ودبلوماسية تقودها السعودية والإمارات منذ 18 شهراً- للاستفادة من أزمة خاشقجي، ويبرزان بوضوح في مخططات ترمب للشرق الأوسط.
فقالت السعودية هذا الشهر إنَّها حوَّلت 60 مليون دولار إلى السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، والتي تعاني ضائقةً مالية نتيجة قطع إدارة ترامب مساعدات بقيمة مئات الملايين من الدولارات كانت تُقدَّم للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلطسينيين (أنروا) التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين.
جاء استئناف التمويل السعودي بعد عدة بيانات فلسطينية في الشهرين الأخيرين تدعم تأكيد المملكة أنَّها لم توافق على قتل خاشقجي وتُعبِّر عن الثقة في قدرة القضاء السعودي على تطبيق العدالة بحق الجناة.
وكانت السعودية، في ما يبدو بناءً على طلب الأمير محمد، قد حجبت في وقتٍ سابق الأموال المُقدَّمة للسلطة الفلسطينية بسبب رفض الأخيرة التعامل مع الولايات المتحدة بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل ودعم السلطة الفلسطينية القيادة التركية في حشد المعارضة الإسلامية للسياسة الأميركية.
يتماشى استئناف التمويل كذلك مع تدخُّل الملك سلمان العام الماضي وإصراره على أنَّ المملكة ملتزمة بالحقوق الفلسطينية، بما في ذلك إعلان القدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية.
تزامن ذلك أيضاً مع موافقة إسرائيلية على دخول 150 مليون دولار من قطر إلى غزة، الخاضعة لسيطرة حركة حماس الإسلامية، في محاولة لتخفيف التأثير التعجيزي للحصار الإسرائيلي المصري على القطاع ومنع خروج التوتر بين إسرائيل والحركة عن السيطرة.
وبعيداً عن التصدي للنفوذ القطري الآخذ بالاتساع، فإنَّ التحرُّك السعودي على الأرجح سيزيد تأثير المملكة عند الضغط على السلطة الفلسطينية للتراجع عن رفضها القبول بخطة سلام إسرائيلي فلسطيني مقترحة لم تُعلَن حتى الآن لكنَّها قد تُولد ميتة دون المشاركة الفلسطينية.
تنافس السعودية قطر على النفوذ في العراق
بالمثل، تتنافس السعودية وقطر على النفوذ في العراق، الذي يمثل ساحة معركة أخرى مهمة لكلٍ من الولايات المتحدة والمملكة بسبب العلاقات الوثيقة بين العراق وإيران.
فتردَّد كبار المسؤولين السعوديين والقطريين على بغداد في الأسابيع الأخيرة، في الوقت الذي يُشكِّل فيه رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي حكومته ويدفع بخطة اقتصادية تنموية طموحة تعتمد على الاستثمار الأجنبي.
ومع أنَّ العراق على الأرجح سيوازن علاقاته بين المتنافسين الخليجيين، فإنَّه أيضاً لن يُعكِّر علاقته الآخذة في الازدهار مع المملكة بالحديث عن قضية خاشقجي.
وذهب جيمس دروسي في مقاله، إلى أن الأمير محمد بن سلمان أثبت في الأيام الأخيرة أنَّه ليس شخصاً غير مرغوب به في كل مكان بالعالم، برغم الاحتجاجات التي شهدتها تونس –الدولة الوحيدة في جولة ولي العهد التي لم تقمع حرية التعبير بوحشية- ومطالب خرجت تطالب الأرجنتين بمحاكمة ولي العهد على جرائمه بحق اليمن وجمال خاشقجي.