صرَّح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في بيانٍ ألقاه يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بأن العلاقات الأميركية-السعودية لن تتأثر بواقعة مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وذلك من أجل "ضمانة مصالح بلادنا وإسرائيل وكل الشركاء الآخرين في المنطقة".
في ظلِّ ظروف أخرى، كان لهذا البيان أن يضع الحكومة الإسرائيلية في موقفٍ مُحرِج.
بيد إسرائيل نفسها رحبت بالتعليقات، في حين لم ينكر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلحاحه على ترامب برعاية استقرار المملكة السعودية، رغم عملية القتل الشنيعة التي تعرض لها الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.
هذا ما توصل إليه الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي ومحافظ مدينة رمات غان، تسفي بارئيل، بمقال رأي له على صحيفة Haaretz الإسرائيلية، الأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
"هذان البرجان التوءمان يغنّيان على اللحن نفسه"
يقول بارئيل: "لا يحتاج التوافق في العلاقة بين ترامب ونتنياهو أدلةً للبرهنة عليه. فعندما يتعلَّق الأمر بالشرق الأوسط، خاصة إيران والقضية الفلسطينية، فليس ثمة اختلافٌ في الموقف بين نتنياهو وترامب".
ويضيف: "هذان البرجان التوءمان يغنّيان على اللحن نفسه وعندما يتعلَّق الأمر بالفضيلة، بالطبع ليس ثمة ما يُقال".
حتى الآن لم تقطع أي دولة علاقاتها مع السعودية
يتعرَّض الصحافيون للقتل في العديد من الدول التي تحتفظ بعلاقاتٍ ممتازة مع الولايات المتحدة، بل وبعضها لديها علاقات مع إسرائيل أيضاً، على حد قوله.
لا أحد يُصِرُّ على أن تدين واشنطن السعودية بالضلوع في عددٍ كبير من عمليات القتل كل عام، لدرجةٍ جعلتها تتفوَّق على جارتها إيران في العدد.
ويشير بارئيل إلى أنه لم تعلن أيُّ دولة من الدول "حاملة لواء الفضيلة وحقوق الإنسان" كما وصفها، حتى في أوروبا، قطع علاقاتها مع الرياض، أو حتى فرضت عقوبات على القتلة الذين شاركوا في عملية الذبح النكراء بإسطنبول.
ترامب ونتنياهو يستخدم أحدهما الآخر تارة دعماً.. وتارة تبريراً
تشبه العلاقات التي تجمع بين نتنياهو وترامب تلك التي تجمع بين لصّين، بحسب تعبيره.
يستخدم نتنياهو، ترامب حيناً لتدعيم سياساته، ويستخدم ترامب، نتنياهو في حينٍ آخر لتبرير مواقفه.
وفي هذه المرة، حان دور إسرائيل لتقدم مَخرجاً لواشنطن من مأزق الصدام مع المملكة السعودية.
واعتبر بارئيل أن ما خلصت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأن ولي العهد، محمد بن سلمان، لم يكن فقط على علمٍ بشأن عملية الاغتيال، بل هو من أمر بتنفيذها- جاء بمثابة قنبلةٍ كبيرة وُضِعَت على عتبة ترامب.
وكان قبول الاستنتاج الذي توصَّلَت إليه وكالة الاستخبارات المركزية من الممكن أن يُفسِد صفقة شراء الأسلحة السعودية مع الولايات المتحدة، التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، ويُقوِّض العقوبات المفروضة على إيران.
وحتى الآن حصدت أميركا 14.5 مليار فقط وفق تقرير نشرته CNN.
إذا ما قرَّرت السعودية، رداً على ذلك، العزوف عن سد العجز في إنتاج النفط الذي من المُرجَّح أن ينجم عن فرض العقوبات، فسيؤدي ذلك إلى زياداتٍ جامحة في أسعار النفط.
110 مليارات دولار ثمن باهظ مقابل خاشقجي.. برأي ترامب
من وجهة نظر ترامب، سيكون هذا الثمن باهظاً للغاية مقابل مقتل صحافي.
تسرَّع ترامب وفَرَضَ عقوباتٍ على 17 سعودياً مشتبه بهم في التورُّط بعملية القتل، لكنه اختارهم بعناية.
على سبيل المثال، تضم قائمة المتهمين المستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني ولم تشمل أحمد عسيري، نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية سابقاً.
وفقاً لتقارير، تلقَّى القحطاني مكالمة هاتفية، تُدين محمد بن سلمان في الجريمة، من ماهر المطرب، قائد فريق الاغتيال، وطلب منه "إبلاغ الرئيس أن المهمة قد تمت". والمقصود بالرئيس هنا محمد بن سلمان.
شغل أحمد عسيري منصب المتحدث باسم التحالف بقيادة السعودية في اليمن، ثم منحه ولي العهد ترقيةً ليصير نائب رئيس الاستخبارات العامة.
وعَزَلَه الملك السعودي سلمان، شأنه في ذلك شأن القحطاني.
وتركيا تصعّب الأمر على الدولتين
ألقت السعودية من جانبها القبض على 21 مشتبهاً فيهم، واتهمت 17 شخصاً. تطلب النيابة تنفيذ عقوبة الإعدام بحق 5 منهم، دون ذكر اسم الخاضعين للحكم.
وكان المغزى -برأي بارئيل- من تلك الحركة، التي جرت قبل كشف استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هو إخماد رد الفعل الدولي وتهدئته، لا سيما من جانب الولايات المتحدة.
لكن تركيا قدَّمَت المزيد من الاكتشافات وشرائط التسجيل، التي بدورها لم تبُح بالكثير، بيد أنها أضفت بُعداً مأساوياً على عملية القتل.
ومن ناحية ترامب، تعيَّن عليه تقديم رد سريع.
حجج ترامب لدعم السعودية ليست مبرراً كافياً
وكعادة ترامب، فقد اختلق قصةً خاصة به:
أولاً: لا تملك وكالة الاستخبارات المركزية "أيَّ دليلٍ دامغ" على صلة محمد بن سلمان بعملية القتل.
ثانياً: تقيم أميركا علاقتها مع السعودية، ما يعني أنه يجب الفصل بين جريمة القتل التي ارتكبها أفراد، ولربما كان محمد بمحمد بن سلمان على علمٍ بها، والدولة السعودية.
ثالثاً: تُعدُّ السعودية حليفاً في الحرب على الإرهاب والحرب ضد إيران.
رابعاً: يتعيَّن حماية مصالح "إسرائيل وكل الشركاء الآخرين في المنطقة".
لكن بارئيل يعتبر أنهه ليس لدى أيٍ من تلك الحجج ما تستند أميركا إلإيه.
فالسعودية هي ولي العهد.. لا يمكن التفريق بينهما
لا يمكن تمييز السعودية عن ولي العهد محمد بن سلمان. السعودية هي ولي العهد برأي بارئيل.
وعندما يعترف ترامب بأنه "من الممكن جداً أن ولي العهد كان على درايةٍ بهذه الواقعة المأساوية، ربما نعم وربما لا!"، ويضيف أن وكالة المخابرات المركزية ليست لديها معلومات حاسمة- فإنه بذلك يلقي بالشك على وكالة التجسُّس الخاصة ببلاده لمصلحة أولئك الذين خططوا لعملية القتل.
لكن، ماذا لو اتضح الأمر أن ولي العهد قد أمر بقتل خاشقجي؟
هل سيظل ترامب مُتشبِّثاً بموقفه بوجوب معاقبة الجاني بصرف النظر عن منصبه أو وظيفته، أم أنه سيبتدع أشياء جديدة؟
السعودية ليست حليفاً ضد الإرهاب.. إنما ضد إيران فقط
وخلص بارئيل في مقاله إلى أن السعودية ليست حليفاً في الحرب على الإرهاب.
"فهي لم تشارك فعلياً في الحرب على داعش. إنها تتعاون مع فصائل طالبان في أفغانستان، وهي مسؤولة عن موت آلاف من اليمنيين الأبرياء"، على حد تعبيره.
ووصف السعودية بأنها شريك في "النضال السياسي" ضد إيران، وهي تعمل في اليمن ضد الحوثيين، الذين تدعمهم إيران.
وقد تعهَّدت بزيادة إنتاج النفط، لمنع حدوث العجز جراء العقوبات.
ومن وجهة نظره، اعتبر بارئيل أن السعودية فشلت في إضعاف حزب الله بلبنان، عندما أمر ولي العهد رئيسَ الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بالاستقالة، ومن ثم اختفت من المشهد.
كذلك، لم تنجح السعودية في أن تصير جزءاً من الحملة في سوريا، أو تؤثر في مستقبل بشار الأسد، وقد غضت طرفها بشكلٍ واضح عن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
وصِلة وصل بين إسرائيل ودول عربية
ساعدت السعودية، حسب بارئيل، في تنسيق زيارة نتنياهو لعُمان.
ووفقاً لتقارير أجنبية، مهَّدَت السعودية الطريق أمام زيارات من رئيس مجلس الأمن القومي لإسرائيل ووزير الاقتصاد.
كما دعم السعوديون البحرين، التي أنقذوها من براثن الاضطرابات المصاحبة للربيع العربي، بإرسال قوات لقمع المتمردين.
تحظى السعودية بـ "الكأس المقدسة" التي يأمل نتنياهو الحصول عليها، ألا وهي التمتع بعلاقات دبلوماسية مع دولة عربية رائدة أخرى، كما وصفها بارئيل.
واعتبر أن هذا التقارب يصب في مصلحة تصريحات رئيس الوزراء حول نقطة تحوُّلٍ في المواقف إزاء إسرائيل في الشرق الأوسط.
لم يتحقَّق ذلك بعد، وهذا الأسبوع، صرَّح الملك السعودي بأن الأزمة الفلسطينية تقع على رأس أجندة أعمال المملكة.
وكما هو عُرف المافيات.. مصالح العائلة تأتي أولاً
يكمل ترامب، الذي جاء مرتدياً درعاً إسرائيلية تحميه من النقد الدولي ويتخذ موقفاً مدافعاً عن عميل رئيس في مجال صناعة الأسلحة الأميركية، تعريف الدور الإسرائيلي باعتباره استشارياً للرئيس مثلما في عائلات المافيا، على حد تعبير بارئيل.
استند قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، ذلك الانسحاب الذي هزَّ أركان العالم، إلى "المصلحة الإسرائيلية".
كذلك، الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية هناك كانا أيضاً مبنيَّين على المصلحة الإسرائيلية.
ويأتي الآن قرار تبرئة ولي العهد السعودي ليؤول إلى مصلحة إسرائيل.
كالعادة، تأتي "العائلة" في المقام الأول.