بعد تخرُّجه في هندسة الميكانيك، بدأ محمد أبازيد بالاهتمام بموضوع محركات الاحتراق الداخلي، هذه المحركات المنتشرة في جميع أنواع السيارات ووسائل النقل والمواصلات، انطلاقاً من مولد الكهرباء الصغير وانتهاءً بالمحركات العملاقة في السفن.
ومن خلال الدراسة التي أجراها، وجد أن كفاءة جميع هذه المحركات لا تكاد تصل إلى 35% كحد أقصى، في أحدث محركات الاحتراق الداخلي الموجودة الآن في الأسواق.. أي إنه من 60 إلى 70% من الوقود المحروق في كل محركِ احتراقٍ داخليٍ يتحول إلى فاقد.
بدأ اهتمام الشاب بموضوع إيجاد حل تقني لهذه المشكلة، "صببتُ جلَّ اهتمامي على التركيز والبحث والتعمق في هذا الموضوع، ودراسة متغيرات التصميم المختلفة التي تسهم في معادلة تصنيع كفاءة المحرك، ومن هنا كانت بدايتي".
مشوار طويل بدأ به لتكوين فكرة لحل هذه المشكلة التقنية.. أخذت هذه الفكرة بالتبلور إلى أن شارك في برنامج "نجوم العلوم".
محمد أبازيد في "نجوم العلوم"
مهندس الميكانيك الأردني محمد أبازيد ، (33 عاماً)، اخترع آلية فريدة خاصة بمحركات الاحتراق الداخلي (محركات البنزين)، من شأنها تحسين كفاءة المحركات وزيادة إنتاج الطاقة، من خلال تسريع عملية الاحتراق مع خصائص محسنة. يحسّن هذا المشروع من آلية محركات الاحتراق الداخلي، من خلال ميزته الأساسية: "تحسين حركة المكبس".
ويستند هذا الابتكار إلى تقنية ميكانيكية فريدة؛ إذ يقوم بتحسين قدرات المحرك بشكل جذري من حيث الأداء، وكفاءة الوقود، والحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة. وتسمح درجة حرية الحركة الإضافية عبر ذراع التوصيل والحلقات الزالقة، بتحسين حركة المكبس وتعزيز الأداء بشكل عام.
يَستذكر محمد أبازيد تجربته في البرنامج، قائلاً: "في عام 2013، شاركت في برنامج ( نجوم العلوم )، في موسمه الخامس، بفكرة طرح منتج مبنيٍّ على الحل التقني لمشكلة كفاءة المحركات والذي كان موضوع بحثي طوال الفترة السابقة".
فقرر اختراع منتج يتم تركيبه بالسيارات الرياضية، يقوم بزيادة عزم الدوران وقدرة محرك السيارة.. وبإمكان هذا المنتج رفع كفاءة محرك السيارة وتوفير استهلاك الوقود في آنٍ واحد.. وفعلاً، تم قبوله ضمن المشتركين الـ16 الذين تأهلوا للبدء في رحلة التفرغ لتطوير المنتج في Qatar Science and Technology Park ضمن برنامج "نجوم العلوم". كان التحدي الأكبر هو تطوير التكنولوجيا نفسها؛ ومن ثم تطوير المنتج.. إلا أن ضيق الوقت حال بينه وبين الوصول إلى ما كان يتمناه من تمام مشروعه، فحصد المركز الـ11، ثم واصل بطريقة مختلفة.
ثم تفرغ بشكل كامل لعملية البحث والتطوير
كان برنامج " نجوم العلوم " هو النقطة الفاصلة في حياة محمد أبازيد ، فقد كان أول تجربةٍ تفرغ من أجلها للبحث والتطوير، إضافةً إلى التحدي الكبير الذي فرضه البرنامج والمتمثل بالتواصل مع أطراف مختلفةٍ كالمشرفين والأساتذة ولجنة التحكيم، من أجل إقناعهم بالمشروع وإتمام العمل المطلوب.. بعدها تفرغ أبازيد بشكل كامل، لعملية البحث والتطوير فقط.
فبعد تخرُّجه، بدأ مسيرته المهنية في مجال التصميم والتصنيع والهندسة باستخدام الحاسوب (CAD/CAM/CAE)، مستعيناً ببرامج هندسية متخصصة في التصميم والتصنيع والمحاكاة الهندسية، وكان هذا من ضمن تخصصه بعد إتمامه المرحلة الجامعية، حيث تخصص في هذه المجالات، وحصل على شهادات مهنية من شركات عالمية.. أسَّس محمد أبازيد العديد من الشركات في المجال ذاته، منها شراكات مع شركات عالمية أميركية، ومنها مصانع بتكنولوجيا تصنيعية متقدمة تعمل في مجال التصميم والتصنيع باستخدام الكمبيوتر.
في أواخر عام 2015، أسس محمد شركة بإسطنبول، سماها "الجزري" (JAZARI Powertrain)، وهي شركة مختصة بتطوير أنظمة الدفع، تعمل على تحويل الفكرة من مجرد فكرة إلى بروتوتايب قادر على الاختبار في المرحلة السوقية، ثم تقوم الشركة بتقديم المنتج الأولي للشركات التي تستطيع نشره بالسوق.
وفي منتصف عام 2016، استطاع محمد أبازيد الحصول على تمويل على شكل قروض بضمانات شخصية، واستطاع بالفعل الوصول إلى نموذج يعمل بـ4 أسطوانات على البنزين؛ ومن ثم تم وضع هذا النموذج في سيارة مجهزة لأغراض فحص هذا النموذج على أرض الواقع.. "بالنسبة لنتائج الفحص، كانت نتائج مبهرة للغاية وأكثر من المتوقع.. كانت النتائج من 60 إلى 70% زيادة في عزم دوران وقدرة المحرك (more Torque and Horsepower)، بالإضافة إلى كفاءة حرارية تصل إلى 50% ( Break Thermal Efficiency) مقارنة بنسبة 35% كحد أقصى في أفضل محركات الاحتراق الداخلي الموجودة بالسوق، وهذا يعتبر رقماً عالياً جداً!
وبنسبة مماثلة، انخفضت ملوثات البيئة من أكاسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون (50% less NOx, HC, CO emissions)، وارتفعت كفاءة الاحتراق بالنسبة نفسها أيضاً".
ووصل مشروعه إلى الشركات العالمية
يعمل محمد أبازيد من خلال شركته، على التحضير لدخول فحص في مختبرات مركز توبيتاك بإسطنبول (TUBITAK)، بحضور شركات وَجهات عالمية؛ ومن ثم دخول هذه التكنولوجيا إلى مرحلة الشراكات مع المؤسسات العالمية المعروفة، الأمر الذي سيؤهله لدخول المرحلة السادسة من مراحل نضج التكنولوجيا Technology Readiness Level 6) TRL6)، وهذا بدوره سيقود إلى تتجير التكنولوجيا التي تم تطويرها ووضعها كمنتج في الأسواق أو الترخيص بتصنيعها للشركات العالمية.
تعمل هذه الشركات العالمية المتخصصة على تطوير التكنولوجيا من المرحلة السادسة؛ حيث تكون التكنولوجيا في هذه المرحلة مثبتة من ناحيتين؛ الأولى هي الجدوى الفنية Technical Feasibility، والثانية الجدوى التجارية Economic Feasibility، وصولاً إلى المرحلة التاسعة TRL9، أي إن هذه التكنولوجيا المُطوَّرة أصبحت متوافرة ومطروحة ضمن الأسواق.
ويستطرد محمد حديثه، قائلاً: "من أهم مشاريعنا القادمة تطوير المحركات العملاقة كالتي تُستخدم في سفن الشحن البحري الضخمة، وتطوير الأشكال المختلفة للوقود المستعمل بهذه المحركات كاستخدام الغاز المسال LPG لتشغيل هذه المحركات"، وأضاف محمد أبازيد أيضاً: "بالنسبة لحجم الاستثمار، فقد وصل حجم الاستثمار المباشر وغير المباشر من مِنح وتسهيلات وغيرها، إلى مليون ونصف مليون دولار أميركي، ونعمل الآن على تنظيم جولة استثمارية جديدة Investment Round خلال الأشهر القادمة؛ لكي نستطيع القيام بالمراحل القادمة من التطوير والاستثمار".
وأردف: "حالياً نعمل على أن نكون جاهزين استثمارياً للحصول على استثمار من جهات عالمية مختصة، هذه المرحلة هي مرحلة تسبق Venture Capital Investment Round، وهذا ما سيُدخلنا مرحلة العالمية بإذن الله".
محمد أبازيد هو نموذج واحد لعدد كبير من المبدعين العرب الذين أثبتوا أن الإرادة والعزم والتصميم في الإنسان هي الطريق نحو النجاح والتألق، فالناجحون فقط هم من يدركون دورهم تجاه المجتمع؛ من خلال مشاركة ما يملكون من معلومات، وثروات؛ لإفادة البشرية وتطورها.