حذر السعوديون بأنَّ بإمكانهم دفع أسعار النفط إلى 100 أو 200 دولار للبرميل، وهو تصرف من شأنه أن يغرق الاقتصاد الأميركي والعالمي في حالة ركود، بعد تهديدات واشنطن للسعودية بعد حادث مقتل جمال خاشقجي .
ولمّح السعوديون إلى أنَّ شركات الدفاع الأميركية يمكن أن تخسر عشرات مليارات الدولارات من الصفقات التي يمكن أن تؤول إلى روسيا أو الصين.
هذه التهديدات التي وجهتها السعودية في الأيام الأخيرة، كانت استجابة للتهديدات الأميركية بعقابها بسبب مقتل جمال خاشقجي وما ورد عن تقطيع أوصاله، وهو الحادث الذي صدم العالم.
ومع ذلك، فقد قلل خبراء في مجالي النفط والدفاع بشكل عام من هذه الاحتمالات، بحسب ما أورده تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
السعودية لم تعد "القوة العظمى" في مجال الطاقة
وفي حين أنَّ السعودية ما تزال المنتج الأساسي في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ويمكن أن تمارس نفوذاً جباراً على أسعار النفط، فإنها لم تعد القوة العظمى في مجال الطاقة، التي كان السائقون الأميركيون يخشون منها خلال فترة حظر تصدير النفط العربي إبان فترة سبعينيات القرن العشرين.
ولما كان السعوديون عملاء منذ وقت طويل لقطاع صناعة الأسلحة الأميركي، فلا يمكنهم التحول إلى مزوِّدين آخرين بسهولة.
وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة في واشنطن: "إنهم يعتمدون علينا أكثر مما نعتمد عليهم".
وقد تحرك المسؤولون السعوديون والأميركيون لتهدئة الصخب الناشئ عن مقتل جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بالقنصلية السعودية في تركيا. ومع ذلك، فما تزال احتمالية تصعيد الأزمة باقية، وضمن ذلك فرض عقوبات أميركية والانتقام السعودي.
فيما يلي، نظرة على النفوذ الاقتصادي للسعودية على الولايات المتحدة –أو غياب هذا النفوذ– وسبب أهميته.
هل تضاءلت القوة الطاقية للسعودية في سوق النفط؟
إلى حد ما، نعم. فالولايات المتحدة أقل اعتماداً بكثير على السعودية والدول الأعضاء في "أوبك" عما كانت عليه منذ عقد مضى، عندما بدأ سعار الحفر بحقول الصخر الطيني في تكساس وداكوتا الشمالية.
وزاد الإنتاج الأميركي بأكثر من الضعف منذ عام 2007 –ليصل إلى 10.5 مليون برميل يومياً، بعد أن كان 5.1 مليون برميل يومياً– وأصبحت الولايات المتحدة من كبار المصدّرين، للمرة الأولى منذ عقود.
ولا يزيد ما تستورده الولايات المتحدة من السعودية على 800 ألف برميل يومياً –وهو رقم أقل بـ600 ألف برميل يومياً مما كان عليه قبل عقد– ومعظم هذا الرقم يذهب إلى مصفاة خليج المكسيك المملوكة لشركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الوطنية السعودية.
كذلك، فإنَّ قطع السعودية النفط، الذي يمثل أقل من 5% من الإمدادات الأميركية، سوف يضر بـ"أرامكو" ويخفض من إيرادات الحكومة السعودية. ويمكن أن تستبدل الولايات المتحدة النفط من دول أخرى أو من حقولها ذاتها بهذه النسبة.
وقال جيسون بوردوف، الأستاذ الجامعي بجامعة كولومبيا والمدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية التابع للجامعة، إنه مع أنَّ للسعودية قدرة كبيرة على تقليص الإنتاج ورفع السعر، فهذا سلاح من المستبعد أن تستخدمه.
وقال بوردوف: "سوف يكون لذلك تأثير سلبي شديد على الاقتصاد العالمي. كما سيلحق بالغ الضرر بالسعودية، وسوف يقوض السمعة التي بنتها السعودية بصفتها مزوداً يمكن الاعتماد عليه منذ 45 عاماً".
ماذا عن اعتماد صناعة الدفاع الأميركية على السعوديين؟
السعودية أكبر مستورد أجنبي للأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات جمعها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
لكن في الوقت الذي جعل فيه الرئيس ترمب جزءاً كبيراً من أهمية السعودية يرجع لكونها عميلاً مهماً لمقاولي الأسلحة الأميركيين، وهو ما تأكد بالتزامها، العام الماضي (2017)، بشراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار، فإنّ معظم هذا الالتزام لم يتم الوفاء به بعد.
وقال بعض الخبراء إنه حتى لو تحرك الكونغرس لمعاقبة السعوديين بعد مقتل جمال خاشقجي بتعليق صفقات الأسلحة –كما بدا مرجحاً بشدة في الأيام الأخيرة– فإنَّ الأثر الاقتصادي على الولايات المتحدة لن يكون مؤلماً بالضرورة.
إذ قال كيمبال: "سوف يلحق هذا الأمر الضرر بحاملي الأسهم في شركات الدفاع، لكنَّ هذه الشركات سوف تكون على ما يرام دون صفقة الأسلحة هذه. فهذه الشركات ليست محلات بقالة".
ألم يعطِ الانخفاض في مبيعات النفط الإيرانية السعوديين المزيد من القوة في السوق؟
رحبت السعودية بانسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني واستئناف العقوبات الأميركية على طهران، وهو ما قلل من قدرة إيران على بيع النفط. لكنَّ الولايات المتحدة تعتمد على السعودية لاستبدال الإمدادات الإيرانية التي كانت تُضخ إلى الأسواق الآسيوية.
وسوف يؤدي انهيار التعاون الأميركي-السعودي إلى تقويض هدفهم المشترك، وهو عزل الحكومة الإيرانية. سوف ترحب إيران، العدو اللدود للمملكة، بأي تقليل في الصادرات السعودية؛ وهو ما سيؤدي إلى استفادتها من زيادة الأسعار.
وقال ديفيد غولدوين، الذي كان أكبر مسؤول للطاقة في وزارة الدفاع بالإدارة الأولى لأوباما، إنَّ التهديد السعودي بتخفيض الإنتاج لم تأخذه أسواق النفط على محمل الجد، على الأقل حتى الآن.
وأضاف غولدوين إنَّ أي تخفيض سعودي "سوف يقوّض هدف السعودية الأساسي في السياسة الخارجية؛ ألا وهو احتواء إيران".
وقال غولدوين إنَّ السعوديين أيضاً يكرهون خلف ظروف اقتصادية من شأنها تسريع التحول إلى السيارات الكهربائية، وهو الأمر الذي من شأنه التسريع بزوال أول صادراتهم.
هل يعني هذا أنَّ التهديد السعودي فارغ في مجمله؟
إنَّ ذكريات الحظر النفطي الذي فرضته السعودية و"أوبك"، وطوابير البنزين التي تسبب فيها منذ نصف قرن مضى، في طور التلاشي. ومع ذلك، فالسعودية قوة نفطية ذات نفوذ مستمر على الأسعار.
تنتج السعودية حالياً أكثر من 10% من الإمدادات العالمية. ومع انهيار الإنتاج في فنزويلا بسبب المشكلات السياسية، ومع تزايد العقوبات النفطية الأميركية المتجددة على إيران، فسوف يتضخم النفوذ السعودي.
وقال إد هيرز، أستاذ اقتصاديات الطاقة بجامعة هيوستن، إنَّ التهديد الذي يطول أسواق النفط سوف يلوح إذا قرر الكونغرس خفض مبيعات الأسلحة إلى السعودية.
وقال هيرز إنَّ السعودية قد تستجيب "بخفض الإنتاج، الذي من شأنه رفع أسعار النفط، وهو ما سيكون ذا أثر سلبي على الاقتصاد الأميركي، أو بإمكانهم زيادة الإنتاج بشكل دراماتيكي لتخفيض أسعار النفط الخام، وهو ما سوف يضر صناعة النفط الأميركية بشكل لا يصدق".
وكانت السعودية، في الشهور الأخيرة، قد زادت من إنتاجها وصادراتها للمساعدة في إرضاء العملاء الآسيويين القلقين بشأن الإمدادات. ونسقت المملكة مع روسيا، التي تزيد هي الأخرى من إنتاجها، لتزيد من تخفيف ضغوط الأسعار.
وقد صدَّقت "أوبك" على زيادة الإنتاج، على الرغم من الشكاوى من إيران.
وفي الوقت ذاته، فإنَّ إدارة ترمب حريصة على إبقاء أسعار البنزين منخفضة، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النصفية.
ما الذي حدث لأسعار النفط منذ اندلاع قضية مقتل جمال خاشقجي ؟
من شأن الشجار الدبلوماسي بين حكومتي السعودية والولايات المتحدة بسبب مقتل جمال خاشقجي أن يزعج تجار النفط، لكنَّ أسعار النفط ظلت مستقرة في الأيام الأخيرة؛ إذ يباع خام برنت القياسي في نطاق 80 دولاراً للبرميل.
وقد فاقت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي والتقارير عن المخزونات الوفيرة أي قلق من شقاق محتمل بين المملكة العربية السعودية وإدارة ترمب.
وقال مايكل لينش، رئيس شركة Strategic Energy and Economic Research، وهي شركة استشارية مقرها ماساتشوستس وأحياناً ما تقدم استشارات لـ"أوبك": "السوق لا يبالي".
وقال لينش: "الناس يعرفون أنَّ السعوديين لا يريدون طرد العملاء بالتلميح إلى أنَّ إمداداتهم النفطية ليست مضمونة. وهم يعتقدون أنَّ ترمب سوف يقبل أي تفسير يقدمه السعوديون في النهاية؛ لأنه لا يريد خسارة عقوده الدفاعية الضخمة".
ومع ذلك، فقد أشار آخرون إلى أنَّ سوق النفط ليس منيعاً على الأزمة بسبب أزمة خاشقجي، خصوصاً أنَّ القضية قد أثارت أسئلة أساسية حول الحكم والقيادة في العائلة المالكة السعودية.
وقالت إيمي مايرز جيفي، محللة شؤون النفط في الشرق الأوسط في مركز العلاقات الخارجية: "في السابق، كنا نتخيل أنَّ السعودية حصن لا في نظام تحالف إقليمي فحسب وإنما ايضاً بصفتها الحارس الأساسي للاستقرار في سوق النفط. والآن، فإنَّ النجاح في هذا الدور يجري التشكيك فيه، وقد تم الكشف عن هشاشة هذه المكانة".