سؤال قد يبدو غريباً بالفعل إذا ما طرحته لمعرفة مدى نجاح أو فشل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حصار إيران، لكن الواقع يشير إلى صحة هذا السؤال بالفعل بسبب العلاقات الاقتصادية المتشابكة بين الإمارات وإيران، وأن إمارة دبي هي مقياس حقيقي لتأثر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات.
وكالة Bloomberg الأميركية قالت الخميس الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إنه سيكون من الأفضل لأي شخصٍ يريد قياس مدى نجاح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في عزل إيران أن يدرس قائمة الطعام بمطعم السيدة مريم شريفي في دبي.
ويغادر رجال الأعمال الإيرانيون المدينة في ظل القطع البطيء لروابط المدينة مع الجمهورية الإسلامية. وفي يوليو/تموز 2018، بدأت مريم تقديم المعكرونة والبرياني إلى جانب أطباق فارسية مُفضَّلة مثل الكباب وأرز الزعفران، بهدف جذب طيف أوسع من الزبائن. قالت مريم، وهي إيرانية انتقلت إلى دبي قبل 12 عاماً: "تعيَّن علينا تدريب طباخنا لصنع أطباق مختلفة".
قوائم الطعام في مطاعم دبي
ويُسلِّط هذا التغيُّر في أسهم الطعام الإيراني ضمن قائمة مطعم The Homa، الضوء على دور الإمارات الحاسم في تنفيذ العقوبات الأميركية على إيران، التي تُمثِّل شريكاً تجارياً تاريخياً للإمارات يقع على مرمى حجر في الناحية المقابلة من مضيق هرمز، الذي يمثل بدوره المدخل الضيق لمركز تصدير النفط في العالم.
وبحسب الوكالة الأميركية، يُبعِد مستوردو النفط أنفسهم عن النفط الخام الإيراني، وتُجمِّد الشركات الأوروبية استثماراتها هناك، حتى في الوقت الذي يتسابق فيه الساسة الأوروبيون لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الذي تخلَّت عنه الولايات المتحدة في مايو/أيار 2018. لكنَّ فرض القيود على طرق تجارية قديمة مثل هذه يَحرِم إيران من التجارة، وهي طرق يصعب تتبُّعها وساعدتها على اجتياز العقوبات السابقة التي فُرِضَت على البلاد.
قال حسين أسرار حقيقي، أحد مؤسسي مجلس الأعمال الإيراني في دبي: "أصبح المجلس أصغر وتراجعت التجارة مع إيران". وغادر الأعضاء باتجاه تركيا وجورجيا وأرمينيا، بل وحتى ماليزيا وكندا. وأضاف حقيقي: "لن تمثل هذه مشكلة كبيرة للاقتصاد الإماراتي، لكنَّها ستضر بإيران".
رفض التصاريح
قفزت التجارة بين إيران والإمارات إلى 22 مليار دولار في 2017 بدلاً من 18 مليار فقط في العام الذي سبق تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وكانت شركة Siemens وشركة EY للخدمات المالية من بين تلك الشركات التي استخدمت الإمارات كقاعدة للإشراف على عملياتها في السوق الإيرانية الناشئة.
ثم جاء ترمب. كان شركاء أميركا الخليجيون من أكبر المحتفين بحملته ضد إيران، الخصم الذي رأوا أنَّه يكتسب نفوذاً في أنحاء الشرق الأوسط. بدأت السلطات الإماراتية فرض قيود على التجارة مع إيران قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية الأولى على طهران في أغسطس/آب 2018. لكنَّ بيانات التجارة لم تُسجِّل حدوث أثرٍ كبير، بيد أنَّ مطعم مريم شريفي يشير إلى التراجع المتوقع حصوله.
قال حقيقي إنَّ المزيد من طلبات الإيرانيين للإقامة بالإمارات باتت تُرفَض. وفي يونيو/حزيران 2018، أغلق البنك المركزي الإماراتي 7 شركات صرافة بسبب انتهاكات مرتبطة بغسل الأموال. وقالت صحف طهران إنَّ تلك الشركات كانت لها صلات بشركات إيرانية. وحتى قبل أن تُستأنف العقوبات الأميركية على إيران في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بات يُطلَب من الحاويات التي تُفرِّغ حمولاتها في المحطة الرئيسية بالفجيرة أن تُثبِت منشأ البضائع.
علاقات تاريخية
أفاد رجل أعمال إيراني، طلب عدم الكشف عن هُويته، بوجود أعمال تدقيقٍ متزايدة في الموانئ الإماراتية. فبعد 10 سنوات من العمل عبر دبي بلا حوادث، احتُجِزَت مؤخراً المعدات الصناعية التي استوردها 10 أيام، بسبب طلب السلطات وثائق إضافية. ولم ينتهِ هذا الطريق المسدود إلا بعد تدخُّل "اتصالات شخصية".
تعود تجارة دبي مع إيران إلى ما قبل انضمامها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بفترةٍ طويلة. وتعزَّزت مكانتها كمركز للتجارة في مطلع القرن العشرين، بعد وصول التجار الفارِّينمن الزيادات الضريبية التي فرضها الحكام الفرس.
يَشغل مطعم مريم شريفي الطابق الأول من بناية ديمة بمنطقة الديرة، وهي المركز التجاري الأساسي في دبي وكانت لعقودٍ مركزاً لمجتمع الأعمال الإيراني. ومع أنَّ الأبراج المتلألئة في وسط المدينة قد طغت على هذه المنطقة، فإنَّ العدد الكبير من القوارب الخشبية الشراعية الرأسية على طول كورنيش الديرة يظل مقياساً مُعبِّراً عن الضغط المفروض على الجمهورية الإسلامية.
إذ كان حمزة نهانجي، وهو قبطان أحد القوارب المملوكة لإيران، يبحر في السابق من مدينة بوشهر الإيرانية الساحلية كل أسبوعين، ويعود شاحناً قاربه بالثلاجات وزيت الطعام ومستحضرات التجميل. لكنَّه قام برحلتين فقط خلال 6 أشهر، بعدما ضرب انهيار الريال الإيراني الناتج عن العقوبات القوة الشرائية للإيرانيين. وقال: "الوضع ليس رائعاً، لا بالنسبة لي ولا بالنسبة للاقتصاد".
قنوات تمويل
ليس عامل القرب الجغرافي وحده هو ما يُفسِّر أهمية دبي التجارية بالنسبة لإيران. فمصارفها، وحوالاتها المالية، وتجار العُملة غير الرسميين، ساعدوا في توجيه تمويلات إلى إيران، ليس من السهل وجودها متاحة بأماكن أخرى. لكن هذا أيضاً في طور التغيُّر.
ففي يوليو/تموز 2018، أبرزت سيغال مانديلكر، وكيلة وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، تعاون الإمارات في تعطيل شبكة صرافة، قالت إنَّها كانت تنقل أموالاً غير شرعية إلى إيران.
وقالت إيلي غيرانمايه، زميلة السياسة البارزة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "الكثير من العمليات، حتى من أوروبا، سواء كانت استثماراً أو محافظ تجارية، وجدت آليات عبر دبي للوصول إلى إيران". وأضافت أنَّ الإمارات بإمكانها "خلق ضغط اقتصادي على إيران عبر تضييق الخناق على تلك القنوات المصرفية البديلة"، بحسب الوكالة الأميركية.
وفي حين حافظت دبي على روابطها التجارية مع إيران الشيعية، نظرت العاصمة الإماراتية أبوظبي إليها بنظرة النفور تلك، الشائعة لدى النظم الملكية الأخرى التي يقودها السُنَّة.
وأدَّت إقامة تحالف أقوى مع السعودية، إلى جانب سياسات ترمب الصدامية تجاه إيران، إلى جعل موقف الإمارات أكثر صلابة، إذ وضع الشابان اللذان يديران الأمور الآن في السعودية والإمارات –ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد- سياسات خارجية أكثر عدوانية في ظل تصارعهما مع إيران على الهيمنة الإقليمية.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في أغسطس/آب 2018، إنَّ ترمب "يفهم الوضع" حين يتعلَّق الأمر بإيران.
وأحال المكتب الإعلامي لحكومة دبي طلبات التعليق من قِبل الوكالة الأميركية، على المسألة إلى الحكومة الاتحادية الإماراتية. وأحال المجلس الوطني للإعلام في أبوظبي الأسئلة إلى وزارة الاقتصاد، التي بدورها لم تردَّ على رسائل البريد الإلكتروني أو الاتصالات الهاتفية.
الضغط على عُمان
قال برهام جوهاري، المؤسس المشارك في شركة Frontier Partners التي تُقدِّم الاستشارات للشركات متعددة الجنسيات بشأن الدخول إلى السوق الإيرانية، إنَّ 80% من العملاء الذين يعملون عن طريق الإمارات أوقفوا عملياتهم بسبب القيود وهبوط الريال. وقال إنَّ البعض تحوَّل إلى سلطنة عُمان القريبة، التي تملك علاقات حيادية أكثر مع إيران.
لكن حتى في عُمان، يمكن الشعور بحملة ترمب الرامية إلى إضعاف إيران.
نال إيمان ناراغي، وهو مؤسس شركة Dastan Group للسلع الاستهلاكية ومقرها طهران، العام الماضي (2017)، موافقة السلطات العُمانية على تأسيس صندوق من أجل مشروعات التجزئة في إيران. وقال: "كان بالإمكان أن يكون (الصندوق) جسراً مالياً بين إيران والعالم. قمنا بالكثير من العمل، ثُمَّ توقف كل شيء في مايو/أيار 2018". ولم تردَّ وزارتا الشؤون الخارجية والتجارة العمانيتان على طلبات التعليق على المسألة.
وقال جوهاري إنَّ عُمان تُقيِّم المشروعات كلاً على حدة. واستدرك: "لكن بقليلٍ من الضغط الإضافي من الولايات المتحدة"، قد يُغلَق هذا الطريق أيضاً.