استيقظ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، صباح الأربعاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ليجد نفسه أمام بيئة سياسية جديدة جذرياً، بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب، ولكن ترمب قد يشعل حرباً داخلية حزبية كردٍّ على هذا التحدي.
في حين يواجه ترمب احتمال اندلاع حرب حزبية لمدة سنتين، في ظل مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون، فإن ترمب قد يكون سعيداً بهذا التحدي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
وسيكون مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية مدعوماً أمام الرئيس بسلطة الاستدعاء للمثول أمام المحكمة، ويمكنه التصدي لأجندته التشريعية.
حان وقت الاختيار.. ترمب قد يشعل حرباً داخلية أو يقرر الوصول للتسوية
وعلى الرئيس الأميركي -المعروف بطبيعته الصدامية وحبه الدخول في صراعات- أن يختار الآن بين تصعيد النزاع الشديد الذي مزَّق واشنطن في السنوات الأخيرة وبين محاولة التوصل إلى نوع من التسوية، التي نادراً ما شهدتها فترته الرئاسية حتى الآن.
وبعد شنّ حملة طالتها اتهامات بالعنصرية والدعوة إلى الانقسام، أشار ترمب في الأيام التي سبقت تصويت يوم أمس الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى أنه قد يخفف حدة لهجته من الآن فصاعداً، مع أنَّ الإيماءات السابقة تدل على أن فترات التعاون بين الحزبين لم تدم طويلاً قط.
وفي ظلّ عدم احتفاظ حزبه بكل مقومات السلطة في واشنطن، لا يمكن لترمب أن يتجاهل المعارضة الديمقراطية إذا كان يأمل في تحويل أولوياته إلى قوانين.
والآن لم تعد لديه الأغلبية الجمهورية التي كانت تحميه من التحقيقات بشأن علاقته بروسيا
وربما بالقدر ذاته من الأهمية لن يكون لدى ترمب تلك الأغلبية الجمهورية التي تحميه من التحقيقات في جميع القضايا التي يتوق الديمقراطيون إلى دراستها.
وقد يتعمَّق مجلس النواب الجديد أكثر في شؤون ترمب الشخصية والسياسية، ويطالبه بالكشف عن العائدات الضريبية التي يحتفظ بها سراً، ويبحث بعمق عن أي علاقات تربط الرئيس مع روسيا ويتحرى عن أي تضارب في المصالح.
وفي أقصى حالاته، قد يشكل مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون تهديداً بعزل ترمب، استناداً إلى نتائج التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر، الذي ظلَّ صامتاً خلال الحملة الانتخابية، على الرغم من قلق قادة الحزب الجمهوري حيال مثل هذه الخطوة.
ولكن هل يبدأ الديمقراطيون المرحلة الجديدة بعزل ترمب؟
إن عزل ترمب ليس قضية منطقية أو رابحة للبدء بها.
فحتى العديد من الأميركيين الذين لا يؤيدون ترمب سيتصدّون -في غياب الأدلة الدامغة على هذه الاتهامات- لأي جهود لعزل رئيس مستقر في منصبه.
إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن نسبة المؤيدين لعزل ترمب تتراوح بين 30% و40%.
ولعل أبرز مثالٍ على ذلك هو القيادي الجمهوري نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب الأسبق، الذي أدت مساعيه الشديدة (التي فشلت) لإسقاط الرئيس بيل كلينتون إلى كارثة انتخابية للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي عام 1998.
وأدى ذلك إلى إطاحة غينغريتش من منصب القيادة على يد أعضاء حزبه، وفقاً لما ذكرته صحيفة The New York Times.
ويبدو أنهم سيفضّلون التريث لظهور نتائج التحقيقات
لذا من الأفضل للديمقراطيين أن ينتظروا ليروا ما إذا كشفت تحقيقات مولر عن جرائم ومخالفات جسيمة، قبل أن يقرروا اتخاذ مسار إقالة الرئيس المؤلم المثير للشقاق من عدمه.
وحتى إذا حاولوا ذلك، سيحتاجون إلى استمالة بعض زملائهم الجمهوريين على الأقل إلى صفوفهم.
وقال توم ديفيز، النائب الجمهوري السابق عن ولاية فيرجينيا: "ستكون الإدارة الأميركية تحت رقابة ومساءلة أكبر من جانب مجلس نواب ذي أغلبية ديمقراطية، وانتظروا المزيد من التحقيقات ومذكرات الاستدعاء.
انتهى شهر العسل، أراد المصوتون أن يضعوا الرئيس تحت الاختبار بدلاً من منحه دعماً مطلقاً".
وأصبح ترمب ثالث رئيس أميركي على التوالي يتعرض لنكسة كبيرة في منتصف مدته، بعد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي خسر حزبه الديمقراطي أغلبية مجلسي الكونغرس عام 1994، والرئيس الأميركي جورج بوش الابن الذي خسر حزبه الجمهوري أغلبية المجلسين أيضاً عام 2006، والرئيس السابق باراك أوباما الذي خسر حزبه الديمقراطي أغلبية مجلس النواب عام 2010، وأغلبية مجلس الشيوخ عام 2014.
لكنَّ كلينتون وأوباما انتفضا من هزائمهما خلال فترتيهما الرئاسية الأولى، ليفوزا بفترة رئاسية ثانية بعد ذلك بعامين، ليكتشفا أنه من المفيد سياسياً أن تكون لديك معارضة تواجهها.
ولهذه الأسباب فإن ترمب قد يشعل حرباً داخلية حزبية
ترمب قد يشعل حرباً داخلية حزبية، لماذا يبدو هذا السيناريو محتملاً.
طوال مسيرته السياسية، يكون ترمب في قمة راحته وثقته عندما يكون لديه خصم يقارعه، حسب الصحيفة الأميركية.
وقال مارك شورت، مدير الشؤون التشريعية السابق بالبيت الأبيض: "ستُشكِّل عملية إصدار مذكرات الاستدعاء والتحقيقات صعوبات، لكن ربما لا يوجد شيء يمكنه تعزيز فرص إعادة انتخاب ترمب، أفضل من وجود نانسي بيلوسي زعيمة للديمقراطيين".
في حين قال ستيف إسرائيل، النائب الديمقراطي السابق عن ولاية نيويورك، إن نتائج التصويت حملت إيجابيات وسلبيات بالنسبة لترمب.
وقال إسرائيل إنه في ظل وجود مجلس نواب ذي أغلبية ديمقراطية، سيكون لدى ترمب السلاح الذي يحتاج إليه في حملته للفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2020.
لكن في الوقت ذاته، لا يوجد رئيس يريد أن يملك الحزب المنافس سلطة الاستدعاء، وبالطبع هذا الرئيس تحديداً.
لقد قال إن الانتخابات كانت استفتاء على رئاسته ثم تراجع
وخلال حملة ترمب الانتخابية، وصف انتخابات التجديد النصفي للكونغجرس بأنها بمثابة استفتاء على رئاسته، قائلاً لأنصاره إنهم بحاجة إلى التصويت للجمهوريين لمواصلة تنفيذ سياساته وحمايته من العزل.
وأوضح ترمب أنه سيعتبر أن فوز حزبه في الانتخابات دليل تأييد شخصي، في حين شدد بشكل استباقي على أنه في حال خسارة الجمهوريين، فهذا لن يكون دليلاً على رفضه.
وفي الأيام التي سبقت الانتخابات، أكد ترمب أن التاريخ لا يقف في صفه؛ لأن معظم الرؤساء شهدوا خسارة أحزابهم في انتخابات التجديد النصفي.
وبدا أن هذا الكلام محاولة منه لتحصين نفسه ضد أي رد فعل عنيف من قِبَل الحزب الجمهوري قد يصحب الهزيمة.
وكان ترمب محقاً في ذلك؛ ففي 39 تصويتاً للتجديد النصفي منذ عام 1862، خسر حزب الرئيس أغلبية مقاعد مجلس النواب 35 مرة وأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ 24 مرة.
ولكنه تفادى ما هو أسوأ فمجلس الشيوخ ما زال بيد الجمهوريين
وعلاوة على ذلك، تفادى ترمب أسوأ نتيجة بعد احتفاظ الجمهوريين بأغلبية مجلس الشيوخ.
وهذا يضمن قدرته على التصديق على القضاة وغيرهم من المسؤولين المعينين.
ومن المرجح أن يعارض مجلس الشيوخ أي تشريع غير مرحب به قد يقدمه الديمقراطيون في مجلس النواب، دون الحاجة إلى استخدام الرئيس حقه في النقض.
غير أنه حملته الانتخابية الرئاسية قد ازدادت تعقيداً
لكنَّ إخفاقات الجمهوريين في انتخابات حاكمي الولايات في الولايات الرئيسية يمكن أن تعقّد حملة ترمب الانتخابية للفوز بفترة رئاسية جديدة بعد عامين.
إذ اقتنص الديمقراطيون مقعد الحاكم في ولايات مثل كنساس وميشيغان اللتين فاز فيهما ترمب منذ عامين في الانتخابات الرئاسية، وقد تصُعِّب سيطرتهم على الحكومة في تلك الولايات تكرار فوز ترمب في عام 2020.
وقال رام إيمانويل، عمدة مدينة شيكاغو وعضو الكونغرس السابق عن الحزب الديمقراطي وكبير موظفي البيت الأبيض الأسبق، إن نجاح الديمقراطيين في الفوز بأغلبية مجلس النواب وانتخابات حاكم عدد من الولايات يمثل رفضاً للرئيس في وقت بلغت فيه نسبة البطالة 3.7%، أي أدنى مستوياتها خلال نصف قرن تقريباً.
فالديمقراطيون يحشدون من أجل هزيمته
"الديمقراطيون لا يريدون الفوز بمقاعد مجلس النواب والولايات في حد ذاتها" ، حسبما يرى رام إيمانويل.
ففي الحقيقة، كانت هذه موجة زرقاء (لون الحزب الديمقراطي) مصحوبةً بتيارٍ سفلي أحمر (لون الحزب الجمهوري)" .
وأضاف أنَّ الديمقراطيين يحشدون "أغلبية حضرية"، أي ائتلاف من الناخبين في المدن والضواحي من شأنه أن يقلل فرص ترمب في الفوز بفترة رئاسية ثانية، على حد قوله.
وهو قد يلجأ إلى محاولة بناء سور ترمب العظيم قبل إنعقاد الكونغرس الجديد
وإذا اتخذ ترمب أي رد فعل تجاه هذا الوضع، فربما سيتضح ذلك أكثر في غضون الأيام والأسابيع القادمة.
إذ سيجري الرئيس الأميركي تعديلات على هيئة موظفيه ومجلس وزرائه، وسيقرر ما إذا كان سيفرض مواجهة حاسمة مع الكونغرس السابق ذي الأغلبية الجمهورية للحصول على تمويل لبناء الجدار الذي وعد به منذ وقت طويل على الحدود الجنوبية مع المكسيك.
وهذا التمويل يبدو أنه من غير المرجح أن يحصل عليه فور تولي الديمقراطيين زمام الأمور في مجلس النواب رسمياً في يناير/كانون الثاني المقبل.
وقد يصدم الجميع ويعزل المحقق المستقل الذي يفتش وراءه
علاوة على ذلك، ربما يصل التحقيق بشأن تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016 -الذي توقف مؤقتاً خلال حملة انتخابات التجديد النصفي- إلى ذروته قريباً.
وهذا قد يحفز ترمب إلى إغلاقه أو عزل المحقق المستقل مولر مثلما كان يعتزم.
ومن شأن أي خطوة من هذا القبيل أن تؤجج الغضب في واشنطن وربما تدفع الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب إلى استخدام سُلطتها الجديدة لاتخاذ إجراء ما.
ولكن الرجل الذي تصالح مع كوريا الشمالية بعد أن هددها بالنووي قادر على أن يفاجئ الجميع
ورغم أن هناك احتمال أن ترمب قد يشعل حرباً داخلية حزبية، فإنه يُعد في الوقت ذاته شخصية سياسية أكثر مرونة من كثيرين.
وهو قادر على تغيير موقفه بسرعة دون أن يكترث باتساق مواقفه.
ولذلك، في مقابل سيناريو أن ترمب قد يشعل حرباً داخلية، فقد يفاجئ الجميع بالعكس.
إذ يمكنه نظرياً أن يقرر التعاون مع الديمقراطيين حتى مع احتمالية إثارة غضب رفقائه الجمهوريين.
فالرئيس الذي تحول من التهديد بشن حرب نووية على زعيم كوريا الشمالية إلى الإعلان عن إعجابه بالأخير، يمكنه أن يبدل موقفه ويتفاوض مع منافسيه الديمقراطيين.
ففوز الديمقراطيين يحمل جانباً إيجابياً له
وقالت سارة فاجين، مديرة الشؤون السياسية السابقة بالبيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن: "يحمل فوز الديمقراطيين في مجلس النواب جانباً إيجابياً للرئيس ترمب؛ إذ يمكنه الاستفادة من تعاون الحزبين في صياغة حلول لتكاليف العقاقير الطبية والبنية التحتية.
لكنَّه هذا الفوز يعني أيضاً أن أعضاء إدارته سيقضون العديد من الساعات في التعامل مع التحقيقات، بما في ذلك الإجابة عن التساؤلات بموجب أمر الاستدعاء".
ويحتفظ ترمب كذلك بسلطة وضع السياسة الخارجية كما كان الوضع مع الرؤساء الآخرين خلال فترات اصطدامهم بالكونغرس.
وسيغادر الرئيس الأميركي يوم الجمعة المقبل 9 نوفمبر/تشرين الثاني لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة الفرنسية باريس، حيث سينضم إلى قادة العالم الآخرين للاحتفال بالذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى.
وقد يكون هناك فرصة للتعاون معهم ويترك الجمهوريين يواجهون مصيرهم
وقال ستيف إسرائيل، النائب الديمقراطي السابق، إن المواجهة ليست بالضرورة نتيجة متوقعة سلفاً، وإنَّ ذلك يعتمد على الطريقة التي سيختارها ترمب للرد.
إذ أن ترمب قد يشعل حرباً داخلية حزبية أو يعمد للتوصل إلى صفقات أو تسويات كعادته.
وأضاف إسرائيل: "أعتقد أن هناك فرصة خفية هنا؛ إذ يمكن أن يقدم الديمقراطيون في مجلسي النواب والشيوخ لترمب تشريعاً بشأن استثمارات البنية التحتية وتقليل تكاليف العقاقير الطبية، وهما قضيتان شددّ عليهما في حملته الانتخابية".
وتابع قائلاً: "إذا قبل ترمب الصفقة، فإنه بذك يهمش الجمهوريين في مجلس الشيوخ وهم يدافعون عن 20 مقعداً في الانتخابات المقبلة.
وإذا لم يقبل الصفقة، فلن يكون لديه شيء يبني عليه حملته. وفي كلتا الحالتين، فالديمقراطيون هم مَن في مقعد القيادة".